عندما تسير البراءة للقبور
في غزة... أمهات تنادي وأطفال لا يجيبون


مرفت ابو جامع من غزة: لم يكن عدم تلبية الصغار لنداءات آبائهم هذه المرة، بسبب إصرار سلوىquot;11 عاماquot; المدللة على ممارسة لعبة الاستغماية خلف والدتها، أثناء الصياح عليها، ولا تثاقل صفاءquot;12 عاماquot; أثناء استيقاظها من النوم ذي العيار الثقيل ولا عقوق محمدquot;9 أعوامquot; الشقي في لعب دور الرجولة مبكرا..أو خوف إيادquot;15عاماquot; من عقاب بسبب تقاعسه في حل واجباته المدرسية،ولكنه كان بسبب رحيلهم القاسي بفعل صاروخ او قذيفة من دبابة اسرائيلية مزق أجسادهم الغضة،و سلبتهم حق العيش وتوسد صدور الأمهات واحتضان الأحلام الصغيرة...

أما الطفلة صفاء أبو سيف quot;12 عاماquot; فعز عليها أن تترك عمها وحده في الطابق العلوي من البيت ودفعها حبها وحنانها لصعود السلالم،للتوسل كي ينضم إليهم أثناء تجمعهم في الطابق الأرضي من البيت بعد أن بدأ اجتياح جباليا ولكن قناصا إسرائيليا احتل سقف البيوت المجاورة وعاجلها برصاصة اخترقت ثقب النافذة إلى قلبها الغض لتموت أمام أفراد عائلتها، دون أن يستطيع احد إسعافها او إيقاف الدم النازف من قلبها وهي تنظر إليهم صامتة وكأنها تقول :quot; أسامحكم.... أعرف عجزكم... وحقد الإسرائيليين quot;.

والدة صفاء الموجوعة بفقدها،تروي قصة استشهادها :quot; ابنتي ماتت أمام الجنود الإسرائيليين بين أحضاني ولم استطع ان افعل شيئا كنت محاطة بالموت من كل ناحية.. بعد إصابتها اتصلنا بالإسعاف لإنقاذها ولكنهم رفضوا إدخال سيارات الإسعاف وتركوها تنزف... quot;كان الموقف صعبا جدا علي أول مرة اشعر بالعجز فطفلتي تموت في حضني ولا اعرف ان اعيد لها الحياة،، كانت تنزف 16 ساعة وهي ميتة قتلوها دون رحمة ورفضوا إسعافها فنزفت حتى الموت.
قالت بقلب يعتصر ألما:quot; ماذا فعلت؟ وما ذنبها،حسبي الله ونعم الوكيل،هذا إجرام إسرائيلي وبشاعة.
اما رعد والد صفاء فبدا متماسكا أكثر من والدتها وقال quot;: كانت صفاء جميلة ومرحة في البيت تضفي الحنان والجمال على الحياة فيه. ولكنهم اغتالوها بل رفضوا ان يسمحوا للاسعاف بالدخول فنزفت 3 ساعات ثم فارقت الحياة، 16 ساعة وطفلتي ميتة وممدة أمامنا في الغرفة التي انحشرنا فيها في ركن بعيد في المنزل ولا نستطيع دفنها حتى صباح اليوم التالي بعد ان سمحوا للصليب بالدخول لنا ودفناها دون مشاركة والدتها وأفراد أسرتي المحاصرين.
أما الجدة فلم تستطع أن تجيب أسئلة أخوة صفاء quot; أين ذهبت، ولماذا صامتة لا تحدثنا ونحن ننادي عليها؟؟ إلا أنها تجيبهم بأنها نائمة،حتى سمح لهم بدفنها في صباح اليوم التالي.

