عرف أهل العراق الهوس الصدامي في بناء القصور الفاخرة التي كانت تحقيقا لرغبة الدكتاتور، وتحقيقا لرغبته في أن يكون له كل هذا العدد من القصور الرئاسية، والتي عرفها أبناء العراق، وصار معروفا الممنوعات والمحرمات في الاقتراب من هذه القصور أو حتى النظر اليها عن بعد مع انه أطلق عليها تمويها أسم قصور الشعب.
و أشترى الدكتاتور من أموال العراقيين ودموعهم وآلامهم عددا من القصور الفخمة خارج العراق، وكان بالإضافة الى القصور الرئاسية في بغداد قصور أخرى، كمجموعة قصور المجمع الرئاسي، وقصر الرضوانية، وقصر أبو غريب، وقصر الأعظمية، وقصر السجود، وقصر السلام، وقصر القادسية، و كان هناك عدد آخر من القصور الرئاسية في المحافظات العراقية كقصر الثرثار وقصر الموصل والبصرة و قصر تكريت الذي يضم 128 مبنى أقامه صدام ليطل على نهر دجلة، وغيرها من القصور المنتشرة في كل مدن العراق، محرم على العراقيين الاقتراب منها أو تصويرها، بل إن عددا من القصور الرئاسية لم يستطع الدكتاتور العراقي أو عائلته إن تتوفر الفرصة للسكن فيها، حيث لم يطل به الزمن في السلطة للتمتع بها، وكان يتم جلب أشهر الفنيين سواء من العراقيين أو الأجانب لتصميم أدق وأجمل الزخارف والنوافير في القصر، و روعة بناء المسابح الخيالية والبحيرات الاصطناعية التي تحتوي على أجمل الحيوانات المائية والزوارق، كما تضم الحدائق الشاسعة الدائمة الاخضرار، والتي كانت تحتوي على شتلات لأجمل أنواع الزهور الجميلة والفريدة و النادرة، وغالبا ما يلجأ الدكتاتور الى هدم وتغيير أجزاء كثيرة منها وفقا لمزاجه ورغبته، وكان عدد القصور ما يثير تساؤل وحيرة العراقيين.
غير أن الأكثر حيرة وغرابة أن المعارضة العراقية في الزمن الصدامي، حين كانت تتحدث عن تلك القصور وعن استغلال الدكتاتور لها، والتمتع بفخامتها على حساب بؤس وحسرة العراقيين، فأنها كانت تواعد أهل العراق بتحويل تلك القصور الى متاحف وقصور فنون وثقافة يتمتع بها أهل العراق، وتستغلها الدولة لحساب شعب العراق.
وطالعنا العديد من كتابات الأحزاب والشخصيات التي كتبت في هذا الشأن، وحيث ظهرت تلك الصور التي جسدت الفخامة والترف والمغالاة في الأنفاق على مرافق تلك القصور، ما جعل أنظار العراقيين تتجه نحو التطلع لها، غير إن قوات الاحتلال توجهت نحو التمركز في تلك القصور، واعتبرتها مقرات عسكرية لقواتها، بل واعتبارها مناطق محرمة على العراقيين، وتحريم الاقتراب منها أو الدخول اليها، كما كان يفعل الدكتاتور قبلهم وكأنها تكرر فعله.
الغرابة والحيرة في الصمت الذي لازم تلك العمليات من قبل الأحزاب العراقية والحكومات المتعاقبة التي توالت على السلطة في العراق بعد سقوط صدام، وفي القبول الضمني عن بقاء القوات المحتلة في تلك القصور، والمساهمة في تحويلها الى ثكنات عسكرية، وإنشاء قواطع ومصدات كونكريتية أمامها ووسطها، وخربت حتى وضعها وشكلها المعماري بما يتناسب مع حاجتها وحمايتها.
وتلك العمليات تولد خسارة كبيرة على الشعب العراقي، وتعدي بليغ على ثروة العراق، ولامبرر للسكوت عنها. ومن الأجدر إن تتحول تلك القصور الى مراكز بحوث ودراسات أو متاحف تضم ماتبقى لنا من آثار عريقة، أو تضم متحفا يحتوي على آثار الدمار وأساليب القتل والتعذيب التي مارستها الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق بحق أبناء العراق، أو إن تكون مراكز فنون وثقافة تليق بالعراق.
وتم استغلال العديد من تلك القصور من قبل القوات المحتلة لتسلية جنودها أمام أنظار العراقيين، ففي معسكر قاعدة رايدر بتكريت تم تحويل أحد قصور صدام إلى مقهى للانترنت
وجد الجنود الأمريكيون في العراق متنفسا لمعاناتهم على حساب العراقيين من خلال افتتاح أول مقهى للانترنت في معسكر قاعدة رايدر بتكريت. أن فرقة المشاة الرابعة في القوات الأمريكية افتتحت المقهى وزودته بعشرين كمبيوتر وخدمة الانترنت بتمويل من الحكومة الأمريكية. ويذكر أن مقهى الانترنت أقيم في جزء من أحد قصور صدام حسين.
كما قامت بريطانيا بالاستيلاء على القصر الرئاسي في البصرة الواقع على ضفاف شط العرب وأتخذته قنصلية لها.
فإذا كانت تلك القصور التي استغلها الطاغية العراقي وشيدها على حساب حصار العراقيين وحاجتهم، وتمتع بها رغبة في أرضاء نزواته مع كل ما حدث للعراق من مآس وأحزان وخسارات، ومع كل أيام الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة بالتعاون مع سلطة صدام على الشعب العراقي، فقد كان بناء القصور على قدم وساق، وكان يجري استيراد المرمر والكريستال والأجهزة التي تدخل ضمن تلك القصور من خارج العراق وبأغلى الأثمان، فعلى أي أساس تقوم سلطات ألاحتلال باستغلالها، وعدا عن أن العراقيين لم يستطيعوا الدخول الا للقصر الرئاسي في الموصل، والذي تمكن الناس فيه من التجوال والتمتع فترة قصيرة لم يلبث إن تم منعهم والاستيلاء على القصر الرئاسي الواقع وسط المدينة على مرتفع مجاور لفندق كبير ولكليات جامعة الموصل، وعلى أرض كانت مملوكة لعوائل موصلية وتم الاستيلاء على تلك الأراضي عن طريق الأستملاك.
فأن كانت تلك القصور حقا للشعب بعد إن عادت للعراقيين، وبعد مرور اكثر من اربع سنوات على سقوط الدكتاتورية، لم نجد أي مشروع تتقدم به السلطة في استغلال تلك القصور بما يليق بالفنون والثقافة والتاريخ العراقي، كما لم نجد من يطالب القوات المحتلة بأن تتخلى عن تلك القصور، وان هذه القصور ليست قواعد عسكرية حتى يمكن التمركز بها.
العديد من القصور التي كانت تحت قبضة صدام وسيطرته صارت تحت قبضة الأمريكان وسيطرتهم، وتحول بعض منها الى منتجعات سياحية للجنود يتمتعون بها في عطلاتهم وأجازاتهم القصيرة.
أن في بغداد وحدها عشرة قصور ملكية، لانريد إن نتطرق الى الطرق التي كان صدام يتبعها في استغلال تلك المنتجعات الفخمة، ولا في طريقة الأنفاق والإسراف والبذخ عليها، الا إن هذه الأماكن التي أساء الاحتلال الأمريكي في العراق لها تعتبر استغلالا غير مشروع لها.
وفي الوقت الذي يعاني العراق من نقص شديد في المستشفيات والأدوية، فأن العراق برمته يفتقر الى مستشفى كبير يحتوي على الأجهزة الحديثة، يتم استغلال أحد القصور التي يفترض أنها عادت للشعب لتقام عليه تلك المستشفى لعلاج أبناء العراق أن كانوا يستحقون ذلك !!
وكانت وكالة أخبار البي بي سي قد ذكرت فيما يخص تحويل تلك القصور الى منتجعات سياحية : (( أن أكثر ما سيتمتع السياح بزيارته هو القصور الباذخة التي بناها الرئيس السابق، والتي كان مجرد التطلع اليها يكفي في السابق للتعرض للتعذيب والسجن.
ويتجاوز عدد هذه القصور 70 قصراً تحيطها مساحات شاسعة من الحدائق الغنّاء والمسطحات المائية الجميلة. وهي جميعاً تعكس قدراً عالياً من التزويق والفخامة التي عمل صدام حسين بجد ومثابرة على ضمانها. وكثيراً ما كان يأمر بتهديم أي جزء من القصور وديكورها إن لم يكن يعجبه، وإعادة تشييده ليأتي متلائماً مع نظرته الى العظمة والمجد اللذين كان يعتقد أن من حقه أن يتمتع بهما.
وحرص الدكتاتور السابق على اختيار أفضل المواقع وأكثرها إشرافاً ليبني قصوره ذات التصاميم البديعة، والرخام النادر والثمين، معرقلاً في الوقت ذاته حياة كل السكان الذين قيض لهم الحظ أن يقطنوا في هذه المواضع. ))
وكان أحد وزراء الثقافة السابقين صرح بأن احد القصور الرئاسية سيتم تحويله الى مركز ثقافي باسم شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، ولم يكن لهذا التصريح أي أثر أو صحة فقد تبخر مع تبخر فترة وجود الوزير، ولم نزل نحلم بمركز يحمل أسم هذا الرمز العراقي الكبير.
أن أضرارا جسيمة لحقت بالقصور، وكما طالتها عمليات تخريب وتغييرات أحدثت لها تشويها وتغييرا، مما يوجب إن يتم حصر تلك الأضرار والعمل على استعادة القصور وإصلاح التخريب والأضرار الحاصلة، والسعي بصدق وجدية الى تحويلها لأماكن تليق بالعراق والعراقيين، وان نستعيد كل تلك الوعود في تحويلها الى متاحف وقاعات عرض ومراكز ثقافية ومتاحف فنية.