أجرت محطة التلفزيون الألماني -ZDF- بتاريخ 20.01.2004 مقابلة مطولة مع المحامي الفرنسي المشهور جاك فيرغيس الذي قرر أن يستلم مهمة الدفاع عن صدام حسين تحت عنوان "محامي الشيطان" تحدث فيها عن مختلف جوانب حياته الشخصية والعامة التي أدت به في النهاية للدفاع عن شخصيات سياسية مختلفة من ضمنها جميلة بوحيرد التي تزوجها فيما بعد وبول بوت (دكتاتور كمبوتشيا) الذي كانت تربطه به علاقات من فترة الدراسة الى المجرم النازي كلاوس باربي الملقب ب "جزار ليون" ، والإرهابي راميريز شانسيز (كارلوس). وطيلة فترة المقابلة كان فيرغيس مخلصا مع نفسه بكل قناعاته اليسارية المعادية لأمريكا وواضحا في مواقفه القانونية المنطلقة من مبدأ "المتهم برئ حتى تثبت إدانته". كما كان على درجة عالية من الثقة بالنفس وبحرفيته. وهو في ذلك لا يختلف كثيرا عن غيره من محترفي هذه المهنة في العالم الغربي المبني على أسس ديمقراطية وقانونية واضحة تحدد بشكل دقيق مهمات المحامين والحكام وغيرهم ممن يسعى لتحقيق العدالة والسلام الإجتماعي. وفي هذا الإطار يمكن للمشاهد أن يكون موافقا أو رافضا لما طرحه فيرغيس في المقابلة المذكورة أعلاه، إلا إنه لا يمكن أن يشكك بمنطقية وعقلانية هذه الطروحات المبنية على أسس فكرية وفلسفية شكلت الفكر الأوروبي في القرنين الثامن والتاسع عشر وأصبحت من الأمور المألوفة في الأنظمة الديمقراطية المعاصرة.
بمواجهة هذا الموقف نجد في الجهة الأخرى تصريحات وتلويحات محامي صدام العرب المتلهفين على ما تبقى من كنوزليبيا بعد أن قام العقيد وعائلته بنهبها وتفريغها من جل مافيها كما فعل صديقه صدام في السابق. وربما سيترك لهم العقيد ما تبقى ليملأوا به جيوبهم التي ستصبح قريبا فارغة بعد أن فقدت هبات "القائد الضرورة" من أموال العراقيين. حجج المدافعين عن صدام حسين يمكن تلخيصها بما يلي:
1 ـ صدام حسين هو الرئيس الشرعي للعراق و من هنا فأنه من غير المشروع تقديمه الى المحاكمة
2 ـ إحتلال العراق غيرشرعي لذا فأن كافة ما يجري في إطاره يفتقد الشرعية
3 ـ الحكومة العراقية المؤقتة تابعة للإحتلال ومن هنا فإنها لا تمتلك الحق في تقديم صدام للمحاكمة
4 ـ المقابر الجماعية وحلبجة أمور مختلقة ولا صحة لها لذلك لا يمكن إتهام صدام بهذه التهم

هذا إستعراض مختصر لجملة الآراء التي طرحها محامو صدام في الصحافة والفضائيات العربية وهي في جوهرها طروحات لا علاقة لها لا بالقوانين الدولية السارية المفعول ولا بالقوانين المحلية "الديمقراطية" التي تربى عليها هؤلاء. فالقانون الدولي لا يمنع محاكمة الجلاوزة ومجرمي الحرب، وإلا فما هي محاكمات نورنبرغ التي جرت بعد فترة قصيرة من سقوط المانيا النازية وكانت تحت إشراف الحلفاء الذين كانوا في ذلك الوقت محتلين لألمانيا. وقد جرت هذه المحاكمات وفق إتفاقية لندن بين الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا والإتحاد السوفيتي والتى حددت التهم الموجهة للمتهمين وفق الأطر التالية:
1 ـإرتكاب جرائم ضد السلام وهي التخطيط والتحضير والقيام بحرب عدوانية (وينطبق هذا بشكل واضح على الحروب التي زج صدام حسين الشعب العراقي فيها ضد إيران والكويت)
2 ـ جرائم الحرب وهي تشمل كافة الإنتهاكات المتعلقة بإتفاقيات لاهاي ( وينطبق هذا بشكل واضح على ممارسات الجيش العرقي الموجه من قبل صدام حسين ضد المدنيين في إيران وفي الكويت)
3 ـ جرائم ضد الإنسانية وهي تشمل التصفية العرقية والقتل والتهجير الجماعي (التصفية الجماعية للإكراد والمقابر الجماعية ضد الشيعة وكافة مناهضي النظام من العراقيين)