وتشير مصادر طبية في غزة أن 129 فلسطينيا قتلوا خلال أسبوعبين 27 فبراير و5 مارس، في عدوان إسرائيل على قطاع غزة تحت مسمى quot;المحرقة quot; والشتاء الساخن، ثلثهم من الأطفال، حيث قتل 40 طفلا ورضيعاً، أصغرهم حتى الآن الطفلة quot;أميرة ابو عصر( 19 يوما)، و13 امرأة ونحو 400 جريح منهم أكثر من 100طفل أصغرهم الرضيع أنس عطا الله (20 يوماً) حيث يرقد في العناية المركزة في مستشفى الشفاء في غزة وهو الناجي الوحيد من قصف منزله المكون من عدة طوابق الذي قتل أسفله كافة أفراد أسرته الثمانية.
قلق أممي.. منظمة الأمم المتحدة للطفولة quot;اليونيسيفquot; التابعة للأمم المتحدة وأمينها العام أعربا عن قلقهما الشديد جراء قتل الأطفال في قطاع غزة بسبب التصعيد الإسرائيلي. ونوهت المنظمة الدولية بأن اتفاقية حقوق الطفل تؤكد الحاجة إلى اتخاذ جميع الإجراءات العملية لضمان الحماية والرعاية للأطفال المتأثرين بالصراع، لافتة إلى أن الأطفال هم الضحايا المباشرون لهذا الصراع، وان تبعاته المروعة تؤثرفي جميع الأطفال.

وبحسب الإحصائيات الرسمية فان الأطفال يشكلون نسبة 60 % من سكان قطاع غزة، وقتل منهم قرابة 1000 طفل منذ بداية انتفاضة الأقصى الثانية ويعانون بدرجة شديدة من سلسلة القيود والحصار الإسرائيلي المفروض على أغلبية البضائع منذ يونيو/حزيران 2007.
ويعاني 30% منهم أمراضا نفسية متعددة منها الخوف الشديد وأعراض الصدمة النفسية والعصبية جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة،ونحو 64% منهم مصاب بمرض فقر الدم ونقص فيتامين سي واليود ونقص أدوية التطعيم وعلاج الأمراض المختلفة بسبب الحصار.
ويحذر الدكتور خالد دحلان أخصائي نفسي في مركز غزة للصحة النفسية، من الآثار النفسية السلبية التي يتركها العدوان الإسرائيلي جراء استهداف الأطفال في غزة.

مشيرا إلى أن من الآثار، وقوع أحداث صادمة وردة فعل ينتج منها حالة من القلق والتحفز والاضطرابات والعدوانية ومشاكل نفسية وكوابيس عند النوم وقد تمتد إلى تجنب اللعب في الشارع لفقدانهم الأمان كي لا يتكرر ما حدث مع أقرانهم في شمال غزة.
موضحا ان الأخطر هو تأثير هذه الأحداث على الأطفال على المدى البعيد، مشيرا إلى أنها تترك تأثيرات سلبية على شخصية الطفل فيصبح اكثر عدوانية وربما تستمر الأثار الصادمة لعشرات السنين.

وتتشابه قصة صفاء مع قصص نحو quot;40 طفلا quot; قتلوا بالطريقة الهمجية ذاتها دون أن تشفع لهم براءتهم، في إسعافهم بل كان قتلهم متعمدا مع سبق الإصرار والترصد أمام الجنود الإسرائيليين وشاشات الفضائيات، كان أخرها _ على الأقل حتى إعداد هذا التقرير- مقتل الرضيعة أميرة أبو عصر( 19 يوما) يوم الثلاثاء 4/مارس،التي لم يسمح لها الإسرائيليون من تكملة شهرها الأول أثناء زيارتها لأقاربها في جنوب قطاع غزة.
quot;جرينكا فلسطينquot;
ويقول سميح أبو زاكية مدير مركز فنون الطفل الفلسطيني إن بربرية قتل الأطفال سياسة همجية جديدة لن يستطيع الفنان العالمي quot;بابلو بيكاسوquot;أن يعبر عنها في لوحة جديدة،فإذ تتفوق في همجيتها على ما اقترف بحق قرية quot;جرنيكاquot; الإسبانية.
ويضيف :quot; يبدو أنquot;جرنيكاquot;تعود الآن إلى فلسطين لتسجل بشاعة القتل الهمجي البربري بحق أبناء الشعب الفلسطيني وبالذات الأطفال الذين يقتلون بدم بارد وبطريقة أكثر بشاعة مما اقترف في قريةquot;جرنيكاquot;.
ويستغرب ابو زاكية أن كيف تسفك دماء أطفال الفلسطينيين التواقين للحرية والخلاص والعيش بأمن وأمان وسلام وحرية.ويسأل كيف نقنع البرابرة الجدد، برابرة القرن الواحد و العشرين quot; الإسرائيليينquot; بضرورة وقف سفك دماء الأطفال...؟! أنني أكرر صرخة الفنان العالمي بابلو بيكاسو بصرخة جديدة، صرخة quot;جرنيكاquot; فلسطين quot;فالقتل لا يجلب سلاما ولا يوقف الصواريخ.


