صنعاء: مع تزايد أسعار القمح والدقيق والأرز والألبان ومشتقاته فى اليمن، لجأوا المحليون الى ممارسة أعمال كانوا قد هجروها منذ سنوات.

ومع ارتفاع الأسعار المتصاعدة بدأ بعض اليمنيين في القرى يعودون إلى ممارسة أنشطتهم القديمة مثل تربية الدجاج والأغنام والأبقار.

وشهدت احدى قرى محافظة إب جنوب اليمن خلال الأشهر الأخيرة عودة بعض الأسر إلى تربية الأبقار من أجل توفير اللبن والحليب، كما تزايدت ظاهرة تربية الأبقار والأغنام مع ارتفاع أسعار الحليب إلى الضعف خاصة الزبادى الذى يعد الطبق الرئيسى للأسرة اليمنية والذى ارتفع سعره خلال أقل من عام بنسبة 120 فى المائة.

ويرى المتابعون للآثار التي خلفها ارتفاع الأسعار فى اليمن أن ظاهرة العودة إلى الأنشطة الأسرية واستهلاك المنتجات المحلية لم يقتصر على الريف اليمنى وحده، بل إنما أصبحت فى الآونة الأخيرة من الأمور المألوفة والشائعة حتى في المدن لاسيما وسط الأسر الفقيرة التي عادت لتربية الدجاج البلدى والماعز والأغنام بغرض تسويقها للاستهلاك الأسرى.

ويقول باعة الدواجن بصنعاء العاصمة ان الكثير من الأسر اتجهت لتربية الدجاج أكثر من قبل ، وان بعض العائلات التى كان يقومون بشراء الدواجن منها تقول إنهم يقومون بذلك من أجل توفير قيمة كيس القمح والأرز، وان ما يحصل عليه رب الأسرة لا يكفي لتأمين حاجتها من القمح والدقيق والزيوت والحليب، مما اضطر النساء إلى القيام بنشاطات توفر ما يمكن توفيره من أموال لمواجهة الغلاء المتصاعد من يوم لآخر.

وحول هذه الظاهرة يقول أساتذة فى الاقتصاد بجامعة صنعاء ان هذا السلوك الإنتاجي والاستهلاكى محصلة طبيعية للظروف المعيشية التي يمر بها اليمنيون من دورة اقتصادية إلى أخرى، مشيرين إلى أنه فى حالة انخفاض الأسعار يميل الناس إلى استهلاك الأرخص والأقل مشقة، لأن علم الاقتصاد على حد تعبيره هو إدارة الموارد النادرة بغية إشباع حاجات الفرد.

ويرون أن الطبيعة الإنسانية تتجه إلى إشباع حاجاتها بأقل كلفة وأقل جهد ومشقة، وأنه لما كانت السلع التي تلبى تلك الحاجات فى متناول دخل الفرد وقدراته فهو لا يبحث عن عناء كبير.

وخلال العقود الأخيرة تخلى الكثير من اليمنيين عن الأعمال الأسرية المنتجة طوعا أو مكرهين بسبب المنافسة التي فرضتها عليهم متطلبات إلغاء الحواجز أمام تدفق السلع وحرية السوق وإلغاء الحماية للمنتجات الوطنية.

وأشاروا الى أن الكثير منهم اليوم أمام تصاعد أسعار بعض المواد الأساسية مثل القمح ومشتقاته والألبان ومشتقاتها والأصواف ومشتقاتها وزيوت الطعام يتعين عليهم أن يتكيفوا مع ظروف جديدة ومعطيات جديدة تدفعهم للبحث عن بدائل إما بغرض أن تشبع حاجاتهم لتلك المواد أو تعمل على تحسين دخولهم بالقدر الذي يمكنهم من شراء تلك السلع بأسعارها المرتفعة.

ويرى البعض أن مثل هذه الممارسات ليست بجديدة على اليمن، فبعد الحرب العالمية الثانية عاد اليمنيون إلى تنشيط المنتجات المحلية وارتفعت وتيرة المقايضة بينهم واعتمدوا على الزيت المحلي والشموع المحلية والحطب والسمن البلدى والزبدة بدلا من الوقود الذى توقف استيراده بسبب الحرب .

وأيضا خلال حرب الدفاع عن الجمهورية فى ستينيات و بداية السبعينيات من القرن الماضي لجأ اليمنيون إلى تنشيط الإنتاج الأسرى والاعتماد فى جزء كبير من حاجاتهم على الاستهلاك الداخلى، وعادت الأسرة إلى تدبير نسبة 100 فى المائة من حاجياتها المنزلية .

وأيضا خلال حرب الخليج الأولى عقب غزو العراق للكويت ارتفعت أصوات اليمنيين ومنها أصوات كبار المسؤولين مطالبة بالعودة إلى المنتجات التقليدية خاصة مع إطلاق التهديدات من دول كانت تعتمد عليها اليمن في كثير من وارداتها. ومع تصاعد أسعار المواد الأساسية المستوردة من الخارج تزايدت عودة بعض الأسر إلى تدبير بعض المؤن المنزلية وتربية الماشية وكثير من العائلات اليمنية لجأت إلى تربية الماشية بهدف إشباع حاجياتها أو تحسين دخلها.