خلال الشهر الماضي ورغم مشاغلي الأخرى في متابعة المحنة العراقية، قرأت كتابين مهمين باللغة الإنكليزية
[1] ، أعتقد غير مترجمين إلى العربية، لأن نشر هكذا كتب تنويرية في البلاد العربية يعتبر مغامرة انتحارية بسبب الحضر على الفكر التنويري وسيطرة السلفيين والتطرف الإسلامي على كل ما يسمح له بالنشر في هذه البلدان. مؤلف الكتابين هو العالم الأمريكي جارد داياموند ( Jared Diamond )، أستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية، ومن خلفية طبية ثم درس ودرَّس الفسلجة، ومن ثم تفرغ لعلم البايولوجيا والإهتمام بالبيئة والحفاظ على الأحياء، النباتات والحيوانات من الإنقراض. يتمتع المؤلف بثقافة موسوعية خارج اختصاصه، خاصة بعلم الاجتماع والتاريخ والأنثروبولوجيا. وقام بدراسات ميدانية انثروبولوجية في العديد من مناطق العالم التي فيها مجتمعات بدائية مثل سكان جزيرة بابوا نيو غيني Papua New Guinea الواقعة في جنوب غربي المحيط الهادي قريباً من استراليا حيث كان يتردد عليها سنويا لمدة 25 عاماً مقيماً مع السكان الأصليين.
وهذان الكتابان هما: الأول: البنادق والجراثيم والحديد. Gunns, Germs and steel وهو عبارة عن موجز لتاريخ تطور المجتمع البشري خلال 13 ألف عاماً الماضية. يشرح فيه التطور البشري من عصور العصور الحجرية والمشاعة البدائية والصيد إلى الآن أي عصر السرعة وعصر الإنترنت. وأترك الحديث عنه في هذه المقالة لأنه يحتاج إلى مقال خاص به.
أما كتابه الثاني، موضوع المقال، فهو مكمل للأول وعنوانه: صعود وسقوط الشمبانزي الثالث ... The Rise and Fall of the Third Chimpanzee
ومعنى بالشمبانزي الثالث هو الإنسان، لأنه حسب نظرية داروين عن التطور وأصل الإنسان، أن الإنسان يشترك مع القردة في تطوره بأصل واحد. وأقرب القردين لنا من ناحية التطور والتشابه البايولوجي هما: الشمبانزي والغورلا، لذا فالإنسان عبارة عن شمبانزي ثالث، كما يقول المؤلف. فنحن نختلف عن الشمبانزي بنسبة 1.6% فقط من الجينات DNA (العوامل الوراثية) أي نشترك معه بنسبة 98.4% من الجينات، حيث افترقنا عن الشمبانزي من الأصل المشترك قبل 7 ملايين سنة. أما عن الغوريلا فنختلف عنه حوالي 2.3% من الجينات حيث افترقنا عنه قبل 10 ملايين سنة (ص17).
الكتاب ممتع وغني جداً بالمعلومات الشيقة التي تزود القارئ بثروة معرفية قيمة لا يستغني عنها أي مثقف مهتم بقضية الإنسان ومستقبل الأجيال القادمة. فالمؤلف يطرح تاريخ التطور البايولوجي والثقافي بأسلوب علمي شيق وواضح ومفهوم حتى لدى القارئ غير المختص، لأن الكتاب مؤلف للقارئ العادي والمختص على حد سواء. وفعلاً فاز هذا الكتاب كما الكتاب الأول بجائزة (الكتاب العلمي) لعام 1992، نظراً لأهميتهما الثقافية وفائدتهما العلمية وتأثيرهما الإيجابي على الرأي العام لرفع الوعي العلمي في الحفاظ على البيئة.
يطرح المؤلف في المقدمة كيف يختلف الإنسان عن بقية الحيوانات كونه يمتاز بصنع الأدوات ويمتلك لغة يتفاهم بها مع الغير ويستفيد عن طريقها من خبرة الآخرين وبقدرته على التأثير على البيئة والتكيف معها, وفي الفصول التسعة عشر التي تضمها دفتا الكتاب، يناقش المؤلف كيف تطور الإنسان من حيوانات سحيقة في القدم في سلم التطور عبر عشرات الملايين من السنين.
فإلى ما يقارب ال 60 مليون سنة، كان هناك للإنسان أصل مشترك مع فصيلة القرود.
وقبل ما يقارب ستة ملايين سنة حصل انفصال بين كائن يشبه الإنسان الذي كان قائماً يمشي على رجلين وأنواع أخرى من القردة في أفريقيا.
وقبل حوالي المليوني سنة ظهر ما يسمى ب Homo erectus أي الإنسان القائم ولكنه مازال يعتبر ضمن الحيوان من ناحية التصرف والسلوك والعيش.
وقبل نصف مليون سنة، ظهر ما يسمى بالإنسان العاقل Homo sapiens