إيقاف الصواريخ
ويبرر السياسيون والعسكريون الإسرائيليون عملياتهم العسكرية في قطاع غزة بإيقاف إطلاق صواريخ النشطاء الفلسطينيين على سديروت والبلدات الإسرائيلية المجاورة للحدود مع قطاع غزة،وقد وصل مداها إلى مدينة عسقلان ضمن سياسة الدفاع عن النفس التي تسوقها للعالم الغربي وتقوم بحماية الولايات المتحدة الأميركية بقصف المدنيين وترويعهم وقتل الأطفال،معللة ذلك أن المسلحين الفلسطينيين يتحصنون في البيوت،ضاربة بذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب quot; التي تنص ان الهجوم العشوائي على المدنيين وقت الحرب quot; يعتبر جريمة حربquot; ومواثيق حقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل.
ويرى د. عصام سالم أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة بأن إسرائيل ليست بحاجة الى تسويق مبررات للعدوان على غزة وسفك دماء الأطفال الفلسطينيين ضاربا المثل ب:quot; عصابات الهاغانا كانت تقتل بعض الأفراد من اليهود السامريين من أجل كسب التعاطف العالمي في ذلك قبل إنشاء دولة اسرائيل، فإسرائيل لا تحتاج لتبرير مطلقا لسفك الدم العربي، وقد ارتكبت مجازر منذ قيامها دون محاسب لها سوى قوة الرد المتمثلة في (المقاومة) على حد تعبيره.


اعلام

ويصف الكاتب والصحافي خالد معالي الإعلام الغربي بالمتحيز والمنافق في تعامله مع قتل الأطفال في غزة ويقول :quot; في ظل اختلال موازين القوى وقلب الحقائق صور الإعلام الإسرائيلي أطفال سديروت على أنهم يعانون ويبكون من صوت الصواريخ وضحايا لا حول لهم ولا قوة وأبرزوا صور بكاء الأطفال وخوفهم ومأساتهم، ولم يتعرضوا لقتل عشرات الأطفال في جباليا شمال قطاع غزة.

وتعيش الأمهات الفلسطينيات القلق والخوف بسبب استهداف الاسرائيليين للأطفال ويعبرن عن سخطهن وغضبهن فيما يناشدن العالم ومؤسسات حقوق الإنسان لحماية الأطفال والنساء.


تقول أم حسام :quot; مع كل تحليق للطيران الحربي الإسرائيلي في سمائنا يعيش أطفالي الخوف الشديد، ولا أستطيع كيفية التعامل معهم اذ لم استطع حماية نفسي او التظاهر أمامهم بعد الخوف،مضيفة أن أطفالها بعد رؤيتهم مشاهد قتل الأطفال في التلفزيون باتوا يعانون مشاكل سلوكية،وحالة خوف وهلع في الليل،إضافة إلى تراجع في تركيزهم في دروسهم المدرسية وفي تدني معدل تحصيلهم الدراسي عن ذي قبل.
ودعت ام حسام العالم للتدخل لوقف قتل الأطفال في غزة،قائلة :quot; ما ذنبهم هل رموا صواريخ على إسرائيل quot;.