quot;إننا تجاوزنا مرحلة التهديد الأمني والعسكري والتهديدات الأخرى، ولذلك علينا أن نبذل كل جهودنا لتوسيع نطاق الثورة في كل العالمquot;(محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الايراني)
لم تغب إيران عن واجهة المشهد الاقليمي حتى تعود، غير أنّ انفجار الأحداث الأخيرة في لبنان، أعادها الى صدارة الواجهة بوصفها لاعب رئيسي في المنطقة، لاسيما وأن الكثير من المحللين يعتبر أن حزب الله هو منفذ السياسة الايرانية في لبنان، كما أن الحزب لم ينكر يومًا علاقته الحميمة بإيران بأبعادها الدينية، وأعماقها الفكرية والأيديولوجية، كون مرجعيته الروحية شيعية ايرانية صرفة ، وهي متمثلة بالمرشد علي خامنئي القائد الأعلى للثورة؛ فحزب الله ولد أساسًا و خرج من رحم الثورة والتفّ بعباءة الخميني منذ انطلاقته مطلع الثمانينيات.
وبالرغم من حرص قادة حزب الله الشديد، على إضفاء النزعة اللبنانية والاستقلالية على الحزب وانشطته، واظهاره بوصفه مقاومةً وطنيةً، وهو أمر يحمل شيئًا من الحقيقة في بعض وجوهه العملية، إلا أن التركيبة الفكرية الفعلية للحزب والبنية الأيديولوجية والعقيدة الحزبية له تتمحور حول quot;النظرية الامامية للحكم quot; كما تعتمد بشكل أساسي في خطابها التحشيدي الجماهيري على المنهج quot;الحسيني الاستشهادي الثوريquot;.
قوّة quot;حزب اللهquot; في عقيدته لا في سلاحه:
لا شكّ في أن الصراع المسلح الذي شهده لبنان في الاحداث الأخيرة أعاد موضوع سلاح حزب الله الى الواجهة، التي لم يغب عنها منذ مطلع 2005 حيث سلطت الاضواء الدولية عليه، و تبعتها قرارات الامم المتحدة بدءا من القرار 1559 وما تلاه من مجريات وصولا الى اجتماع الدوحة المنعقد حاليا حيث حرص الفرقاء على جعل ملف السلاح أولوية للنقاش.
وبالرغم من أهمية الموضوع بوجهه العملي الآني، ألا أن الباحث المُدقق في خفايا الأمور المراقب لسيرورة نماء الشعوب وتطور الحضارات، يجد أن العامل المحرك للأمم هو quot; الأفكار والمعتقدات quot; وما السلاح الا أداة تعكس البنية الأيديولوجية لمحركه.
إن الدولة اللبنانية تقاعست منذ قيامها وحتى الآن في أداء مهمتها في توحيد quot;العقيدة الوطنية quot; عند اللبنانيين، وفشلت في ارساء قواعد quot;الوحدة الوطنيةquot; من الناحية الثقافية والتربوية قبل كل شيئ،الامر الذي فتح باب الأيديولوجيات على مصراعيه، و جعلَ من كل طائفة وفريق وحزب... أمة برأسها، وحول الاحزاب الى كيانات عقائدية يتولى أمورها ملوك الطوائف الذين يسخّرون الخطابات اللاهوتية لاقتسام المنافع والثروة والسلطة، فغذا لبنان quot;لبنانات لاهوتيةquot; متناحرة، وساحة حرب الآلهة على الأرض.
فأين تكمن قوة quot;حزب الله quot; الفعلية؟؟ وهل هناك خطورة فعلية من بنيته العقائدية؟؟ وهل يجب أن تُبنى العلاقات بين الفرقاء اللبنانيين على quot;الممارسات العمليةquot; أم على quot;الأفكار الايديولوجيةquot;؟؟ وهل الأحزاب اللبنانية يجب ان تُحاسب على ممارساتها أم معتقداتها؟؟؟
إن محرك حزب الله الفعلي هو عقيدته التي تتمحور حول quot;النظرية الخمينية quot; في الحكم عند الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، وهي جزءاً أساسيًا لا يتجزأ من العقيدة، وأصلا من أُصول الدين، و تستند إلى أن النبي يستمد شرعيته من الله الذي أختاره وعيّنه وهو معصوم عن الخطأ، وقد قام بأمر من الله بتسمية أثني عشر خليفة (إماماً) من بعده باسمائهم عُرفُوا بالإئمة الإثنا عشر وهم معصومون عن الخطأ أيضا، وتقع وظيفتهم الأساسية في تفسير النصوص الدينية وحراسة الإسلام عقيدة وشريعة من التحريف والتزييف.
