أكتب إليك بالذات وتعليقا على مقالتك "لا آكل من هذا الخبز"، المنشورة في إيلاف بتاريخ 3 ديسمبر 2005... والتي تطالب فيها [وهذا حق مشروع]، بأن يأخذ المثقف مواقف واضحة من الأحداث وأن لا يكون فقط "مطيا" أقصد [حمارا] بالعربي الفصيح، مهمته ومهنته تمرير بضائع السياسة المستهلكة والثقافة الرديئة التي بسببها يزهق العراق اليوم بطيئا أنفاسه.
أنت تعرفني جيدا يا عبد القادر، وتعرف مدى تقديري للمثقف المتمرد "الملعون"، وصمتي الطويل "فنيا وشعريا" في فرنسا. 30 عاما من المنفى ومقارعة الفاشية البعثية والعربية وهمج الأصوليين التافهين تستحق في الأقل التحية ليس إلا...
وكي أكون في صلب موضوعك وأربطه بمقالة خضير طاهر "عار المثقف العراقي"، المنشورة يوم 4 ديسمبر في إيلاف أيضا، والذي يمتدح فيك شجاعة تساؤلاتك، أقول أني أرسلت إلى إيلاف وبتواريخ متفرقة:

1
في تاريخ 2/11/2005 بعثت بمقالة على شكل رسالة مفتوحة حملت عنوان "الملحقية الدينية للسفارة العراقية في فرنسا"، لم تنشر على الرغم من إرسالها مرة أخرى بتاريخ 3/11/2005، ولا خبر لليوم؟ [تجدها مرفقة] مع هذه الكلمات، متمنيا أن تخدش بعض من يتصور أن المثقف العراقي ساكت وجبان إلى آخره من الخزعبلات الصحفية الرديئة بعصرنا الرديء هو الأخر.

2.
في تاريخ 28/11/2005 بعثت بمقالة حملت عنوان "الغثيان بعيدا عن الحرب"، للأسف هي الأخرى لم تنشر ؟ [تجدها مرفقة هي الأخرى].
أن الكتابة عن أي موضوع كان، تتطلب شيئاً من الوضوح وقدراً من الدقة، دون إغفال إمكانية الكاتب وتجربته الإبداعية ونزاهته الأخلاقية. بطبيعة الحال ، أن من العجالة القول بأن الأخلاق وحدها تنتج مبدعين كبارا ورجالا حكماء، كما من العجالة أيضا تقييم الشعر والشاعر والمثقف، من خلال وجود أو عدم وجود أنظمة فاشية ديكتاتورية كما هو معروف في مفاهيمنا. وهذا القول ينطبق علينا نحن معشر المبدعين العراقيين والمثقفين المناهضين لأحزاب القتل العربية "القومانية الأسلاموية"، وفي قمتها حزب "البعث" وإخوانه الأحزاب الطائفية. ولأن الإبداع لا يكتب له الديمومة دون الإمساك ب م نصات أخلاقية، فالمبدع سيكون الوجه الآخر لجبن السياسي، الساكت عن أعمال الإرهاب والأجرام البعثي والديني، الذي طال وجدان وكيان الشخصية العراقية، ولا زال يقرض ويهدد بمذابحه وجود الإنسان العراقي ذاته، ناهيك عن تهديده المباشر لروح ثقافة وادي الرافدين ومدينة السلام وحجرها.
أقول أن المثقف والسياسي العراقيين يكونان وجهان لعملة واحدة، إذ سكتوا عن المجازر التي تصيب الفرد العراقي، أو برروها بتسميات التحرر و[المقاومة] وبيافطات دينية، قومية عربية أو عشائرية، وأين ما يكون تواجدهم فهم عديمي الأخلاق ومشاركين في الجريمة.
مبدعون ورجال ومناضلون بلا أخلاق، هم كثيرون في الوطن العربي، كما في داخل العراق وخارجه . ويبقى تحديد ماركس عظيم الصحة "بأن من يفقد أخلاقياته يفقد كذلك جماليته !"... أني لا أريد من خلال ما جاء ذكره انتحال هذه الخصال الأخلاقية، التي اعتقد بأنها تُنْتَزعْ أكثر مما تُدَّعى. لكني أتحدث هنا بحرية المرء المتجرد من كل أشكال النزاعات النخبوية والحزبية، [لأني أمقتها]، مقتنعاً بأن حوار الأصوات المبدعة والتجارب الثقافية المتعددة والمتباينة للعراقيين ، زمنياً ومكانياً، هي خير سبيل للوصول إلى تفاهم عقلاني مشترك، بين المثقف والسياسي...
كضحية عراقية تعيش الحصار الفكري والسياسي العربي، وعلى كافة المستويات هذا رغم عطاءها المستمر [الثقافي الأدبي، مجاميع شعرية وقصص وأعمال مسرحية وسينمائية، وذلك بالعربي والفرنسي]، أشعر بأني أنظف من غيري فيما يخص [المواقف الفكرية والإنسانية]، ولا يهمني قطعا ذاك الأحمق الذي ربما يسخر من كلامي وأسلوبي، كما يحاول اليوم أشاعته بعض أيتام الثورات التي لم تتحقق سوى في دهاليز عقولهم التي أخذت تنطفئ...
العراق يتمزق، وأنت تعرف جيدا أيها الشاعر، كثير من الأسماء الكبيرة [بالشعر والأدب والفن العراقي والعربي] لا تتعدى كونها فقاعات أخذت تطقطق هنا وهناك، وتتفجر لأنها جردت من غطائها ومصل حيويتها المتمثلة بدكتاتورية الجرذ صدام وحزبه النازي وأموال العراق. لأن هؤلاء أنفسهم من لم يدافعوا بالأمس القريب عن حرمة الثقافة العراقية وآدميتها...
ونحن اليوم نشاهد ونسمع ونقرأ، بأن هذا العراق لا زال متروكا كما البارحة، عرضة لنهب الضواري، أقصد الصداميين والبعثيين، ومعهم اليوم الزرقاويين والإيرانيين، إضافة إلى [وهنا الطامة الكبرى] الأحزاب الدينية والعلمانية والكردية والأقليات القومية والأثنية وهلم جرا... وكأن الجميع قد نسي مصائبه المشتركة، ودم ضحاياه الذي لم ينشف رغم مرور ثلاثة أعوام على هروب الجرذ، قائد أمته التافهة، وسقوط بغداد. وراح كل حسب مصالحه الآنية بالمزايدة على الأخر، حتى المزايدة على الجثث والشهادة، علنا ومن دون حياء، وكل من مكانه ورؤيته، ينهش ما تبقى من جسد هذا العراق المحتضر.
محبتي
رفيق منفاك صلاح الحمداني