الانتشار السكاني في العالم:

قبل حوالي مائة ألف سنة بدأ الإنسان في الهجرة من موطنه الأصلي، أفريقيا، إلى مناطق أخرى من العالم في عملية مطاردة الصيد، متوجهاً إلى منطقة الشرق الأوسط ومنها إلى أوربا وآسيا. فوصل إلى استراليا وغينيا الجديدة New Guinea قبل 50,000 عام، وسايبيريا قبل حوالي 20,000 عام، وإلى مختلف أنحاء أمريكا عن طريق سابيريا-ألاسكا قبل 13,000 عام وكل أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية قبل حوالي 11,000 عام، ومعظم جزر المحيط الهادي البعيدة قبل حوالي 4000 عام. كذلك حصل توسع في عدد السكان، من حوالي بضعة ملايين قبل 50,000 عام إلى نصف مليار عام 1600م. ومع زيادة السكان ازدادت قابليتنا على التدمير بتطور وتحسن فنون الصيد خلال ال 50.000 عاماً الماضية، والتحسن في الأدوات الحجرية والتقدم في الزراعة خلا ل العشرة آلاف سنة الأخيرة وصناعة الأدوات المعدنية خلال 6000 سنة الأخيرة (ص318-319). ولحد قبل حوالي مائة ألف عام لم توجد لغة تفاهم ما يمز الإنسان عن بقية الحيوانات. وقبل هذه المرحلة ومن هذا الأصل ظهر نوعان من البشر. أحدهما وجدت بقاياه في أوربا وفي الشرق الأوسط، ويسمى بإنسان النياندرتال وكان أضخم جسماً ودماغاً من الإنسان الآخر الذي هو سلفنا والذي سمي بـ Cro-Magnon نسبة إلى منطقة في ألمانيا التي تم اكتشاف متحجراته وآثاره فيها. كما ويعتقد أنه منذ 40000 عام بدأ الإنسان في اختراع اللغة واكتشف النار بشكل تدريجي وبطيء جداً. إلا إنه كان مازال يعيش حياة التنقل وراء الفريسة وجمع الغذاء أي ما يسمى ب Hunter-gatherer . ومن هذه السلالة تطورت البشرية الحالية.. ويعتقد أن إنسان النياندرتال ما كان يعرف لغة فلم تتكون لديه المتطلبات البابولوجية والتشريحية للنطق وقد اختفى من الوجود بالكامل قبل أربعين ألف عام ولم يجدوا له أثرا بعد ذلك التاريخ. ويعتقد علماء الآثار والأجناس أن إنسان ال كرو- ماكنون هو الذي قام بإبادة الإنسان النياندرتال وذلك لما كان يتمتع به من ذكاء ولغة ونزعة القتل الجماعي. فليس هناك من تفسير آخر لاختفاء الإنسان النياندرتال غير ارتكاب أجدادنا عملية إبادة الجنس منذ ذلك الوقت. وقبل ما يقارب 13 ألف سنة اهتدى الإنسان صدفة ودون وعي إلى بدايات الزراعة وتدجين الحيوان وتدريجياً بدأ في تكوين تجمعات صغيرة من حوالي 10-20 شخصاً يعيشون في أكواخ بدلاً من الكهوف. وأول مكان ظهرت فيه هذه القرى هو منطقة الهلال الخصيب وخاصة وادي الرافدين وكذلك في الصين.
وتدريجياً حصل نمو في السكان وزحفهم إلى مناطق أخرى. وبتعلم وتبني الزراعة وتدجين بعض الحيوانات، حصل نوع من الإستقرار التدريجيفي قرى أكبر، ومنها تكونت القبيلة والمشيخة والمدينة التي تعتبر أصل تكوين الدولة، كما نعرف ذلك من تاريخ حضارة وادي الرافدين. ومنه انتشرت الحضارة والكتابة واختراع الأدوات والقوانين ...الخ