ويتصفّ منهج الخميني هذا بأنه منهج انقلابي راديكالي ثوري قابل للتصدير لكل المحرومين في الارض و ترتكز هذه الراديكالية إلى نقاط عدة منها:
bull;اعتبار الولي الفقيه ولي أمر كلّ مسلمي العالم: وتتبلور من خلال عقيدة غيبة الإمام المنتظر لانه هو صاحب السلطة والمشروعية الكاملة، و لا بد من انتظار رجعته، لذلك نجد أن رجال الدين الشيعة من الفقهاء لم يعطوا المشروعية المطلقة للشاه, لأن الفقه الإمامي يستخلف المجتهدين من علماء المذهب في غيبة الإمام وهو ما يعرف بquot; ولاية الفقيهquot; و هي ولاية مطلقة مع ما يترتب على ذلك من اعتبارات quot;خطيرةquot; أهمها ان جميع الحكومات في العالم الإسلامي غير شرعية وغير إسلامية... وبالتالي لابد من الإطاحة بها لتهيئة الأرضية لظهور الإمام الغائب. وتعتبر فكرة تصدير الثورة التي كانت أولوية للثورة في عقد الثمانينات تعبيرا صريحا عن هذا الاعتقاد.
bull;المهدوية إطار جديد لتصدير الثورة: بعد خبوت فكرة تصدير الثورة عاودت للظهور بثوب جديد وهو ما يطلق عليه في الفكر السياسي الشيعي quot;المهدويةquot; نسبة إلى المهدي، وهي أحد المحاور الرئيسة في خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وتياره. وقد افتتح أحمدي نجاد خطاباته الثلاث في الأمم المتحدة بدعاء الفرج (وهو دعاء عند الشيعة يدعون الله من خلاله إلى التعجيل بالفرج عن الإمام المهدي). وقد اعتبر غلامحسين إلهام الناطق باسم الحكومة الإيرانية أن quot;أحمدي نجاد هز النظام العالمي القائم على الظلم من خلال طرح مسألة تزامن ظهور الإمام المهدي وعودة المسيح لتحقيق العدل المطلق في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة quot;
bull;ولاية الفقيه بمنزلة الحق المطلق: يطلق الخميني ومن معه من رجال الدين على من يعتقد بولاية الفقيه المطلقة صفة quot;حزب اللهquot;، مع ما يحمل ذلك من اتهام ضمني لمن لا يؤمن بهذه النظرية بأنه من quot;حزب الشيطانquot;، ويعتبر هذا منحى ً إقصائيا، وخلال سجالاتي مع بعض المتخصصين في الشؤون الايرانية أُفدت بأن هذا الموضوع كان محل خلاف بين المرجعيات الشيعية لانه (أدى إلى عزل كل مراجع التقليد الشيعية ممن لايؤمن بهذه النظرية من أمثال محمد الشيرازي، وحسن الطباطبائي القمي. وكذلك تم إقصاء كل القوى الثورية الأخرى مثل حركة حرية إيران quot;نهضت آزادي إيرانquot;، ومجاهدي خلق) .
