تابعت في الفترة الأخيرة تعليقات وردود بعض القراء، وكثيرًا ما كان هناك تساؤل من قبلهم حول آلية الحلول للإشكالية المطروحة بدلا من عرض الواقع الذي أُشبع عرضًا ونشرًا، كما تمحورت معظم ردودهم حول الطروحات الانسانية بوصفها أحلام طوباويّة بعيدة عن واقع الصراعات والتحديات المعاشة.

ولست في صدد معالجة الآراء التي اطرحها تأكيدًا أو نفيًا، ولا بصدد اقناع أحد من العالمين بصدقية ما أدون، فأنا لا أدعي إمتلاك الحقائق المطلقة، كما أني لا أؤمن بمنهج فكري معين اعتقد بقدسيته وأسعى للتبشير به، فما أكتبه لا يتجاوز كونه وجهة نظر قد تكون مميزة في بحر واسع من الآراء وغابة الأفكار، وهذه المقالة تدخل في إطار التوضيح للقارئ الكريم.

الحلول فرص لخلق المعاني:

إن الحلول الحقيقية للمشاكل المعاشَة لأي مستوى انتمت سواء السياسية منها أم الإجتماعية أم الاقتصادية لا تُكتَشف أو تُقدم جاهزة، فهي ليست أمر مختبئ نحاول البحث عنه وكشفه، بل انَّ فرص الحلول تُخلق وفق الظروف وبحسب مستويات الواقع الذي نتمي إليه وهو متغير متحرك بحسب الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فالحياة التي نحياها بوصفها البيولوجي المادي لا معنى لها، غير ان الحياة هي فرصة حقيقية نعيشها لخلق المعاني.

أتساءل دومًا: لماذا نحن البشر نسعى دائمًا لحلول جاهزة سريعة؟؟ ودائمي التوهم أن الحل بيد الآخر؟؟ و لماذا نعتقد دومًا أن هناك مؤامرة يحيكها الآخرون ضدنا؟؟ لماذا نحن العرب بشكلٍ عامٍّ ننتظر دومًا من يَصنع لنا السلام؟؟؟ أليس من الحماقة أن نطلب السلام من دعاة الحروب والمجازر على سبيل المثال؟؟؟
أليس غريبًا أن في واقعنا الفكري أن ننتظر كي تُقدم لنا المعاني حاضرة ناضرة؟؟؟ لماذا هذا الحرص من قبل بعض المفكرين على عدم الاجتهاد في النصوص؟؟

ان ننتظر ان تُقدم الحلول لنا أمر في منتهى الحماقة، فالحرية معنى يُعاش والمعنى يُُخلق، الديموقراطية الحقّة هي تجربة تُختبر ويعيشها الأفراد تتيح فرصة قبول الآخر كما هو عليه، فهي ليست وصفة آلية تُقدم للشعوب بالحديد والنار!!فلا ديمقراطية تحت أي شكل من أشكال الاحتلال العسكري منه وغير العسكري!! ولا وجود للفرص في ظل اي لون من الوان التبعية..

الابداع وأزمة الأفكار المسبقة:

غالبًا ما ينطلق الفرد مشاهدًا كان أم قارئًا من أفكار مسبقة، فهو في أغلب الأحيان ينطلق من خلفيات فكرية أو عقائدية معينة وينتظر من الكاتب ان يلبي له هذه الافكار، هكذا أفراد قرروا سلفًا ما هو المعنى الذي يبحثون عنه!!
اما في الكتابات والتحليلات السياسية فالامر اشد وضوحًا، فالقارئ العربي يسعى دائما لان يثبت حقوقه التي يراها مسلوبة وهو يحتفل بالكاتب الذي يسعى لإقرار تلك الحقوق وإظهارها للرأي العام ويهلل له ويكبر، وانا اقول إن الحقوق تخلق وتفرض ولا تستجدى أبدًا، ولا حاجة لنا في الحقيقة الأمر لإثباتها بالعقل والمنطق والحجج والبراهين، فإن وافقتها آلية البحث العلمي فخير وإن خالفتها فلاضير..

إن الكائن الإنساني المبدع الحرّ، لأي مستوى من مستويات الابداع انتمى، أكان رسّامًا أم عازفًا أم كاتبًا، لا يبدع كي يرضي الآخرين، فالكاتب الحرّ لا يكتب كي يرضي القراء، او ليقول ما لا يستطيعون ان يعبروا هم عنه بأنفسهم، اومما يخجلون من التعبير عنه، او ما يخافون من تبعاته، فعندما يكون البحث عاريا لا ينطلق من أفكار مسبقة ومنفتحًا سنجد معاني عديدة تفتح آفاق لا متناهية.

