رضوان السيّد

يعمد الدكتور يوسف زيدان مدير ادارة المخطوطات بمكتبة الاسكندرية، الى اثارة الانتباه والاهتمام بقضايا المخطوطات العربية، من طريق اطلاق أسماء غريبة وطريفة على مؤتمرات للمخطوطات التي يقيمها ويدعو الباحثين العرب والأجانب، للمشاركة فيها. وقد أقامت ادارة المخطوطات مؤتمرها الخامس هذه الأيام بعنوان: المخطوطات المطوية، وقد قصد د. زيدان من وراء ذلك النصوص التي كانت ضائعة أو ما تزال، وأمكن أو يمكن التعرف عليها واستنقاذها والتعريف بها من خلال الاقتباسات منها في مخطوطات أخرى، أو من خلال اكتشاف مخطوطة لها ما كانت معروفة من قبل.
وقد دارت أكثر بحوث المؤتمر حول النوع الأول من نوعي أو أنواع المطويّات. بمعنى المخطوطات والنصوص التي ضاعت لسبب أو لآخر، وأمكن التعرف على معالمها، واعادة تركيبها من خلال جمع الاقتباسات عنها في نصوص متأخرة عن تأليفها. ولأن هناك اهتماماً خاصاً بتاريخ ومخطوطات العلوم عند العرب والمسلمين لدى ادارة المخطوطات بالمكتبة والقائمين عليها، فقد دارت أكثر بحوث اليومين الأول والثاني للمؤتمر عن مخطوطات الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء والفلك، والتي كانت ضائعة أو ما تزال، وأمكن الآن العثور على مخطوطات لها، أو تبين معالمها من أعمال اللاحقين أو من الاقتباسات التي أوردوها منها.
تحدث مدير ادارة المخطوطات، بعد مدير المكتبة، فأوضح فهمه للمطوي. والمعروف أن quot;الطيّ والنشرquot; مصطلح بلاغيّ، ليعني التفصيل في الخطاب، بعد الايجاز الشديد. قال د. زيدان ان الأمر لا يقتصر في المخطوطات المطوية على اختفاء النص أو انطوائه في نصوص أخرى، أو ضياع النص لأنه مبكّر أو لأي سبب آخر، بل وهناك نوع ثالث من الطيّ والنشر، عندما يشتهر تأليف في موضوع ويضيع، فيعمد كثيرون الى quot;اختراعquot; نصوص من عندهم ونسبتها الى المؤلفين أو المشهورين القدامى وذلك مثل الكتب المنسوبة الى النبي ادريس، وهو من المثلث الحكمة، وجابرين حيّآن، وآخرين كثيرين.
ثم تحدث الأستاذ المشهور في تاريخ العلوم رشدي راشد، وهو يبحث في تاريخ الرياضات، نذكر المفقود والمتواري: أنماط من نصوص مخطوطات الرياضيات والعلومquot;. وهنا فرّق د. راشد بين الأمرين: فهناك المفقود، الذي ضاعت نصوصه لأسباب طبيعة أو ايديولوجية. وهذا صعب ممعرفة معالمه، وان لم يكن مستحيلاً، مثل كثير من الكتب الأولى في الكيمياء، والأقل صعوبة كتب الفلك والرياضيات، لأنه وان ضاعت المنصوص، فإن اللاحقين يبنون عليها فيمكن معرفة ما قد ورد فيها. أما المتواري، فهو غير مفقود، لكنه مختفٍ أو مهمل أي مطوي، إما لأن البحث العلمي تجاوزه، أو لأية سابق على زمنه. وهذان في الواقع يمكن نشرهما، والاهمال يمكن ازالته. وقد اهتم د. رشدي بهذه الأنواع كلها من مخطوطات الرياضيات على الخصوص.
أما الكندية لين بيرغرين فقد تحدثت عن المطويّ من تصانيف أبي سهل القوهي، وتحدث ريجيس موريلون (فرنسا) عن مخطوطات الفلك بشكل عام. وتحدثت هيلين بيلوست (من فرنسا أيضاً) عن مخطوطات ابن سيفان الرياضي والفلكي المطوية، بينما تحدث بسكال كروزيه (فرنسا) عن السجزي والقطوعات الاسطوانية.