الهجرة الأولى لأمريكا :

يذكر الكاتب كيفية وصول الإنسان إلى أمريكا قبل حملة كرستوفر كولومبس عام 1492. إذ يعتقد العلماء أن الهنود الحمر أي سكان أمريكا الأصليين هاجروا إليها من سايبريا كما أشرنا أعلاه، وهم أصلاً من المغول حيث يوجد تشابه كبير في الشكل بينهم وبين سكان منغوليا الذين كانوا يتنقلون وراء الصيد إلى أن وصلوا إلى سايبيريا ومنها إلى ألاسكا قبل 13 ألف عام أي في نهاية العصر الجليدي الأخير وكان هناك جسراً أرضياً يربط سايبريا بألاسكا، (مضيق بيرنغ)، حيث كان مستوى البحر أوطأ بكثير مما عليه الآن. ومنها توجهوا جنوباً ببطء أي بمعدل 8 أميال بالسنة وبعد عدة آلاف من السنين تكاثروا وغطوا كلاً من كندا وأمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية حوالي 9000 ق.م. فعندما وصل الأوربيون إلى أمريكا كان السكان الأصليون حوالي 20 مليون نسمة، تمت إبادة معظمهم إما عن طريق القتل أو نقل الأمراض التي لم تكن معروفة هناك قبل ذلك الوقت لذا لم تكن لدى السكان مناعة ضدها، مثل الحصبة والجدري.

أصل خاصال الإنسان:

يرجع المؤلف أغلب خصال الإنسان وقابلياته الأبداعية والتدميرية إلى جذورها الأصلية في الحيوان. فمثلاً فن الرسم، يقول أن بعض الحيوانات تقوم برسوم بشكل غير واعي، و يأتي بأمثلة كثيرة ومثيرة، أحدها أن عرضت في معرض الرسم في نيويورك مجموعة من الرسوم لفنانين كبار، وكان هناك رسم وضعوا اسم سري لصاحبه. هذه اللوحة حازت بثناء واعتراف أشهر النقاد في الفن، وقد كتب أحدهم عن ذلك الرسم أن صاحبه يتمتع بذوق رفيع، والأصالة والقدرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية الصادقة وأنه أشبه بقطعة شعرية ولكن بأسلوب الرسم. في الحقيقة كان صاحب هذا الرسم هو فيل، حيث وضعوا في خرطومه فرشاة وأمامه قطعة قماش، فصار عصبيا وراح يمرر الفرشاة بعصبية وعشوائية على قطعة القماش. ثم عرضوا هذه الشخابيط في المعرض لإختبار النقاد. ففاز الرسم بأفضل تقييم!!
كذلك اللغة، إذ يخصص المؤلف فصلاً كاملاً عنها ويقول أن هناك لغة تفاهم عند بعض الحيوانات. وكيف تطورت اللغات من جذورها الأصلية ومنها اللغات الأوربية- الهندية والسامية. ويعرف ذلك من تشابه الكثير من المفردات فيما بينها. وعن طريق دراسة هذه اللغات يمكن معرفة أصول بعض الشعوب من أين جاءت. مثل أصل السكان في جزيرة مدغشقر من إندونيسيا وأفريقيا.


إبادة الجنس:

يخصص المؤلف فصلاً كاملاً عن جريمة القتل الجماعي أو ما يسمى بإبادة الجنس Genocide . يرى الباحث أن نزعة إبادة الجنس عند الإنسان لها جذورها في الحيوانات. وأقرب حيوان لنا هو الشمبانزي. وهذا الحيوان يعيش على شكل تجمعات، حوالي 10-20 فرداً، متمسكة بحصتها من الأرض territorial في الغابة. غالباً ما تحصل حروب بين الجيران، إذ تقوم مجموعة من الشمبانزي بالهجوم على مجموعة مجاورة ترتكب ضدها عملية الإبادة الجماعية للاستحواذ على الأرض، ولكن ليس بنفس السرعة التي يقوم بها الإنسان، ربما لافتقارهم إلى أدوات القتل. فقتل عشرة من أفراد مجموعة العدو من الشبانزي يتم على مراحل تستغرق عدة سنوات، وعندما يتم قتل آخر فرد، تسيطر العصابة المنتصرة على أرض المجموعة المبادة. والجدير بالذكر أنهم (الشمبانزي) مثل الإنسان، يقتلون الذكور دون الإناث حيث يتخذونهن سبايا لممارسة الجنس معهن (مما ملكت اليمين)!!
والإنسان "المتمدن" أوجد قوانين اخلاقية ethical codes تعامل الحيوانات بشكل مختلف، أي يجوز معها إبادة الحيوانات دون عقاب أو تأنيب ضمير. لذلك فالمعتدون من البشر الذين يرتكبون جريمة إبادة الجنس يقارنون ضحاياهم دائماً بالحيوانات لتبرير القتل. فالنازيون اعتبروا اليهود قمل دون مستوى البشر ( subhuman lice )، والفرنسيون المستوطنون في الجزائر أيام الاستعمار كانوا يسمون الجزائريين بالفئران، و"المتمدنون" من سكان البراغوي اعتبروا السكان الأصليين فئران مسعورة، وسكان جنوب أفريقيا اعتبروا السود قردة، والمثقفون في شمال نيجيريا نظروا إلى قبائل الإيبو كديدان. واللغة الإنكليزية غنية بأسماء حيوانية تسنخدم للحط من قدر الإنسان الخصم، مثل قوله (أنت أيها الخنزير، قرد، كلب، ثور، جرذي...الخ). (ص269).
في الحقيقة ليست اللغة الإنكليزية وحدها الغنية بهذه المفردات لوصف الخصم، بل جميع اللغات العالمية. أما لغتنا العربية، فقد ضربت رقماً قياسياً لغنائها بهذه الأسماء في العنصرية والتمييز الديني والطائفي. ولم يسلم من ذلك حتى ديننا الإسلامي، إذ يعتقد الإسلاميون أن الله تعالى مسخ اليهود إلى قردة. كذلك هناك أناس إذا أرادوا أن يشتموا شخصاً يكرهونه يقولون عنه أنه يهودي أو نصراني أو أي دين غير مسلم أو عنصر آخر غير عربي. وهناك معتقد شبه ثابت عند البعض في العراق وحتى بين المثقفين منهم إذا أرادوا أن يشتموا شخص إيراني قال عنه أنه إذا تكسر عظمه يخرج منه غائط!!! فهل هناك عنصرية أكثر من ذلك وهل هناك قوم أكثر عنصرية من العرب؟ (راجع مقالة سعدالدين إبراهيم في الحياة، 14/9/2004).

خطر الإنسان على البيئة:
يطرح المؤلف في الفصول الأخيرة من الكتاب خطر الإنسان وما له من تأثير مدمر على البيئة. فالتقدم كان يسير في البداية ببطء شديد، ثم تسارع مع الزمن، فكل مرحلة لاحقة هي أسرع من المرحلة السابقة. فما حصل من تقدم في القرن العشرين يعادل ما حصل خلال عمر البشرية لمئات الآلاف من السنين. وهكذا يتوقع العلماء أن ما سيحصل من تقدم خلال العشرين عاماً القادمة في العلوم والتكنولوجيا والطب بعادل ما حققته البشرية خلال ألفي سنة الماضية. ولكن وبنفس التعجيل هناك تأثير مدمر للإنسان على البيئة في عملية القضاء على النبات والحيوان. وعلى هذا الأساس يرى المؤلف أن المجتمع البشري مهدد الآن بتدمير نفسه، إما عن طريق الهولوكوست النووي السريع أو الهولوكوست البيئي التدريجي. الطريقة الأولى تكون سريعة فيحصل تدمير كل ما بنته البشرية من حضارة عبر ألوف السنين بليلة واحدة. أو تدريجياً عن طريق تدمير البيئة وتآكلها بسبب الانقراض الشامل التدريجي للكثير من أنواع الحيوان والنبات. وتأثير اختفاء هذه الأنواع على حياة الإنسان نفسه.


آليات التدمير:

يرى المؤلف أربع آليات لانقراض الأنواع:
1-
الإكثار في الصيد وقتل واستهلاك الحيوان والنبات أكثر مما تتكاثر هذه الأنواع بسبب الانفجار السكاني.
2-
تدمير مواطن Habitats لهذه الأنواع من نبات وحيوان . وأفضل مثال على هذا هو ما قام به نظام صدام حسين بتجفيف الأهوار. المؤلف لم يذكر هذا المثال طبعاً لأن الكتاب صدر قبل هذه الجريمة، ولكن ذكر أمثلة مشابه جداً لعملية تجفيف الأهوار في العراق. فتجفيف هذه المصادر المائية قضى على الكثير من الطيور والحيوانات والأسماك وحتى البشر وما لهذا الإجراء من تأثير سلبي على المناخ. كذلك تأثير المعامل على البيئة بما تنتجه من فضلات سامة تصب في الأنهار أو غازات ومبيدات تنفثها في الهواء، ونتيجتها الأمطار الحامضية Acid rains التي قضت على الكثير من الغابات والأحياء المائية في النرويج نتيجة السحب الغازية من المعامل البريطانية في السابق.
3-
إدخال أنواع من الحيوانات والأمراض من مناطق إلى مناطق أخرى لم تكن للأحياء فيها مناعة لها فتنقرض. ويذكر المؤلف أمثلة كثيرة على ذلك.
4-
وأخيراً ما يسميه المؤلف ب Ripple effect أي التأثير التدريجي للكائنات المنقرضة على الكائنات الباقية، أشبه بما يسمى ب domino effect فعندما تسقط قطعة دومينو في سلسلة من القطع، تسقط القطعة التي أمامها وهكذا إلى آخر قطعة. فهناك حيوانات ونباتات تعتمد في بقاءها على وجود غيرها من الحيوان والنبات. أو اختفاء نوع يؤدي إلى تكاثر نوع آخر بشكل خطير ومدمر على البيئة فيختل التوازن الطبيعي. ومثال على ذلك هو ما حصل أيام الثورة الثقافية في الصين الشعبية في الستينات بقيادة ماوتسي تونغ. فكان من ضمن الحملة، القضاء على العصافير، لأنها تضر بالمحصول الزراعي!! فخرجت ملايين السكان إلى الحقول، في سباق هستيري، لصيد
العصافير إلى أن قضت عليها. النتيجة أنهم فوجئوا بغزو الحشرات وخاصة البعوض بأضعاف مضاعفة بحيث أثرت على البيئة بشكل رهيب، مما اضطروا إلى أن يستوردوا كميات من العصافير وإعادة تكاثرها لمواجهة موجة الحشرات.

جدوى الحفاظ على البيئة:
هناك اعتراض من قبل البعض أن هذا الانقراض هو عملية طبيعية يحصل حتى بدون تدخل الإنسان، فبعض الأنواع تنقرض على أي حال وبتأثير بعض الأحياء الأخرى، فلماذا كل هذه الضجة؟
يجيب المؤلف أنه صحيح هناك انقراض طبيعي لبعض الأنواع والأجناس ولكنه يحصل بوتيرة بطيئة جداً أي بمعدل 1% من الأنواع في القرن. أما الانقراض الذي يتم بسبب الإنسان فهو بنسبة 2% في السنة، أي مائتي مرة أكثر من الانقراض الطبيعي. وأن حوالي 30 مليون نوع من الحيوان والنبات ستنقرض خلال القرن الحالي أي 50% من الكائنات الحية الموجودة اليوم ستختفي من الوجود في نهاية القرن الحادي والعشرين، فيما لو بقي التدمير على نفس الوتيرة المتصاعدة ولم تتخذ الحكومات إجراءات ناجعة وسريعة للحفاظ على البيئة من هذا الدمار.
وعدم الاهتمام بهذا الانقراض بحجة أنها مسألة طبيعية تشبه عدم الاهتمام بجرائم الجينوسايد (إبادة الجنس) بحجة أن الموت هو نهاية طبيعية لكل إنسان وكل كائن حي ملاق الموت على أي حال!! فلماذا نعمل على إيقاف الجينوسايد وندينه؟؟؟!!



لماذا الإهتمام بالكائنات الحية؟

يقتبس المؤلف نصاً من العالم البايولي، هالدن J.B.S Haldane قوله: " لا تعتمد الحضارة على الإنسان فقط، بل على النبات والحيوان أيضاً" . فوجود الإنسان يعتمد على وجود الأحياء الأخرى في غذاءه وسلامة بيئته. إذ هناك تأثير ما يسميه المؤلف ب Ripple effect ، يشبه تساقط قطع الديومينو، كما أشرنا إليه أعلاه. وهذا يعني أن موت أي نوع من الكائنات الحية يؤدي إلى موت نوع آخر منها إلى أن يصل الدور لنا كبشر. فمثلاً النباتات تنتج الأوكسجين وتستهلك ثاني أوكسيد الكاربون، فإذا اختفت الغابات تنقص نسبة الأكسجين في الهواء وتستحيل الحياة على الأرض. وهذا التدمير للغابات في حوض الأمزون ومناطق أخرى من العالم يهدد بهذا المصير.
كذلك هناك الخطر من الإنفجار السكاني الذي يتضاعف كل ثلاثين عاماً، (وكل عشرين عاماً في البلاد العربية). فمثلاُ تعداد السكان اليوم حوالي 6 مليارات نسمة سيصبح 12 مليار بعد 30 أو 35 عاماً دون أن تصحبه زيادة في مصادر الغذاء التي هي في تناقص وتآكل بسبب الزيادة في الاستهلاك وتدمير البيئة.


ما العمل؟
في الخاتمة، ورغم هذه الصورة القاتمة، إلا إن المؤلف يترك فسحة للتفاؤل فيما لو اتخذت الحكومات والشعوب إجراءات صارمة للحد من هذا السباق الجنوني في تدمير البيئة ومنها:
1-
العمل على تحديد النسل وإيقاف الإنفجار السكاني،
2-
العمل على رفع وعي الشعوب بمخاطر تدمير البيئة ونشر ثقافة الاهتمام بها،

3-
العمل على استخدام مصادر نظيفة للطاقة والصناعة والحد من الجشع.

4-
مراقبة المعامل بتبني سياسة سليمة للحفاظ على الأنواع...الخ

وفي النهاية يقول المؤلف أن الغرض من هذا الكتاب هو إذا ما تعلمنا من أخطاء الماضي فمستقبلنا يمكن أن يكون أكثر إشراقاً من مستقبل الشمبانزيين الآخرين.

http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliq.html

[1] - وبهذه المناسبة، أود أن أسجل شكري العميق للصديق الدكتور رياض عبد، الأستاذ في جامعة شفيلد/إنكلترا، لإرشادي إلى هذين الكتابين.

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف