محمد الحمامصي من القاهرة: تهدف هذه الرسالة المتميزة والمهمة ( الخطاب الجدلى فى مختارات من النصوص الإعلامية الأمريكية والمصرية (1990 - )) التي حصلت بها الباحثة فيروز فؤاد إبراهيم حسن علي درجة الدكتوراه من كلية الألسن، قسم اللغة الإنجليزية، الخميس الماضي، وضمت لجنة المناقشة د. أحمد صديق الواحى ( أستاد اللغويات المساعد بقسم اللغة الانجليزية كلية الالسن جامعة عين شمس، عضوأ، د.على جمال الدين عزت (أستاد اللغويات بقسم اللغة الانجليزية كلية التربية جامعة عين شمس، مشرفا ومققررا) و د. منى فِؤاد عطية ( أستاد اللغويات المساعد بقسم اللغة الانجليزية كلية الآداب جامعة عين شمس، عضو ا)، تهدف إلي إبراز الدور الذي تلعبه اللغة في خلق خطاب جدلي مقنع ومؤثر وتحاول الإجابة عن التساؤل quot;هل يتميز الخطاب الجدلي بملامح لغوية خاصة؟quot; و ترتكز الدراسة على قاعدة أساسية وهى أن قدرة أى خطاب على إحداث تواصل ناجح لا يتحقق إلا إذا حاز هذا الخطاب على قدر من الإجماع من خلال الإقناع والمحاججة. ومن ثم فالخطاب الجدلى هو فعل لغوى يعمل على تحقيق قصدية محددة فى سياق بعينه. و يتم هذا من خلال طرح الحجج الصادقة لتحقيق نوع من التواصل الحقيقي وليس من خلال الحجج المغلوطة للتضليل والالتباس والتعتيم مما يؤدي إلى نوع من المغالطات. وتعد عملية المحاججة أوطرح الحجج في أي خطاب جدلي نوعا من النشاط اللغوى الاجتماعي الذي يوجه بقصد التواصل والحوار والتفاعل مع الآخرين بهدف الإقناع.
تقول د.فيروز: الجدل مبحث شيق جذب اهتمام الدارسين من مختلف التخصصات منذ القدم (انظر جدليات أرسطو و مطارحات مكيافيللي). ولذلك نجد دراسات في علم البيان و الفلسفة و المنطق و الاجتماع و علم النفس فضلا عن اللغويات. والجدل لا يعتمد علي قدرات الفرد العقلية المنطقية فحسب بل هو عملية ديناميكية تلعب فيها اللغة دوراً محورياً وتختلف باختلاف الظروف المحيطة أو السياق العام، كما أنها عملية اجتماعية حيث أن الجدل بطبيعته يتطلب بل يشترط وجود طرفين أو أكثر. و عادة ما يرتبط الخطاب الجدلي بالافتتاحيات والأعمدة الصحفية والخطب السياسية والمرافعات القانونية والمناقشات البرلمانية والقضايا الفلسفية، غير أن هذا لا ينفي وجود ذلك النمط من الخطاب على المستوي الشخصي من التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، فالإنسان بطبعه يميل للجدل ولإثبات صحة وجهة نظره في أي موقف من مواقف الحياة اليومية.
ولاشك أن الجدل يلعب دورا هاما في تعبير الفرد عن آرائه و في الدفاع عن مواقفه وتبرير أفعاله. و يتعاظم هذا الدور في وسائل الإعلام لما لها من ثقل و تأثير في عالمنا اليومي من حيث تشكيل الرأي العام وتوجيه الأيديولوجيات وفرض علاقات القوة، بل ويصل هذا التأثير إلى حد أن يكون دافعاً إلى اندلاع الحروب أو إلى وضع نهاية لها.
وتضيف: يرجع اختيار الخطاب الصحفى كمادة للبحث و التحليل فى هذه الدراسة إلى أهمية الدور الذى تلعبه اليوم وسائل الإعلام عامة والصحف خاصة فى تشكيل الرأى العام وتوجيه الأيديولوجيات. وتشمل مادة البحث عدداً من الافتتاحيات و أعمدة الرأى و خطابات إلي المحرر، و هي أكثر أقسام الصحف استخداماً للخطاب الجدلي حيث تمثل هذه الأقسام وجهة نظر أو تعليق الصحيفة أو القراء علي الأحداث الجارية، و بهذا فهى تعتمد بشكل أساسي علي استراتيجيات الجدل المختلفة من أجل التأثير علي المتلقي وإقناعه بوجهة النظر المطروحة.