وخرج الدكتور أحمد شحلان، أستاذ العبرية بجامعة محمد الخامس، على بحوث الرياضيات والفلك والكيمياء فتحدث عن تلخيص كتاب الأخلاق لأرسطو لابن رشد وكيف ضاع بالعربية كما ضاع تلخيصه لسياسات أفلاطون، وأمكن استنقاذهما بالعودة الى الترجمتين العبريتين لهما. وما فهمت شيئاً من مقاصد بحث محمد جمال الطحان عن المخطوطات المنطوية لأبي يزيد البلخي، فقد مدّد أسماء كتبه غير الموجودة مخطوطة ومنها مقتبسات لدى التوحيدي وغيره.
وعاد الأمر الى المخطوطات الرياضية والفلكية والكيمائية فتحدثت السيدة إلهية كيرانديش، الايرانية الأصل، والتي تدرّس بالولايات المتحدة، هي المخطوطات المطوية في علم البصريات عند العرب. وهي قد اهتمت بالمخطوطات النسوية الى اقليدس في علم المناظر والبصريات، وترجمت الى العربية. وعلمت انها درست هذه الترجمات، وافادات المؤلفين المسلمين منها، وأصدرت نتائج دراستها في مجلدين. ودرس محمد كامل جاد ـ وهو مصريّ متخصص في تاريخ الكيمياء العربية ـ أسباب اختفاء الكثير من مخطوطات الكيمياء، وأرجع ذلك الى عداء بعض علماء الدين لبحوث الكيمياء. لكن الواقع ان ما كان مرفوضاً انما هو quot;السيمياءquot; التي تبحث في أمرين تشبهان السعرهما: تحويل المعادن (الخسيسة) الى ذهب، واكتشاف اكسير يعين على الخلود!
وجاء بحث الدكتور أيمن فؤاد سيد عن تاريخ ابن أبي طي، والذي أسهم الباحث نفسه في اعادة تركيبه من المقتبسات الواردة عنه. بينمام تحدث الدكتور محمد سعيد جمال الدين (من مصر أيضاً) عن فتوح السند، وهناك أكثر من كتاب بهذا العنوان، ضاعت كلها، ربما باستثناء الوارد والمنسوب الى ابن أعثم الكوفي. في حين تحدث عبد اللطيف الجيلاني المغربي عن ظاهرة اغراق النصوص ومحوها بالماء، وتحدث أحمد هويدي عن أسفار التوراة المفقودة، حديثاً غير مقنع؟ وتابعت الدكتورة نازك ابراهيم عبد الفتاح القضايا المتعلقة بالنصوص اليهودية في محاضرة بعنوان: من التراث اليهودي، مخطوط المختار لسعديا جاؤون، والدكتورة فائزة عز الدين من أصل قصة النائمين السبعة (أهل الكهف). ودرس الأستاذ البارز جوزف فان أمس موضوع quot;مخطوطات المذهب المعتزلي المكتشفة حديثاًquot;، وهو يقصد بها النصوص المعتزلية المكتشفة في مخطوطات كلامية يهودية، وهي نصوص مترجمة الى العبرية، أو عربية بحروف عبرية، وهي تقدم معلومات مهمة عن أمرين: الحيويات المتأخرة في المذهب المعتزلي، وشدته تأثير علم الكلام الاسلامي في علم الكلام اليهودي.
وتحدث الدكتور عبد الرحمن الساعي (من عُمان) عن مخطوط اباضي كان ضائعاً ثم ظهرة مكتبية جدة العلامة نور الدين الساعي. ودرس محمد عبدو (من المغرب) مخطوطاً مطوياً للغزالي يتضمن أجوبته على ابن العربي الفقيه. ودرس أحمد معبد عبد الكريم (من مصر) متوناً حديثية ضائعة، ومحمود المصري (من سورية) مخطوطات المسائية والشروح الحديثية غير المشهورة، ومحمد يسري سلامة (من مكتبة الاسكندرية): المصادر المطوية في رواية السيرة النبوية quot;كتب السير والمغازي الأولى نموذجاً وهو يقصد بها كتب الزهري وعردة بن الزبير وأبان بن عثمان وآخرين. اما انا فقد تحدثت عن طريقة عثوري على كتاب quot;السيرquot; لمحمد بن عبدالله النفس الذكية، وكيف قمت بجمعه من كتب الفقه الزيدي، والمشكلات التي أحاطت بذلك.
كان المؤتمر جيداً بشكل عام. وقد أفدنا من عدة بحوث جديدة وأصيلة بالفعل. وقد وزع د. زيدان علينا أعمال مؤتمر سابق باسم: quot;المخطوطات الموقعةquot; مطبوعاً.