ماذا ينتظر طوني بلير في فلسطين؟
فاوض الثوار الايرلنديين ونجح في حمل السلام الى ايرلندا الشمالية


بقلم كلير شورت:تغيَّر المناخ السائد في السياسة البريطانية. اخيراً رحل طوني بلير وتنفست البلاد الصعداء. وقد كان غوردون براون صديقاً وحليفاً لطوني بلير طيلة 25 عاماً. تشاجرا كأخوين يقع بينهما خلاف بين حين وآخر، لكنهما مع ذلك يظلان متلاصقين. لكن اسلوب كل منهما يختلف عن اسلوب الآخر. طوني بلير رجل استعراضي، فهو ممثل او عارض، يحب المسرح، ويهيم بالندوات الصحافية، ويعشق السفر حول العالم للقاء شخصيات مهمة، والظهور في وسائل الاعلام الى اقصى حد ممكن.

اما غوردون براون فله اسلوب مختلف. والده رجل دين اسكتلندي، اسلوبه بعيد عن الاضواء. انه اكثر ذكاءً، واعمق تفكيراً. يقرأ بنهم، ويهتم بالتفاصيل السياسية على نحو لم يألفه بلير. ويشعر الشعب البريطاني في الوقت الحاضر انه مصاب بالقرف والغثيان من laquo;التحييكraquo; السياسي خلف الكواليس ومن اسلوب طوني بلير، فلا عجب ان درجة التأييد لغوردون براون قد ارتفعت كثيراً في استطلاعات الرأي. ويسود شعور بالامل الكبير في حزب العمال، بأن الحزب سوف ينهض من حالة انعدام شعبية بلير والفوز في الانتخابات المقبلة.

غير انه ليس واضحاً بعد ما اذا كان هذا التغيير سوف يؤدي الى تغيير في السياسة البريطانية تجاه الشرق الاوسط او دعم الرئيس جورج دبليو بوش. والمعروف ان غوردون براون مؤمن عنيد بالفكرة الاطلسية، ويدعم بقوة laquo;العلاقة الخاصةraquo; بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وهو تاريخياً تربطه علاقات صداقة مع كثيرين من الحزب الديموقراطي الاميركي، ويدرك تماماً مدى انحدار شعبية بوش في الولايات المتحدة، وانه لم يعد امـامه في السلطة سوى سنة واشهر قليلة. لكن الديموقراطيين في الولايات المتحدة هم تاريخياً اشد دعماً وصداقة لدولة اسرائيل من الجمهوريين. وفي اعتقادي ان خفض عديد القوات البريطانية في العراق سوف يستمر، لكن بدون انسحاب تام. وسوف يترافق ذلك مع زيادة في القوات البريطانية العاملة في افغانستان، وعلى العموم سوف يستمر دعم السياسة الاميركية تجاه لبنان، واسرائيل، ومعاناة فلسطين.

ويعيش المراقبون المجربون في الشرق الاوسط في اجواء بالغة التشاؤم. فالسياسة الاميركية تجاه لبنان ما زالت تثير الانقسام، وتتحدث اسرائيل عن هجوم آخر على لبنان للثأر من الهزيمة التي لحقت بها في عام 2006. بل ان هناك حديثاً عن هجوم اسرائيلي على سوريا، وما زالت جهات داخل ادارة بوش تأمل في شن غارات جوية واسعة على ايران قبل مغادرة بوش لمنصبه الرئاسي.

ان الوضع في افغانستان يحيط به عدم الاستقرار بصورة متزايدة، ويتزايد التوتر في باكستان حيث الوضع بات متفجراً. ويبدو ان الولايات المتحدة واسرائيل تفكران ان بامكانهما فصل غزة عن الضفة الغربية بصورة دائمة، وبامكانية التوصل الى صفقة ما مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مما يعني قبوله بمجموعة من البانتوستانات المتباعدة سوف يحاولون تسميتها بالدولة الفلسطينية.

وسط هذا الوضع المشحون بالقلق اقحمت ورقة غامضة بتعيين طوني بلير مبعوثاً خاصاً للشرق الاوسط. وقد تم تعيينه في هذا المنصب من قبل اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والامم المتحدة، والاتحاد الاوروبي، التي يفترض فيها ان تسير قدماً بخارطة الطريق من اجل السلام في الشرق الاوسط، لكنها في الواقع مجمدة ومحنطة تماماً. وقد ذهل المعلقون الجديون لهذا التعيين. فالرجل الذي اساء الى شرف منصبه في رئاسة الحكومة البريطانية طيلة عشر سنوات بالخداع حول موضوع العراق، ودعمه غير المشروط للرئيس بوش هناك، وللقصف الاسرائيلي للبنان، ومقاطعة laquo;حماسraquo; بعد فوزها في الانتخابات الفلسطينية، وبلعه خطاب المحافظين الجدد حول laquo;الحرب على الارهابraquo; وlaquo;صراع الحضاراتraquo;، اقنع الرئيس بوش بتعيينه مبعوثاً للسلام في الشرق الاوسط.

ومن الصعب على المرء ان يعرف ما اذا كان عليه ان يضحك او ان يبكي. فلماذا اراد هذه الوظيفة؟ ويبدو ان ذلك كان مطلبه الوحيد من بوش، لكن ما هي النتائج المحتملة؟

واستنتاجي الخاص هو ان بلير ما زال يسعى وراء سجله التاريخي. فهو ما زال يريد ان يكون شخصية مهمة على المسرح العالمي. وربما كان في اعمق اعماقه يشعر بالذنب تجاه الشرق الاوسط. انه يريد ان يبني على النجاح الذي حققه في ايرلندا الشمالية، بأن يصبح جزءاً من عملية السلام في الشرق الاوسط ليمسح من سجله لطخة العراق، ويؤمن لنفسه مكانة في كتب التاريخ. واخشى ان يكون استنتاجي صحيحاً بأن رغبته في هذه الوظيفة هي مجرد سراب او وهم في عقل طوني بلير. فهذه الوظيفة كما حيكت لا تعني انها الدور المنتظر لمبعوث السلام الى الشرق الاوسط. بل هي اقل شأناً بكثير غايتها مساعدة الفلسطينيين على بناء مؤسساتهم واقتصادهم تمهيداً لقيام الدولة الفلسطينية.

كان الشاغل السابق لهذه الوظيفة جيم ولفنسون الذي اسندت اليه بعد دورتين ناجحتين قضاهما في رئاسة البنك الدولي. وصادف حصوله على الوظيفة بالتزامن مع الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة. وقد بذل قصارى جهده لجمع مليارات الدولارات للاستثمار في غزة بما في ذلك عدة ملايين من ماله الخاص. فقد كان يحدوه الامل بتحقيق ازدهار مشهود في القطاع كخطوة اولى لبناء دولة فلسطينية حرة ومستقلة. لكنه ما لبث ان استقال قرفاً من ابقاء المعابر مقفلة بين غزة وكل من مصر واسرائيل. والمطار لم يفتح، والفواكه والخضار التي انتجت في البيوت الزجاجية التي تخلى عنها المستوطنون الاسرائيليون تركت لتهترئ وتفسد على الحدود.

وشاهد ولفنسون بعينه الفساد المسيطر على الحدود والفساد الضارب في السلطة الفلسطينية. كذلك انحى باللائمة على إيليوت أبرامز، وهو من المحافظين الجدد يعمل مستشاراً للرئيس بوش في شؤون الشرق الاوسط، لأنه كان باستمرار يخرب مساعيه ومشروع اقامة دولة فلسطينية حرة ومستقلة.

فهل حظوظ بلير ستكون افضل من ذلك.

في النتيجة عمل جاهداً لانجاح العملية السياسية في ايرلندا الشمالية. فقد بدأت العملية السياسية في ايرلندا الشمالية قبل وصوله الى الحكم. وهي عملية اقتضت ان تتحدث الحكومة البريطانية الى laquo;الارهابيين السابقينraquo; لاقناعهم بالتخلي عن السلاح والمشاركة في الحياة السياسية لتحقيق هدفهم بتوحيد ايرلندا. ودارت مفاوضات طويلة تضمنت تقديم تنازلات عديدة واطلاق سراح السجناء المحكومين بجرائم عنف خطيرة. فهل يستطيع بلير تطبيق هذه الدروس في فلسطين؟

هذا يقتضي منح الشعب الفلسطيني العدالة والامل ثم التفاوض مع جميع الفصائل لتحقيق هدنة فيما بينها، واقامة دولة فلسطينية. فما زال هدف laquo;حماسraquo; تحقيق الامل بفلسطين موحدة لجميع شعبها، كما هو هدف ايرلندا الموحدة بالنسبة الى الجيش الثوري الايرلندي.

لكن قيام دولتين على اساس حدود 1967، حيث تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطين، والتفاوض على تسوية بشأن حق العودة للاجئين، هو المرادف للتسوية مع الجيش الثوري الايرلندي التي حملت السلام الى ايرلندا الشمالية ووضعت نهاية لعمليات التفجير التي كان يقوم بها هذا الجيش في لندن.

سوف يكون مدهشاً اذا رأى بلير النور، وسعى الى تسوية من هذا النوع بصبر وعزم. لكنني اخشى ان يتبنى بدلاً من ذلك خطة شارون التي تضاهي خطة التفريق العنصري (الأبارتيد) لجنوب افريقيا، والتي تقضي باقامة اربعة بانتوستانات فقيرة للفلسطينيين، واعطاء 85% من ارض فلسطين التاريخية الى اسرائيل. وهذا يعني، طبعاً، استمرار سفك الدماء والمعاناة لزمن طويل مقبل.

إنني متشائمة وارجو ان اكون على خطأ.

*كلير شورت نائبة في مجلس العموم البريطاني، ووزيرة التنمية الدولية في حكومة طوني بلير، استقالت من منصبها احتجاجاً على مشاركة بريطانيا في احتلال العراق. زارت جنوب لبنان اخيراً ضمن وفد برلماني اجرى محادثات رسمية في كل من بيروت ودمشق. وهذا المقال الخاص تنشره quot; ايلافquot; بالاتفاق مع تقرير laquo;الديبلوماسيraquo; الذي يصدر في لندن-عدد آب/اغسطس ٢٠٠٧.