الصراع بين رئاسة الدولة والبرلمان في باكستان
هل سيغادر مشرف قصر الرئاسة أخيرا ؟؟
عبد الخالق همدرد من إسلام أباد: طال انتظار خبر تقديم الرئيس مشرف استقالته من منصب الرئاسة الذي احتله وهو في الزي العسكري المموه وعلى ظهره بندقية الجيش تقويه ويؤيده في البرلمان حزب الرابطة جناح القائد الأعظم الذي كان من صناعة يده ويحظى بالأغلبية الساحقة ولا تدع مجالا لمعارضة أي قرار للرئيس؛ على الرغم من أنه بدأ يعترف أن الهزيمة النكراء التي حلت بالحزب ليست سوى ثمرة تأييده الأعمى لسياسات مشرف.
وبالرغم من أن الناطق باسم الرئيس مشرف اللواء المتقاعد راشد قريشي نفى الشائعات حول مغادرة الرئيس مشرف قصر الرئاسة مبررا بكونه الرئيس المنتخب لولاية أخرى ولمدة خمس سنوات؛ إلا أن الأمور تلمح بحركة في بحر قصر الرئاسة الهادئ؛ لأن مواصلة مشرف للحكم دون أي تأييد في المؤسسة السياسية الباكستانية ستكون أمرا بعيد المنال إذ لم يبق له مؤيد قوي في الداخل. أما التأييد الأميركي له فتحدث عنه ولا حرج.
وقد نشرت جريدة محلية تقريرا أن أحد أهم مستشاري الرئيس يتأكد بأن الرئيس الجنرال برويز مشرف سيغادر مكتبه. وتكهن أن مشرف سوف يغادر خشبة المسرح. وبتعبير ذلك المستشار quot; الرئيس الذي أعرفه أنا ينبغي أن يفكر في مغادرة مكتبهquot; في حين القائل نفسه أيضا في طريقه إلى البيت بعد أداء مهمة تقديم المعلومات والولاء إلى الرئيس مشرف لعدة سنوات.
وعندما سئل ذلك المستشار هل يتوقع أن الجيش سيتقدم لإنقاذ الجنرال المتقاعد إذا ما قام البرلمان الجديد بإعادة القضاة المعزولين وتقليل صلاحيات الرئيس، قال إنه يرى أن الجيش سيبقى موحدا وبعيدا عن السياسة.
هذا وإن تقييم ذلك المستشار تعارض تصريحات قصر الرئاسة المتكررة بأن الرئيس مشرف ليس لديه أي تخطيط لمغادرة القصر وأنه سيواصل الحكم إلى مدة خمس سنوات. والجدير بالإشارة إلى أن مشرف انتخب رئيسا لمدة خمس سنوات في 6 أكتوبر عام 2007م بعد أن قدم 84 نائبا للمعارضة استقالاتهم احتجاجا على دخوله الاستحقاق الرئاسي في الزي العسكري. وقد اضطر إلى فرض حالة الطوارئ في البلاد في 3 من شهر نوفمبر الماضي مع فرض قيود على الإعلام والقضاء. والانطباع السائد أنه فرض حالة الطوارئ لمنع محكمة التمييز من إصدار حكم ضده في الشكاوي التي رفعت إليها للطعن في مشاركته في الاستحقاق الرئاسي على الرغم من كونه رئيسا للجيش.
وبعدها تولدت الأزمة القضائية في البلاد حيث رفض 60 قاضيا للمحاكم العليا أداء يمين جديد تحت المرسوم الدستوري المؤقت. وبذلك نشأت محكمة جديدة رفضت الاستماع إلى تلك الطعون بحجة أنها رفعت من جانب أشخاص غير معنيين وغير متضررين مباشرة بدخول جنرال في رهان الاستحقاق الرئاسي. ويرى معظم الأحزاب الباكستانية وعلى رأسها حزب الرابطة (نواز شريف) أن مشرف عاد إلى مقر الرئاسة بتلك الانتخابات بطريق غير دستوري وغير مشروع.
على صعيد آخر كشفت الانتخابات الأخيرة في 18 فبراير عن هزيمة نكراء للأحزاب الموالية لمشرف ما جعله في ورطة. وقد تسببت الانتخابات في تقوي المعارضة وكانت إشاعات بأنه سيودع قصر الرئاسة في أي وقت؛ بيد أنها لم تتحقق على أرض الواقع.
وعلى عكس تلك الشائعات فإن مشرف بدأ يصرح بأنه مستعد للعمل مع الأحزاب الفائزة ولم يوضح بعدُ ما ذا سيكون رد فعله إذا تجرأ البرلمان الجديد على إعادة القضاة المعزولين على الرغم من أنه صرح مرارا بأن إعادة القضاة المعزولين أمر خارج التفكير. كما أنه لم يوضح موقفه إزاء quot; إعلان ميرquot; الذي أكد التحالف بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة (نواز شريف) لتشكيل الحكومة المقبلة. والجدير بالذكر أن مشرف كان قال قبيل فرض حالة الطوارئ بأن quot; اللكمة الأخيرة ستكون له quot; وقد شاهد الجميع تلك اللكمة القوية بإلغاء الدستور مرة أخرى.
ولا تفوتنا الإشارة إلى أن العرقلة الكبرى أمام عمل البرلمان الجديد مع مشرف هي صلاحيات الرئيس بحل البرلمان، بينما يمكن للبرلمان سحب الحصانة من الرئيس بأغلبية الثلثين. وليس من الواضع هل مشرف سيتقدم نحو استخدام صلاحيته لحل البرلمان إذا ما أراد البرلمان عزله.
إلى ذلك وقد كشفت مصادر أن الرئيس قام باستشارات طويلة مع مستشاريه القانونيين وبعض المسؤولين في المخابرات ودام النقاش إلى الساعة الرابعة والنصف فجرا. وترى المصادر بأن المحاولات الأخيرة للبحث عن طريق لحل الأزمة القضائية حسب رغبة الرئيس مشرف مستمرة.
إلى ذلك وقد حذرت السناتورة الأميركية كاي بيلي هتشي سن التي قامت بزيارة لباكستان ضمن وفد لمجلس الشيوخ الأميركي أخيرا في جريدة (وول استريت جورنال) حول سحب الحصانة من الرئيس مشرف مشددة على أن ذلك العمل قد يدفع البلاد إلى اللا استقرار. وأضافت أنه quot; ينبغي للولايات المتحدة الأميركية أن تشعر القادة الباكستانيين بأن يدرسوا النتائج بحذر. وأن سحب الحصانة من الرئيس قد يصيب باكستان باللااستقرار ويتسبب في تأجيل الأمر الذي يجب عمله من أجل إنشاء قضاء مستقل واتخاذ الإجراءات المشددة ضد المسلحين ودفع عجلة التطوير إلى الأمامquot;.
والسؤال الهام أمام القيادة الباكستانية المنتخبة عشية حفل تدشين البرلمان الجديد: هل سيتمكن البرلمان من تقليل صلاحيات الرئيس ليتقدم إلى الأمام دون أن يتعرض لسيف quot; صلاحيات حل البرلمان quot; أو أن يحتفظ بدور محدد له ليتمكن من المماشاة مع الرئيس مشرف حسب الرغبة الأميركية ؟!