إذن ففكرة التشيع ترتكز على مرتكزين عمليين الاول مبدأ الاحقية والثاني مبدأ التقية وهما وجهان يكملان بعضهما الاخر
bull;مبدأ الأحقيّة: فكرة قائمة على الحقّ لا المصلحة quot;أحقيّة آل البيت بالخلافةquot; والحكم وهي المرتكز الأساس وبناء عليه فلا مجال للتسوية مبدئيا لان ذلك يعني تنازل واستسلام .
bull;مبدأ التقية: وهو يفتح الباب للانتظار والتمهل والمناورة بوجهها العملي , وهي لا تعني الاستسلام بحال من الاحوال وهذا المبدأ يتلاشى في سياقات التغيير السريعة والعنيفة , وينفجر نضالاً واستشهاداً حسينيّاً يخدم مبدأ الأحقية الآنف الذكر.
حزب في دولة أم دولة في حزب؟
بطبيعة الحال، فإن حزب الله يعي تمامًا أنه لا يمكن له ان يُقيم دولة ولاية الفقيه في لبنان، وهو يصرح علنًا وسرًّا بذلك؛ كما انه لا يسعى للتفرد الكامل بالسلطة على الأقل في المرحلة الحالية، وعلى المدى المنظور، وان كان يسعى جاهدا لامتلاك آليات صناعة القرار من داخل الدولة من خلال انصهار عناصره الكامل في مؤسساتها المدنية دون العسكرية، وهذا من الناحية العملية العلائقية.
من جهة ثانية فقد أراد أن يخفي شيعيته العقائدية بتقديم نفسه على انه quot;مقاومة وطنيةquot; مستغلا جمود الانظمة العربية وتقاعسها وعقائدها المرتجلة والمجتزئة، لتصدير نموذجه الثوري الى دول الجوار على ان quot;المقاومة خيار شعبويquot;، متبنيًّا وداعما في خطابه لكل حركات quot;المقاومةquot; التي تلقى دعما شعبيا كاسحا.
من جهة ثالثة فإن quot;حزب الله quot; يتأثر بالداخل الايراني والتقسيمات السياسية الداخلية لإيران، فهو لا ينكر مرجعيته الايرانية فكرا وروحًا ودعما ماديًّا، وربما يركز المحللون العرب على التأثير الخارجي الايراني وهم يغفلون في معظم الاحيان ان حزب الله يتأثر بالداخل اكثر من تفاعله مع الخارج منها حيث ان هذه الأخيرة واضحة المعالم للجميع.
وعليه فإن فوز quot;التيار الأصوليquot; في الانتخابات التشريعية الايرانية شكل نصرًا لحزب الله لان هذا التيار هو الراعي الاساسي له، وهنا نفهم بدقة مدلول ما قاله محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري وقوات التعبئة (البسيج) quot;علينا أن نبذل كل جهودنا لتوسيع نطاق الثورة في كل العالمquot;،حيث قدم جعفري رؤية تحليلة للتقسيمات السياسية السائدة في الساحة الإيرانية، مؤكدا أن quot;التقسيمات التي كانت سائدة في الماضي قد انتهت بغير رجعة، وقد تشكل اليوم تيار جديد باسم التيار الأصولي الذي يعد ثورة داخل الثورة، فبعد مرود 25 عاما نهض هذا التيار من جديد وتربع على سدة السلطتين التنفيذية والتشريعيةquot; معتبرا ان دعم هذا التيار quot;تكليف إلهي من أجل استمرار الثورة الإسلاميةquot; ليس في ايران وحسب بل في كل ارجاء العالم.
ربما هذه هي الصورة البانورامية التي لا ترمي لتشويه صورة احد او تزييفها بقدر ما تفتح الباب لتساؤلات جديرة بالوقوف عندها:
إن كان هناك مشروع ايراني ثوري واضح المعالم ويتبنى مشروع مقاومة اسرائيل فأين هو المشروع العربي التنويري البديل؟؟؟؟؟
وهل تكون مكافحة هذا المشروع الايراني باللجوء الى المحورالأميركي؟؟؟
وهل ستبقى منطقة الشرق الاوسط ضحية تجاذب محاور اقليمية في ظل غياب فاعل للانظمة العربية؟؟؟
الخوف كلّ الخوف أن يبلغ بنا اليأس كعرب حدًّا نستمر معه في حالة سبات أسرى شعارات ببغائية في أنظمة التنويم العربي !
كاتبة لبنانية
[email protected]
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com