إن العالم الاجتماعي لا يتقبل الجديد، خصوصًا إن كان مخالفًا للمألوف المجتمعي، ولا يتقبل الأفكار الجديدة بسهولة لا سيما وإن طُرحت خارج السياق الفكري العام المعهود، وهو غالبًا ما يُعاقب المبدعين، ويتعامل معهم على أنهم مهرطقون، أو مجانين..

المجتمع مغروم بتصنيف أفراده هذا علماني والآخر إسلامي والثالث ملحد.. وهكذا، كثيرًا ما أُسأل عن إنتمائي!! إنهم لا يتصورون فردًا حرًّا لا يدعي وصلا بأحد!

الابداع لا يحقق النجومية:

إن الابداع الحقيقي لا يحقق الشهرة ولا يجعل أصحابه نجومًا على شاشات الفضائيات، فمن اراد الشهرة يكفيه ان يتقن مهارة معينة من الناحية التقنية، اما المبدع فإنه يخلق معايير جديدة لتقييم ابداعه وغالبا ما يقدر بعد موته في اغلب الاحيان هذا ان قُدر.
فان غوغ الرسام المشهور لم يستطع ان يبيع لوحاته على حياته وكان يُعد فنه بمنتهى السذاجة، ولم يرغب أحد في زمانه باقتناء لوحاته!
والسبب يعود إلى أننا كبشر تعودنا أن نقيِّم ذواتنا عبر الأغيار، لقد دُربّ الانسان منذ ولادته وعبر التربية الاجتماعية أن حياته لا قيمة لها إذا لم يحصل على تقدير الآخرين لقدراته،انها استراتيجية مخادعة لابقاء الناس تحت السيطرة، وتحت السلطة!!

فالسلطات الفكرية الاجتماعية والسياسية والتربوية تعمد إلى إبقاء البشر تحت تصرفها وسيطرتها، من خلال إضفاء ما يسمى بquot;الشرعيّة quot;، فهي التي تمنح الأفراد لقب كائنات إجتماعية، او تمنحهم الألقاب من خلال مؤسساتها المدنية!! إنه الخداع لدوام السيطرة.

لذلك لا عجب أن نرى التاريخ الذي يُدرّس مليئ بسير القتلة وهم مشاهير، نيرون، هتلر، الاسكندر، فرعون، تيمورلنك، حمورابي... هؤلاء الرموز التاريخية كانوا مجموعة من الذئاب البشرية!!
ولا عجب ان نرى اليوم كوندليسا رايس أكثر شهرة من مريم العذراء، وان فتاوى بن لادن اشدّ شهرة من نظريات ابن رشد!
الشهرة تصنعها السلطة! والسلطة تصنعها القوة! انها شريعة الأغبياء في مجتمع الغاب!

إذن ما يحصل اليوم؟إننا كأفراد لا نرى ذواتنا الا من خلال تقييم الآخر الامر الذي اوقعنا في فخ تبعية عمياء او في فخ عداء مبرم سببه عقدة نقص حادة، فنحن لا ننظر الى ذواتنا الحضارية الا من خلال الآخر وهذه كارثة حقيقية!!
فندما نريد الحصول على الاحترام من قبل الحمقى يجب ان نكون اكثر حماقة منهم وعندما نريد ان نحصل على سلام من قبل عنصريين ينبغي ان نتصرف وفقا لرؤاهم وتوقعاتهم،ولنحصل على الاحترام في مجتمع مريض يجب ان نكون أكثر مرضٍ منه.

خاطرة أخيرة:

عندما استغرق في اعمالي اليومية والتي بها الكثير من الامور الطفولية أشعر بسعادة غامرة بغض النظر عن اراء المحيطين بي التي تكون في معظمها سلبية حيث يصنفون ما اقوم به في اطار اضاعة الوقت والجهد والمال، أو على أنه ترف فكري، أو مرض نفسي،انني اعمل بصمت اكتب ارسم او اصور مشهدًا قد يبدو عاديًّا، غير اني أقوم به بحب كبير وسعادة بالغة، فان حصلت على شيئ من التقدير نادرا، اتقبله بتواضع ولا اقلق من الشتائم والتهم والسخرية او حتى العداء الحادّ... فالابداع كما أراه هو ان نحبّ ما نقوم به..

انني اليوم أخطّ خواطري بعشق، ألون لوحاتي بشغاف القلب، اطلّ على البشر اينما كانوا ولأي مذهب انتموا بمحبة، لا أدعي معرفةً ولا أكرس معتقدًا، عربية اللسان، كونية التفكير، أغني خارج جموع الأسراب الفكرية ربما، وكقطرة المطر أدون رحلتي... من من وقع الوجود ومن وحي الوحي تُنسج... هي الحياة تًطوُّرٌ وَ وَعيٌّ... من إيقاع الكون تُغزل.. أدون اليوم مجون قلمي... وقلمي من جنون الفكر يدمع...

كاتبة لبنانية
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه