الإجهاض أكبر جراحة سرية تجرى للنساء فيمصر والمنطقة العربية، ويكاد لايمر يوم في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج وفي مصرنا المحروسة إلا ومئات النساء في أماكن متفرقة منها من شمال الدلتا إلى جنوب توشكى يتعرضن لهذه العملية المحاطة بالشكوك والمخاطر وإحساس الذنب والندم أحياناً، وأحياناً أخرى إحساس الإرتياح والتخلص من مشكلة أو عار أو حمل مزعج أو مشوه، والمدهش والعجيب أن الإجهاض قد دخل هو الآخر عصر الخصخصة والعولمة والشركات عابرة القارات، فتطورت هذه الممارسة السرية من الإجهاض الشعبي التقليدي الذي مارسته بطلة رواية "الحرام " ليوسف إدريس بعود الملوخية، إلى الإجهاض الأرستقراطي السهل اللطيف بمجرد الحبوب والأقراص، مروراً بطريقة القفز من فوق السرير وضرب البطن باللكمات والذهاب للعيادات المتخصصة في الإجهاض والتي يكسب أصحابها الملايين من الباحثات عن الإستقلال التام وموت الجنين الزؤام!.
وقد لوحظ في الفترة الأخيرة إنتشار أقراص الإجهاض المحظورة ووصولها إلى مصر بكميات كبيرة مهربة، والخطير أن السيدات يتناولن هذا الدواء وكأنه "بونبون" أو قرص أسبرين، ولايعرفن أنه دواء له أعراضه الجانبية مثله مثل الأدوية الأخرى، وأن إستعماله له حدود وضوابط يحددها الطبيب ولاتحددها الصديقة أو الجارة، والخطورة أن الخجل من إعلان الرغبة في الإجهاض تجبر المرأة على تناول هذه الأقراص بطريقة سرية تجعل من علاج مضاعفاتها أمراً صعباً بعد فوات الأوان، ولهذا سنحاول أن نشرح ماهي هذه الأقراص ؟وماهى طبيعتها وأعراضها الجانبية؟.
حبوب الإجهاض يطلق عليها ال آر يو 486 RU486 أو الميفيبركس MIFIPREX أو الميفيجين، وكلها أسماء لقرص الإجهاض السحري، ولكن ماهو هذا الدواء وماطبيعته؟، إنه هورمون يشبه في تركيبه هورمون البروجيسترون، وهو دواء فرنسي إخترع في عام 1980 وإكتسب إسمه من الحروف الأولى لشركات الأدوية التي صنعته وهي روسيل يوكلاف، وهورمون البروجيسترون هو هورمون ضروري لإكتمال الحمل، وإسمه مشتق من اللاتيني PRO بمعنى من أجل وGESTARE بمعنى يحمل، والدواء بذلك ينافس البروجيسترون الطبيعي الموجود في جسم الحامل على المستقبلات الموجودة في الرحم ويحتلها ويغلقها، ولايجد البروجيسترون الطبيعى مستقبلاً ليرتبط به في الرحم ولذلك تسقط بطانة الرحم بنفس الطريقة التي تسقط بها أثناء الدورة الشهرية، وينتهي الحمل، وبالإضافة إلى سقوط بطانة الرحم فإن الدواء يفتح عنق الرحم ويؤدى إلى إنقباضه وخروج الجنين وطرده إلى الخارج.
ولكن هل يحل هذا الدواء محل جراحة الإجهاض؟، بالطبع لا، فحبوب الإجهاض تعمل فقط أثناء التسعة أسابيع الأولى من الحمل، أو بالدقة خلال 63 يوماً من بداية آخر دورة شهرية للسيدة الحامل، بعد مرور هذا الوقت يزيد معدل البروجيسترون بشكل كبير لايجدي معه تنافس هذا الدواء، ويلجأ الأطباء في الدول المصرح فيها بحبوب الإجهاض إلى إضافة مادة البروستاجلاندين معها وهي مادة تسبب إنقباضات في الرحم وهذا الكوكتيل ساهم في رفع نسبة الإجهاض الناجح، لينتشر بسرعة الصاروخ في فرنسا وبريطانيا وأسبانيا وألمانيا وهولندا وسويسرا وأمريكا وروسيا وإسرائيل، وقد بلغ عدد السيدات اللاتي إستعملنه فى أوروبا فقط 200 ألف سيدة حتى عام 2000، وهو مسئول عن نسبة 30% من محاولات الإجهاض في فرنسا والتي طالبت وزيرة التعليم فيها سنة 1999 بالسماح بتوزيعها في المدارس!!.
السؤال المهم والخطير هو هل هذا القرص السحري يحل كل مشاكل الإجهاض بمجرد أن تتناوله المرأة في منزلها أم أن له إحتياطات معينة؟، والإجابة هي أن حبوب الإجهاض ليست بضاعة سوبر ماركت، ولكنها أقراص دوائية لها طريقة تناول معينة تحت إشراف طبيب متخصص، فالحامل التي تريد الإجهاض في الخارج تذهب للطبيب ليحدد إن كانت حالتها تسمح أم لا؟، وإن كانت تسمح فهي تأخذ ثلاثة أقراص من فئة ال 200 مجم وتبلعهم أمام الطبيب، ونصف السيدات يبدأن في النزيف بعد تناول الأقراص بيوم واحد، وتعود الحامل بعدها بيومين لتناول البروستاجلاندين الذي يكمل عملية طرد الجنين المتشبث، وتظل المرأة بعد تناول البروستاجلاندين من أربع إلى ست ساعات في العيادة، و90% من السيدات الحوامل يجهضن أثناء هذا الإنتظار في العيادة والباقي يكملن إجهاضهن في المنزل، ولابد أن تعود السيدة بعدها إلى الطبيب للتأكد من أن إجهاضها مكتمل، ويستمر بعض النزيف الشبيه بالدورة الشهرية العنيفة لمدة تتراوح مابين 10 إلى 12 يوم.
