بصراحة لا أحد يصدق ما قاله رئيس وزراء عربي من أن الزيادة السكانية حرمت بلاده من أن تلحق بركب النمور الاقتصادية في العالم الثالث. فهذا الكلام لا علاقة له بالواقع لأن النمور الاقتصادية في جنوب شرق آسيا و أمريكا اللاتينية تقدمت رغم كثافتها السكانية الهائلة!


ولو كانت زيادة السكان مشكلة لأصبحت الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا دولا متسولة تعيش على المعونات، لكنها على العكس أصبحت نمورا اقتصادية يحسب لها ألف حساب بفضل التخطيط السليم والعمل المتواصل والسياسات الاقتصادية الفعالة والتوزيع العادل للثروة!


خذ عندك الصين نموذجا فرغم عدد السكان الذي وصل 1،3 مليار نسمة والزيادة السكانية التي بلغت 0،6 % إلا أنها حققت نموا اقتصاديا تجاوز 11،7% سنويا وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 7 تريليون دولار وقفزت الصادرات إلى 1،2 تريليون دولار.
أما الهند التي يقدر عدد سكانها بحوالي 1،1 بليون نسمة بمعدل زيادة سكانية 1،6 % فقد وصل الناتج المحلي الإجمالي 2،9 تريليون دولار وقفزت الصادرات إلى 151 بليون دولار ووصل معدل النمو الاقتصادي 9،2 %.
وفي البرازيل التي يقدر عدد سكانها ب 191 مليون نسمة بزيادة 1% سنويا في عدد السكان وكانت ديونها 151 مليار دولار حتى نهاية التسعينيات أصبحت الآن أهم نمر اقتصادي في أمريكا اللاتينية بمعدل نمو اقتصادي 5،4% وناتج محلي إجمالي 1،8 تريليون دولار وصادرات 160 بليون دولار.
لم يحدث في كل هذه الدول مجتمعة أن أعاقت الزيادة السكانية عملية التقدم الاقتصادي بل على العكس تم توظيف هذه الزيادة عبر برامج التنمية الاقتصادية والبشرية!


خذ عندك نموذجا آخرا كوريا الجنوبية التي يقدر عدد سكانها بحوالي 49 مليون نسمة والزيادة السكانية 0،4 % فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي 1،2 تريليون دولار ومعدل النمو الاقتصادي 5% سنويا والصادرات 371 بليون دولار.
وفي تركيا التي يقدر عدد سكانها ب 71 مليون نسمة ومعدل الزيادة السكانية 1% سنويا وصل الناتج المحلي الإجمالي 888 بليون دولار وبلغ معدل النمو 5% والصادرات 115 بليون دولار.


لم يكن في الأمر معجزة ولا هم يحزنون فهذه النمور الاقتصادية اتبعت خططا تنموية واضحة ولم تدخل في تجارب فاشلة وحاربت الفساد وسوء الإدارة بكل قسوة وكانت لها إرادة سياسية قوية مكنتها من تحقيق ما فشل الآخرون في الوصول إليه!
خذ نموذجا آخرا ماليزيا التي حققت نهضة تنموية حقيقية رغم الزيادة السكانية التي تقدر ب 1،7 % سنويا فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي 357 بليون دولار ومعدل النمو الاقتصادي 6،3% وقفزت الصادرات إلى 181 بليون دولار.


هذه الأرقام التي أوردها البنك الدولي في تقريره لعام 2007 أكدت أن ما قاله رئيس الوزراء العربي في تصريحاته مجرد ضحك على الذقون فالأزمات الاقتصادية التي تعيشها بعض الدول العربية سببها سوء الإدارة والفساد والفشل في إدارة الموارد الاقتصادية!
في مصر وصل عدد السكان حاليا إلى 81 مليون نسمة وتراجع معدل الزيادة السكانية من 2،4% عام 1982 إلى 1،6% عام 2007 وهو نفس معدل الزيادة السكانية في الهند حاليا لكن شتان ما بين الأداء الاقتصادي في البلدين.


صحيح أن معدل النمو الاقتصادي في مصر بلغ 7،1 % في عام 2007 لكن 35% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر والدين العام الداخلي والخارجي يقدر بنحو 105% من الناتج المحلي الإجمالي حسب تقديرات البنك الدولي وتستورد البلاد ما قيمته 44 بليون دولار مقابل صادرات لا تتجاوز 26 بليون دولار.


ومع ذلك لا أحد يناقش قضية الإدارة والتخطيط والاهتمام بالإنسان باعتباره الهدف الأساسي للتنمية وإنما يعلق الجميع صعوبة الأوضاع الاقتصادية على شماعة الزيادة السكانية بدعوى أنها تلتهم عائدات التنمية في حين أن برامج تنظيم الأسرة نجحت في خفض معدل الزيادة السكانية بنحو 12 مليون نسمة خلال 15 عاما.
ويا سيادة رئيس الوزراء العربي المحترم: ليس بقطع الإنجاب وحده تتقدم الأمم!

عبد العزيز محمود

[email protected]