بمقارنة بسيطة رأينا مدى التطابق بين التهم الموجهة لصدام حسين وبين الإطار القانوني الدولي لهذه المحاكمة التي تمتلك كافة الشرعية القانونية الدولية والتي وٌضعت مسؤوليتها في أيدي حكام عراقيين تأكيدا لمصداقيتها. ولنعد الآن الى تقييم جملة من طروحات وإتهامات المحامين العرب للحكومة الإنتقالية العراقية والمحكمة التي تعد لمحاكمة الدكتاتور العراقي ولنبدأ بما لم نتطرق اليه في التعرض للجوانب القانونية لمحاكمة صدام حسين الا وهو الأدعاء السمج لعدد غير قليل من محامي صدام بأن صدام حسين هو الرئيس الشرعي للعراق، كما لوكان الدكتاتور قد استلم الحكم عن طريق إنتخابات ديمقراطية كما يحصل في العالم المتحضر، ولم يأت عن طريق الإنقلابات وتصفية الأعداء وعلى رقاب مئات البعثيين المعارضين له في الرأي. ولا أريد هنا أن أعيد إحصاء الجرائم التي أرتكبها صدام بحق رفاقه من البعثيين المتنورين، فقد وثق لذلك صدام بنفسه والفلم مازال متوفرا في الأسواق العراقية وآمل أن تستخدمه المحكمة دليلا آخر على جرائم "القائد الضرورة" ووحشيته. ربما كان مصدر هذا التبجح بالشرعية هو جهل "رجال القانون" العرب بالنظم الديمقراطية وبنيتها، وهذا ما يجعلهم غير مؤهلين أصلا لممارسة هذه المهنة الشريفة، أو هو محاولة لإعطاء الشرعية لإغلب الأنظمة العربية القائمة واستغباء المواطن العربي الذي لا يوجد له في قاموسهم أي موقع للإعراب، وهذا يعني في النتيجة أنهم يعملون على إعطاء غطاء قانوني لأنظمة دموية لا تتردد عن تعذيب مواطنيها وقطع رقابهم بهدف المحافظة على سلطتها لتسرق بهدوء ثروات شعوبها المسكينة. وهم في ذلك يصبحون جزءً من ماكنة القمع الشرقية التي كان من المفروض أن تجد طريقها الى المتاحف تزامنا مع سقوط الأنظمة الشمولية في أوربا، إلا أنها مازالت مصرة على مواجهة عواصف التغيير محتمية بـعباءة "الثوابت والخصوصية". " رجال القانون" العرب الذين يريدون الدفاع عن دكتاتور العراق الساقط والذين بلغ عددهم كما يدعي "المحامي" محمد الرشدان "أكثر من 1500" يمثلون بجدارة كل مظاهر التخلف في عالمنا العربي ابتداءا من عبادة الأصنام مرورا بالتمسك بالعقلية التآمرية وانتهاءا بكيل الشتائم وإهانة الغير دون أي إلتزام بالحقائق وبالرفض المطلق لكل ما يتعارض مع منطقهم المحدود. وهم في هذا يبلغون درجة خطيرة من التقارب مع سدنة الموت "الإسلاميين" وغيرهم من حاملي السيوف المسمومة ضد الشعب العراقي الذين يطلقون عليهم تسمية "المقاومة العراقية". وفي كل هذه المواقف لا نجد ما يمكن أن نطلق عليه ولو بالمجاز صفة "الحرفية" بمفهومها القانوني، بل هي في جلها مواقف سياسية تحتوى على كمية كبيرة من الحقد على العراقيين وتطلعاتهم نحو مستقبل حر وديمقراطي. وليس من الغريب أن يعتبر المحامي الخصاونة بأن تقديم الدكتاتور صدام حسين للمحاكمة هو يوم أسود للعرب الذين يعتبرونه بطلا حمل آمالهم ، وهو يبرئه قبل بدء المحاكمة من تهم ابادة الشيعة والأكراد لأنه ابن حزب البعث الذي لا يميز بين الطوائف والأعراق ( كذا ) . والواقع هناك الكثير من الأدلة التي تكشف التورط السياسي للمحامين العرب عن صدام حسين، فهم يمنحوك هذه الأدلة بأنفسهم وذلك من خلال توجيه التهم للأجهزة القانونية العراقية بـتوجيه التهديدات اليهم. يقول القانوني محمد الرشدان في مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط " نحن الآن نطالب بحماية دولية من أجل الوصول الى العراق خاصة بعد التهديدات التي صدرت عن وزيري العدل والدفاع العراقيين، حيث هددونا بالقتل وبتقطيعنا اربا." وبهذا يتجاوز المحامي حدود مهنته ويسقط في إطار توجيه التهم العشوائية للآخرين مما كان سيضعه في مواجهة قانونية مع عدد كبير من التهم المبررة قانونيا في البلدان التي تخضع للقوانين ومنها: تهمة الجرح بالآخر وتهمة الكذب الخ..
كل هذه الأمور القانونية متوفرة حاليا في القوانين العراقية ويمكن تطبيقها على هؤلاء السادة. ومن هنا فقد أستغربت لعدم تطبيقها تجاههم من قبل وزير العدل العراقي لكي يكف هذا الصراخ الدموي المخجل والبعيد عن القانون حول العراق.
يجب أن يعرف الجميع أن العراق يسير الآن في إتجاه الإستقلال والسيادة عن طريق إنتخابات ديمقراطية ستكون مدخلا للتحولات في مجمل الأوضاع العربية السائدة. ولن يتمكن أحد من مواجهة رياح التغيير.