في الوقت الذي يُعاني فيه أكثر من مائة مليون انسان تحت خط الفقر من نقص تمويل الغذاء، يجتاح العالم موجة انتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية كوسيلة طاقة بديلة، ورغم التحذيرات التي يُعلنها الخبراء والمتخصصين إلا أن معظم الدول المؤيدة للفكرة تضرب عرض الحائط بتلك التحذيرات وقد طالب كبير مستشاري الامم المتحدة للاغذية بسرعة تجميد الاستثمار في مجال انتاج الوقود الحيوي مؤكداً ان الاندفاع الأعمي في هذا الطريق هو عمل quot;غير مسؤولquot; في الوقت الذي يرفض فيه الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا الاتهامات بان الوقود الحيوي مسؤول عن الارتفاع الاخير في اسعار الغذاء العالمية، وأعلن وهو يتحدث أمام مؤتمر لمنظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (فاو) في برازيليا أن الزيادة في استهلاك سكان الدول النامية للأغذية هو السبب الرئيسي في إرتفاع أسعارها، ولو اعتبرنا أن هذا صحيحاً، وأن هناك زيادة في الإستهلاك في تلك الدول التي تشكو نقص الغذاء مثل الصين والهند نتيجة لتحسن أوضاعهم الاقتصادية وأصبحوا يأكلون أكثر كما يقول لولا..فهل يكون هذا مبرراً لإستخدام المحاصيل الزراعية في صناعة وقود السيارات؟؟


ولو كانت معادلة quot;لولاquot; صحيحة إذن فإن الدول النامية ليست وحدها هي سبب الأزمة بل كل الدول التي تحسنت أوضاعها الإقتصادية وأصبح شعبها يأكل أكثر، فالرئيس البرازيلي يُحلل القضية من منظور quot;الجوع والشبعquot;، في الوقت الذي تواجه فيه بعض دول العالم مثل مصر والفلبين وبعض دول أفريقيا أعمال شغب نتيجة لإرتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وهناك مناطق شاسعة في وسط وغرب القارتين الافريقية والآسيوية تعاني من شح في الموارد المائية، فكل المؤيدين لفكرة انتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية يعرفون جيداً أن هذا يمثل أحد الأسباب الرئيسية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إضافة إلى إرتفاع أسعار البترول، لكنهم يُحاولون إقناع العالم بغير الحقيقة، فكل حروب العالم كانت دائماً لديها مبرراتها، التي لا يعني قادتها درجة اقتناع العالم بهذه المبررات لكن لابد أن تُعلن المبررات، وتؤيد نفس الفكرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تؤكد أن السياسات الزراعية السيئة وتغير العادات الغذائية في بعض البلدان النامية يمثلان الأسباب الرئيسية لإرتفاع أسعار الغذاء في العالم وليس انتاج الوقود الحيوي، وميركل تشغل المنصب التنفيذي الأعلى في أكبر مصنع للوقود الحيوي في أوروبا، وقالت نصاً quot;من يسافر الى الهند هذه الايام سيلاحظ أن النقاش الرئيسي يدور حول الوجبة الثانية..الناس يأكلون مرتين في اليوم واذا كان ثلث الشعب الهندي البالغ تعداده مليار نسمة يفعل ذلك فهؤلاء يمثلون 300 مليون نسمةquot;.


فالمؤيدون لإنتاج الوقود الحيوي يرددون أنه وسيلة لتقليل الاعتماد على النفط وتقليل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ولم ينتبهوا لتزايد خطر المجاعة في بعض دول العالم، وقد اكدت منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ان الوقود الحيوي هو أحد quot;المحركات الرئيسيةquot; لتوقعات زيادة أسعار الغذاء بنسب تتراوح بين 20 في المائة و50 في المائة بحلول عام 2016.


فالمؤيدون ينظرون فقط أسفل أقدامهم، ولا يستخدمون لوحات الحياة الإرشادية التي تملأ طريقنا إلى مستقبل لا نعلمه لكننا حتماً نستشعر مخاطرة، فقضية الوقود الحيوي وإرتفاع أسعار الغذاء قد لا تكون قضية العالم في السنوات القادمة التي قد نواجه فيها ما هو أخطر من ذلك، لكن الخطورة الحقيقية تتمثل في توقفنا عندها، وتباين الأراء حولها ما بين مؤيد ومعارض، وتتمثل أيضاً في كونها ليست محسومة لصالح النسبة الأكبر من البشر، فقتل إنسان من أجل حماية مائة آخرون أفضل بكثير من عكس ذلك..


محمد منير