لايخلو تناول هذه الأقراص من خطورة لابد من التنبيه إليها، فالأعراض الجانبية لها تشمل النزيف والتشنجات الرحمية، والإسهال والقئ، وتحتاج 1% من تلك السيدات إلى نقل دم، و3% تحتجن إلى إجهاض جراحى نتيجة عدم إكتمال الإجهاض عن طريق الأقراص، وبالطبع لاتستخدم هذه الأقراص في كل السيدات بلا إستثناء، فهذه الأقراص ممنوعة للسيدة التي تعالج بالكورتيزون أو التي عندها خلل فى التجلط، أو حمل خارج الرحم، أو فشل في الغدة الكظرية التي توجد فوق الكلي، وقد سجلت ثلاث حالات عانين من مشاكل في القلب بعد تناول هذا الدواء منذ عدة سنوات.
من عيوب الآر يو 486 أنه ينفع في الأسابيع الأولى التي لاتعرف فيها أغلب السيدات أنهن حوامل، ولكن من مميزاته الطبية أنه غير جراحى ولايتطلب تخديراً ولايعرض المرأة لخطر ثقب الرحم أو تدمير عنقه أو الإلتهابات التي تحدث في حالات كثيرة من الإجهاضات الجراحية، وأضرارها السيكولوجية أقل فالإجهاض في هذه الحالة يصبح قضية خاصة فردية لاتحتاج المرأة فيها أن تصحب فرداً آخر ليشاركها سرها.
وهذه الأقراص لاتستعمل في الإجهاض فقط ولكن الأبحاث تؤكد على أنه من الممكن أن يستعمل في علاج سرطان الثدي والمبيض والجلوكوما والأورام الليفية في الرحم.
الإجهاض الكيماوي أو الإجهاض عن طريق الأقراص والذي تستفيد منه السيدة فى الأسابيع الأولى يستدعي إلى الذهن الجدل الفقهي والإجتماعي الذي يدور حول الإجهاض، والمدهش أنه توجد فتوى فى أرشيف الصحافة المصرية من الممكن أن تخدم إنتشار هذه الأقراص، والفتوى صادرة بتاريخ 29 يناير 1937 وتقول الفتوى "قبل مضى نحو 16 أسبوعاً على الحمل يمكن إتخاذ الإجراءات أو العقاقير للتهيئة للإجهاض دون تعرض الأم لأي خطر في حالة توفر إرشاد معقول"، والفتاوي الحالية التي تعتمد نفس الإتجاه تعتمد على أن الإجهاض مباح قبل مائة وعشرين يوماً لأن الروح تنفخ في الجنين بعد تلك المدة طبقاً للحديث النبوي الذى رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيأمر بأربع: برزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح"، وإختلف العلماء في تحديد ماهو العذر الشرعي الذي يستوجب الإجهاض، ومن الدول العربية القليلة التي تسمح بالإجهاض تونس وتعتمد على تفسيرات دينية مختلفة عن باقي الدول العربية خاصة في مجال الأحوال الشخصية وحقوق المرأة، وكما أن الإجهاض خضع للتفسيرات الدينية فقد خضع أيضاً للتقسيم الطبقى، فتقول د.نوال السعداوى أن المرأة الفقيرة الكادحة هي ضحية الإجهاض، وتذكر في كتابها الوجه العاري للمرأة العربية "رغم قانون التحريم، فالإجهاض غير القانوني منتشر في مجتمعاتنا، وتدل البيانات التقديرية في مصر على أن حالة حمل واحدة من كل أربع حالات حمل تجهض بطريقة غير قانونية، وينتج من هذا مئات المضاعفات الخطرة سنوياً، وبالذات في حالة الأمهات الفقيرات، وقد أصبح الإجهاض غير القانوني يمثل في مصر السبب الرئيسي الأكبر لوفيات الأمهات"، وتؤكد على أن " 90% على الأقل من حالات الإجهاض غير القانونى هن أمهات متزوجات يتراوح عمرهن بين 25 سنة و35 سنة، وأن أكثر من 80% من هؤلاء أمهات أنجبن من قبل طفلين أو أكثر، وليس في مقدور أسرهن تحمل الأعباء الإقتصادية والإجتماعية لطفل جديد "، والسؤال هل ستجدى هذه الأقراص في تحقيق الإجهاض السهل الآمن وتخرج عمليات الإجهاض من السوق السوداء؟، وتمنح الأمهات الفقيرات كما تذكر د.نوال إجهاضاً طبياً نظيفاً، أم أنها ستسمح بالتلاعب والتمويه وإستسهال التخلص من الأجنة؟، وتطرح هذه الطريقة الجديدة وهي الإجهاض عن طريق الفم قضية تستحق المناقشة وهي هل الإجهاض نظراً لظروف إقتصادية خانقة أو جنين مشوه سيعذب أهله قبل أن يعذب نفسه مباح؟، نطرح السؤال وننتظر الإجابة.


[email protected]