وتنطلق الدراسة من فرضية اساسية وهى أن هناك اختلافات بين اللغتين العربية و الإنجليزية في بناء الخطاب الجدلي، وتسعى الدراسة إلي استقصاء صحة هذه الفرضية و بيان أوجه الشبه و الاختلاف بين استراتيجيات الجدل المستخدمة في اللغتين العربية و الإنجليزية من خلال تحليل الألفاظ والتراكيب اللغوية المرتبطة بالخطاب الجدلي في مختارات من النصوص الإعلامية المصرية والأمريكية التى تناولت ما يعرف بأزمة الرسوم الدنماركية المسيئة. وقد وجدت الدراسة أن مظاهر الحجاج تتعدد وتتنوع فهناك الحجاج الصريح والحجاج الضمني، وتبعا لذلك تتعدد استراتيجيات الحجاج وتتباين تأويلاتها. ففي النهاية هدف كل خطاب هو الإقناع والتأثير والاستمالة والتوضيح من خلال ما يسوقه من حجج، فهناك الحجة القاطعة والحجة القوية والحجة الضعيفة. وتتشكل هذه الحجج من مجموعة من الأفعال الكلامية لها مرجعياتها وسياقها. وهي تتعلق بالقدرة على إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة من خلال براعة الاحتجاج وقلب الحقائق والاستدراك بأدوات مثل لكن، غير أن، بيد أن... وغيرها والتي تقطع تسلسل الخطاب وتؤدي إلى تعدد المواقف والاحتمالات، وهناك كذلك استراتيجيات الجدل التى تخلق حالة من التباعد بين المتلقى والنص أو الموقف الجدلى ومنها، على سبيل المثال، التهكم والسخرية والمفارقات irony والاستشهاد وعلامات التنصيص والتعجب وغيرها...
كما تهتم الدراسة بالكشف عن الحجج الضعيفة أو المغلوطة التي وردت فى النصوص الاعلامية المصرية والأمريكية فى تعليقها على أزمة الرسوم الدنماركية المسيئة. فتتناول الدراسة مغالطات الغموض والالتباس fallacies of ambiguity ومنها المراوغة في استخدام الكلمات والعبارات بمعان متعددة equivocation والتلاعب بالألفاظ والإبهام amphiboly. كما تتناول المغالطات ذات الصلة بالموضوع fallacies of relevance ومنها الهجوم الشخصي argumentum ad hominem علىالخصوم فى الموقف الجدلى وليس على حججهم وأقوالهم، ومن هذا النوع من المغالطات أيضا اللجوء إلى مخاطبة المشاعر الجماهيرية أو الشعبية mob appeal (ad populum) واللعب على أوتارها، واللجوء أيضا إلى استجداء التعاطف appeal to pity.
وهناك أيضا مغالطات الافتراضات المسبقة fallacies of presumption ومن أشهرها التغاضي عن الأدلة التي هي ضد موقف الخطاب أو التحيز لوجهة نظر الخطاب suppressed evidence، أو طرح تساؤلات في صورة إجابات نهائية complex question، وأيضا ما يسمى بالثنائية الخاطئة false dilemma. و أخيرا هناك مغالطات الاستقراءات أو الاستنتاجات الضعيفة fallacies of weak induction وتظهر هذه المغالطات نتيجة للاستخدام الخاطئ لأي نوع من أنواع السلطة appeal to authority المادية وأيضا السلطة الرمزية كالعادات والتقاليد المشتركة والرأي السائد، أو اللجوء إلى أسباب واهية ووهمية لإثبات شئ false cause، وأيضا الاعتماد على تعميمات غير موضوعية ونتائج متسرعة وأدلة المترتبة عليها غير وافيةhasty generalization / appeal to ignorance، ومن هذا النوع من المغالطات أيضا الانزلاق slippery slope في سلسلة من الأسباب والنتائج الخاطئة.
أما عن مضمون أو محتوى الخطاب الجدلى المتعلق بأزمة الرسم الكاريكاتورية الدنماركية المسيئة للرسول محمد (ص)، فقد ركزت النصوص الصحفية الأمريكية موضع البحث على محورين اساسيين أولهما الدفاع المستميت عن حرية التعبير باعتبارها من مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان ومن أهم ركائز الحضارة الغربية الحديثة.وركز المحور الثانى على تصوير الأزمة بين الاسلام والغرب وكأنها حلقة من حلقات صراع الحضارات كما جاء فى كتابات هنتنجتون وفوكوياما. ومن ناحية أخرى، تناولت النصوص الصحفية المصرية موضع التحليل أزمة الرسوم المسيئة من ثلاث محاور، أولها التشديد على احترام حرية التعبير مع توضيح أنها كمبدأ حضارى أصيل لا تتعارض أبدا مع احترام الأديان. وثانى هذه المحاور هو انشغال عدد كبير من الكتاب بتناول رد الفعل العربى الاسلامى للأزمة سواء بالتأييد أوبالهجوم. أما ثالث المحاور فى النصوص الصحفية المصرية فقد ركز على توجيه اللوم والنقد ليس لمن قاموا باشعال فتيل الأزمة بنشر مثل تلك الرسوم بل للعرب والمسلمينالذين انحصر دورهم على رد الفعل، وقد وصل الأمر عند كثير من الكتاب إلى منطقة جلد الذات باعتبارنا (كعرب ومسلمين) مسئولين عما حدث.
جاءت الرسالة فى ستة فصول. يطرح الفصل الأول موضوع البحث وهدفه ومادته وسياقها التاريخى، كما يعرض لمنهجية البحث وأقسامه. و يشمل هذا الفصل كذلك عرضاً لخصائص بعض الأجناس الصحفية موضع الدراسة مثل الافتتاحيات الصحفية وأعمدة الرأى و خطابات إلى المحرر.
ويعرض الفصل الثانى للاتجاهات و المدارس المختلفة التىاهتمت بدراسة الخطاب الجدلى مند القدم، مع التركيز على دور علم اللغويات على وجه الخصوص فى تحليل النصوص الإعلامية ذات الطابع الجدلى. كما يلقى هذا الفصل الضوء على أهم الدراسات والأبحاث التى تناولت خصائص وملامح الخطاب الجدلى فى اللغتين العربية والانجليزية.
أما الفصل الثالث فيقدم تعريفات وافية لعدد من المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بموضوع البحث مثل الجدل، الإقناع، المواجهة، الخطابة، الافتراضات المسبقة، والمغالطات. و يشير هذا الفصل كدلك إلى منهج البحث وإطاره النظرى، كما يركز على شرح وإيضاح ملامح النظرية البراجماديالكتية Pragma-dialectic Theory of Argumentation (فان إمرين 1993، 1996، 1999) باعتبارها أحد أهم النظريات المستخدمة فى تحليل الخطاب الجدلى. وطبقاً لهذه النظرية، فإن الخطاب الجدلى لابد وأن يتكون من أربعة مراحل: أولاً، مرحلة المواجهة وفيها يتم الاعتراف بوجود خلاف فى الرأى ؛ ثانياً، مرحلة الافتتاحية وفيها يتم إرساء نقطة البداية للنقاش والتفاوض؛ ثالثاً، مرحلة الجدل وفيها يتم تبادل الحجج والبراهين؛ وأخيراً، المرحلة الختامية التى يتم فيها إغلاق النقاش بعد أن تتضح نتائجه
و يقدم الفصلان الرابع والخامس تحليلا للتراكيب اللغوية والاستراتيجيات المرتبطة بالخطاب الجدلى فى النصوص الإنجليزيةوالعربية. أما الفصل السادس فيقارن بين نتائج تحليل النصوص العربية والإنجليزية، ويحاول أن يجيب عن التساؤل quot;هل يتميز الخطاب الجدلي بملامح لغوية خاصة؟quot; و يناقش أوجه الشبه والاختلاف بين استراتيجيات الجدل المستخدمة في اللغتين العربية و الإنجليزية.