1-
قبل عقد من الزمن ألقى أحد الدعاة السعوديين محاضرة لمز فيها quot;الأتراكquot; ورأى أن تركيا الآن وبعد أن كانت تصدّر الجيوش الجرارة أصبحت تصدّر quot;الحلاّقينquot; ويضرب كفاً بكفّ أسفاً على توقّف الجيوش التركية التي كانت-وفق رأيه- هي التي تدكّ الكفار، لكن هذا الداعية الذي أخذ على عاتقه مكافحة الحزن نسي أن يعيد قراءة هذه الـquot;تركياquot; فهي ليست مجرّد مفرخة لتصدير الحلاقين للسعوديين، لدى تركيا الكثير من التجارب الغنية التي يمكن قراءتها واستلهامها، ليصبح أكثر إنصافاً مع تركيا التي لم تكن مجرد دولة بسيطة، وإنما كانت تقبض بكفّها على وجه كامل من الكرة الأرضية. تذكرت ذلك التعبير المخجل من ذلك الداعية وأنا أفكّر ملياً في العمل الذي تقوم به مجموعة الإم بي سي عبر بثّها للمسلسلات التركية.
2-
خلال العقود الماضية هيمنت المسلسلات السورية والمصرية والخليجية على القنوات الكبرى في الفضاء، حتى دبلجة المسلسلات المكسيكية داهمها الفشل الذريع، بل أصبحت وسيلة لضرب النكات، فالمسلسل المكسيكي تستمرّ حلقاته إلى ما بعد المائة، في ظل نص بائس، وأحداث لا يمكن أن تلامس شغاف المشاهد العربي، كما أن القضايا التي تحدث في المسلسلات يأخذ طابع التكرار الممل. أما المسلسلات العربية بمختلف أنواعها فهي تحاول أن تستنزف عواطف المشاهد بأحداث متهالكة وتافهة، مثل الحب والطلاق والزواج السري. المسلسلات المصرية التي غزت الفضاء لفترة من الزمن كانت تكرر الأحداث والقصص. أما المسلسلات السورية فهي إلى فترة قريبة من أقبح المسلسلات على مستوى الإخراج والسيناريو والأحداث، حتى الإبهار البصري لم يوجد في أكثر المسلات السورية، صحيح أن الدراما السورية ضمت بعض الفنانين الاستثنائيين والكثير من الحسناوات غير أن تلك العوامل لم تنتج مسلسلاً سورياً يمكن أن يلبّي احتياجات العين.
3-
أما المسلسلات الخليجية، فلها قصة أخرى، يفتتح المسلسل بأغنية حزينة للغاية، وبمشاهد مليئة بالدموع والضرب بأنواعه، منه الضرب بالعصا، والضرب بالإناء، أو الضرب بمجموع اليد وهي الضربة التي يطلق عليها quot;اللكمةquot; . يسير المسلسل في الغالب بأحداث متشابهة، وبحكي طويل، وبعُقد بائسة كلها تُحل في الحلقة الأخيرة، وتدور الأحداث كالعادة حول quot;الشركة، الوكالة العامة، المؤسسة، الإعاقة، الإصابة بحادث سير، المخدرات، الإدمانquot; ثم يحشد للمسلسل مجموعة من الطاعنات في السنّ وهنّ يمارسن التصابي، وتستهتلك المسلسلات الخليجية المكياج بالأوزان والأطنان، فتحاول أن تشاهد لون بشرة هذه الفنانة أو تلك فلا تستطيع لشدة لصوق المساحيق على وجهها، فتبدو لون بشرة المكياج وتغيب بشرتها، وكل واحدة من تلك الطاعنات في السنّ تظنّ أنها فتاة أحلام شبان الخليج، وتنام وهي في كامل زينتها وتصحو على زينتها التي نامت بها، هذا فضلاً عن البذخ الكاذب بأحدث الجوالات التي يتداولها الصبية، وبأفخر السيارات، وبأغلى الألبسة، وبأجمل البيوت، بينما حال المواطن الخليجي ليس كذلك، بل نسبة الفقر في الخليج لا يمكن أن يستهان بها.
4-
لا يمكن أن نتجاوز هذه التفاهة الفنية والعنّة في الكتابة، والعقم في الإخراج، إلا بإحراج المنتجين الذين يريدون الربح السريع حتى ولو على حساب quot;بؤبؤquot; المشاهد ووقته، وثقافته أولاً، عبر إدخال quot;المسلسلات التركيةquot; وهو فعل ذكي قامت به مجموعة الإم بي سي التي ضاقت ذرعاً بالذين يرفعون أسعار أعمالهم الفنية الهابطة، وكم أعجب المشاهد العربي بالمسلات التركية التي تلامس بأحداثها شغافه ذلك أن الطبائع الشرقية متقاربة، والأحداث التي تناقش تمسّ المشاهد بوصفه يشترك مع التركي بثقافة ذات بعد ثقافي متقارب، إذا ما أخذنا بالاعتبار تماسّ الإسلام مع التركي والعربي بطريقة متقاربة، كما أن العادات متشابهة على مستوى التضاغط الاجتماعي وإن كانت الحرية أوسع بالنسبة للقانون التركي.
إنها خطوة استفزت المنتجين العرب الذين ينتجون الأعمال الفاسدة والضارة رغبة في الربح، وهي خطوة لكسر غرور بعض الفنانين البسطاء الذين قادهم الحمق إلى اعتقاد بائس بأنهم أساطير فنية، لكن حينما نغرق السوق ببضاعة أخرى، تتهاوى تلك البضائع الرديئة، نتمنى أن تغرق المسلات التركية وغير التركية قنوات العرب لإراحة عين المشاهد الذي ملّ مسلسلات كئيبة، ليعلم حينها بعض البسطاء أن تركيا لم تصدّر فقط quot;الحلاقينquot; وإنما صدّرت مسلسلات على مستوى من الجودة والجمال.