"ابن خلدون" يرصد أحوال السودان
حقل تجارب لكل الأنظمة السياسية


نبيل شرف الدين من القاهرة: استهل تقرير مركز "ابن خلدون" للدراسات السياسية استعراضه لأحوال السودان بمقدمة تطرق فيها إلى استقلال السودان عن مصر وبريطانيا في كانون الثاني (يناير) 1956 اثر استفتاء شعبي، ومرور النظام السوداني بجميع أنظمة الحكم المعروفة بدءا من النظام الديمقراطي التعددي في ظل حكومة إسماعيل الأزهري ثم بالنظام العسكري مع الانقلاب الذي قاده الفريق إبراهيم عبود فالنظام الشمولي الشعبوي في عهد جعفر النميري ثم بالنظام الشمولي الإسلاموي برئاسة الثنائي البشير – الترابي، ثم عاد مرة أخرى إلى النظام العسكري الكلاسيكي بعد انفراد البشير بالسلطة. وهو ما أعطى تميزا وثراء ملحوظين للتنظيمات السياسية السودانية خصوصا ولحركة المجتمع المدني عموما.

وتحتل السودان المركز السادس عالميا، والأول أفريقيا من ناحية المساحة الجغرافية ويمثل الجزء الجنوبي من السودان الواقع تحت خط عرض 13 حوالي مليون كم مربع ويبلغ عدد سكان الجنوب حوالي 10 مليون نسمة معظمهم من المسيحيون والوثنيون و الأفارقة السود ومثلت حركة "أنانيا" الجماعات العرقية المتواجدة في الجنوب والمتناحرة مع الحكومة المسلمة المركزية في الشمال وطالبت هذه الحركة بقدر من الاستقلال الذاتي الذي فشلوا في الحصول عليه وقد أدى ذلك إلى اندلاع الحرب الأهلية التي استمرت لمدة 47 عاما تخللها فترات السلام ما بين عامي 1972-1982 عندما أعطى الجنوب قدرا معقولا من الاستقلال الذاتي استنادا إلى الاتفاقيات التي جرت عام 1972. حتى قام الجنرال جعفر النميري بانقلاب عسكري أطاح فيه بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا في عام 1989 وقرر تقييد الاستقلال الذي منح للجنوب و فرض الشريعة الإسلامية عليه وبالرغم من انه تم الإطاحة بالنميري عام 1985، لكن الحكومات المتتابعة في الشمال رفضت الإذعان لمطالب الجنوب واستمرت الحرب الأهلية حتى الآن مما اسفر عن مقتل اكثر من نصف مليون سوداني.

مؤشرات التحول الديمقراطي في السودان
1- السلطة التنفيذية والتشريعية
حكومة البشير الحالية حكمت من خلال تحالف بين المؤسسة العسكرية والتيار الإسلامي الذي يقوده حسن الترابي قائد حزب المؤتمر الوطني وقد اعلن تحالف البشير والترابي أن السودان جمهورية إسلامية وأصروا على فرض الشريعة الإسلامية في الجنوب ولكن الصراع حول توزيع السلطة داخل التحالف أدى إلى اعتقال الترابي في عام 1999 ثم افرج عن الترابي في عام 2003 ثم أعيد اعتقاله حتى نهاية عام 2004. وفي عام 2002 نجحت الوساطة الدولية في تقديم حل لمشكلة الجنوب مستند إلى مفهوم دولة واحدة ونظامين والذي بمقتضاه ستقبل الحكومة المركزية في الشمال النظام العلماني الموجود في الجنوب ومع نهاية 2004 تم التصديق على تلك الخطة من كلا الطرفين بعد أن مهد توقيع اتفاقيتي تقسيم السلطة والثروة بداية العام الطريق نحو تسوية شاملة في السودان.
وقد قرر الرئيس السوداني عمر البشير نهاية العام فجأة إقالة مساعده في رئاسة الجمهورية مبارك الفاضل المهدي الذي انضم إليه بعد انشقاقه عن الصادق المهدي مكونا حزب الأمة جناح التجديد والإصلاح،متهما اياه بأنه بدأ تعاملا خارج مؤسسات الحكومة عندما اصدر مبارك مشروعا لحل مشكلة دارفور وكان من تبعات قرار استبعاد مبارك الفضل ان قام 14 وزيرا حكوميا واقليميا ينتمون إلى حزب الأمة جناح التجديد والإصلاح بتقديم استقالتهم ‏إلى النظام الحاكم.

والمجلس الوطني هو السلطة التشريعية ويتألف المجلس الحالي من 360 عضوا ويقوم النظام الحاكم بتعيين 90 عضوا منهم بينما ينتخب الباقي لولاية مدتها أربع سنوات ووفقاً لدستور 1998 تخصص 25% من المقاعد للنساء وخريجي الجامعات وممثلي الاتحادات المهنية ولأصحاب المهن العلمية والفنية الرفيعة.

ويتعذر على المجلس الوطني القيام بمهامه التي من اهمها محاسبة السلطة التنفيذية بسبب الهيمنة الكاملة للسلطة التنفيذية عليه وقد اتهم النظام بتزوير الانتخابات على نطاق واسع كما ان ديكتاتورة الحكم جعلت الاتحاد الاوربي يرفض مراقبة انتخابات 2000لاقتناعه بعدم حيادية ونزاهة العملية الانتخابية.

السودان طرف في عدة اتفاقيات دولية تتعلق بمحاربة الفساد، ووقع عدة بيانات تدعو إلى جعل إجراءات محاربة الفساد من أولويات الحكومات. وجاء ترتيب السودان في "مؤشر إدراك الفساد" الذي وضعته المنظمة "العالمية للشفافية" لسنة 2003 برتبة 106 من بين 133 دولة، وحصل على درجة 2.3 على هذا المقياس الممتد من 1 إلى 10 درجات حيث تمثل درجة 1 وجود الكثير من الفساد ودرجة 10 غياب الفساد.

2ـ استقلال القضاء والاعتقال
يقوم المجلس الأعلى للقضاء بدور السلطة الإدارية على القضاء مع احتفاظ رئيس الجمهورية بحق تعيين جميع القضاة وعزلهم إلا ان قضاة المحكمة الدستورية العليا يشترط لعزلهم موافقة البرلمان – الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، وبالتالي ينتفي في ظل هذا الوضع مبدأ استقلال القضاء. ويقوم النظام القانوني السوداني على مبادئ الشريعة الإسلامية، مع الاخذ ببعض التأثيرات من نواميس القانون العام الوضعي.

رغم ان الدستور السوداني يقر بأن تكون إجراءات الاحتجاز والاعتقال متماشية مع حقوق الإنسان بما يضمن محاكمة عادلة للمتهمين الا ان الواقع الفعلي يظهر ان السلطات السودانية كانت دائما تنتهك ابسط الحقوق الادمية للمواطن السوداني، حيث يسمح قانون الامن القومي باعتقال عشرات المواطنين لأسباب سياسية لمدة تصل إلى تسعة اشهر بدون تهمة او محاكمة او الاتصال بالعالم الخارجي، وبموجب القانون نفسه تتمتع هذه القوات بالحصانة من العقاب على افعالها التي ترتكبها ضد حقوق الإنسان بما فيها التعذيب او سوء المعاملة. ومن اهم هذه الانتهاكات اختطاف طلاب الجامعات وتجنيدهم اجباريا وارسالهم إلى مواقع القتال مباشرة سواء في الجنوب او في الغرب (تقريرالمنظمة السودانية لحقوق الإنسان 2003 ) كما انه لا يجوز الطعن في مدي مشروعية الاعتقال الذي تقوم به قوات الامن.

بدأ الصراع على السلطة فيما يسمي بأزمة الترابي بتفجر ازمة دارفور التي استغلها النظام للتخلص من شريكه السابق فألقي بمسئولية تفاقم الازمة على الترابي لعلاقته بخليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، واعتقل الترابي وبعض مؤيديه، وحوكموا في28 سبتمبر2004، دون السماح لمحاميي المتهمين للدخول إلى قاعة المحكمة بحجة ضيق المكان،ورغم انه في 2 ديسمبر2004 برأت المحكمة الترابي من جميع التهم المنسوبة إليه الا ان السلطة أكدت انه "سيستمر اعتقاله لحين صدور قرار سياسي بإطلاقه".

3- الانتخابات والأحزاب
الانتخابات
جرت آخر انتخابات رئاسية في سنة 2000 فاز البشير على أربعة منافسين وحصل على نسبة 86.5% وقدرت المصادر نسبة المشاركة الشعبية بـ86% ممن يحق لهم الانتخاب
جرت آخر انتخابات نيابية عام 2000 وقامت الأحزاب السودانية بمقاطعتها وذلك لعدم ثقتها في نزاهة العملية الانتخابية ولنزع غطاء الشرعية عن النتائج وعليه فقد اعلن فوز الحزب الحاكم بجميع المقاعد البرلمانية عدا خمسة مقاعد فاز بها مرشحون مستقلون
وفي عام 2004، وعلى ضوء الانفراج النسبي لمشكلة الجنوب أعلن الحزب الحاكم عن إجراء انتخابات عامة بعد ثمانية عشر شهرا من توقيع اتفاق السلام النهائي مع حركة قرنق بدلا من ثلاث سنوات كما هو متفق عليه سابقا. وتباينت ردود الفعل الحزبية حول هذه المبادرة حيث أبدت الحركة الشعبية والتجمع الوطني المعارضان رفضا قاطعا لها وتمسكا بإجراء الانتخابات في غضون ثلاث سنوات من توقيع الاتفاق لإتاحة وقت كاف لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لضمان حيادية ونزاهة الإجراءات الانتخابية،.أما حزب الأمة المعارض فقد ابدي موافقته على هذه المبادرة الا انه شدد على ضرورة وضع هذه الانتخابات تحت المظلة الدولية.
وتعتبر الانتخابات الطلابية هي الانتخابات الوحيدة في السودان التي يمكن الثقة في نزاهتها نظرا لقوة الحركة الطلابية حيث أسفرت نتائج الانتخابات الطلابية هذا العام في جامعة الخرطوم، اعرق واقدم الجامعات السودانية، عن فوز المعارضة الطلابية للمرة الثالثة على التوالي، حيث حقق تحالف المعارضة 71% من مجموع الاصوات وحصل تيار الاخوان المسلمون على نسبة 31% من نسبة فوز المعارضة. وتعتبر هذه النتيجة ضربة سياسية جديدة للنظام الحاكم
الأحزاب
بالنظر إلى القوي الشعبية السودانية نجد انها تنحصر في قوي حديثة (المتعلمون) وقوي وراثية (ولاءات صوفية وقبلية)، وفي حين انخرطت القوي الوراثية في الأحزاب ذات الطبيعة القبلية او الصوفية كحزب الأمة اختارت القوي الحديثة الانضمام إلى الأحزاب العقائدية مثل الحزب الشيوعي السوداني وحزب المؤتمر الحاكم كحزب إسلاموي من اصل اخواني،وفي محاولة لمواجهة نظام الانقاذ الحاكم قامت مجموعة من الأحزاب والاتحادات والنقابات المهنية والفصائل المسلحة عام 1989 بتكوين ما يسمي بالتجمع الوطني الديمقراطي ووقع على ميثاقه )13( حزب سياسي و56 نقابة واتحاد.
كما يوجد بالسودان أحزاب جنوبية يمكن تصنيفها إلى مجموعات تعتنق توجهات مختلفة: فالمجموعة الأولي تحتضن أحزابا تجاهر بالعداء للعروبة والإسلام وتتبنى الأطروحات الثقافية الأفريقية، (مجموعة يوساب). والمجموعة الثانية ترفع شعارات الديمقراطية والعلمانية، ( الحركة الشعبية). أما المجموعة الثالثة فهي ضئيلة التأثير وتؤمن بإمكانية التعايش وتحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب،(الشعب الديمقراطي).

ومن الملاحظ انه قد حدث تقارب بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة فالحزب الحاكم يريد تقوية مركزه في المفاوضات مع الجنوب عن طريق تحقيق اجماع وطني يحتاجه البشير، كما ان المعارضة تريد البحث عن موطأ قدم في الشارع السياسي السوداني، ولعل من اهم صور التقارب الذي تم بين حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي وبين الحزب الحاكم هو إعلان حزب الأمة بعد مقاطعة دامت اكثر من ثلاثة أعوام، عن استئناف الحوار مع الحكومة عبر لجنة رباعية مشتركة مع تأكيده انه لا احتمال لاشتراكه في الحكومة الا اذا كان ذلك في اطار النظام الديمقراطي والانتخابات الحرة، كما قام الميرغني زعيم الحزب الاتحادي ورئيس التجمع المعارض بالتوقيع مع الحكومة على اتفاق "جدة" بصفته رئيس التجمع الوطني المعارض (تجمع المعارضة في الخارج) الذي التزم فيه الطرفان بالاتفاق على التداول السلمي للسلطة ونبذ العنف بكل أشكاله في العمل السياسي. والالتزام بالنظام الديمقراطي الذي يسمح بحرية العمل السياسي لكل القوي والأحزاب السياسية.
كما نص الاتفاق على ضمان حق كل ولاية من ولايات السودان في انتخاب حاكمها ومجلسها التشريعي، واستقلإلىة اللجنة الوطنية للانتخابات والالتزام برفع المظالم والضرر الذي وقع على المعارضين. ودعا كذلك إلى ضمان قومية القوات المسلحة وجهاز الأمن، ولكن هذا الاتفاق تعرض لهزة عنيفة بسبب موافقة التجمع على انضمام حركة تحرير السودان المتمردة في دارفور إليه حيث اعتبر النظام ان هذه الخطوة تعتبر خروجا على اتفاق جدة كما برز على السطح الكثير من الخلافات داخل التجمع نفسه بسبب قبول حركة التحرير في صفوفه ولم يقف الامر بالنسبة للميرغنيعند ذلك وانما امتد ليشمل الحزب الاتحادي الذي يرأسه حيث شن قياديو الهيئة العامة للحزب هجوما عنيفا عليه، واعتبروا مؤتمر مرجعيات الحزب الذي عقد في القاهرة، محاولة منه لتقوية نفوذ عائلته بالتمكين لابنه في المواقع القيادية.

4 – المجتمع المدني وحرية التنظيم
يسمح الدستور السوداني الأخير ( الصادر عام 1998 ) بالتعددية الحزبية، ويكفل حرية تأسيس الجمعيات والمنظمات المدنية والانضمام إليها وأصدرت الحكومة في 1999 قانون التوإلى الذي ينظم الحياة السياسية. ويحظر هذا القانون تشكيل المنظمات السياسية التي تدعو للعنف والإكراه كما أنه يمنع عضوية أي مواطن في أكثر من حزب أو منظمة سياسية. و لم يشهد هذا العام تكوين منظمات جديدة للمجتمع المدني ويقدر عدد المنظمات الأهلية في السودان بـ136 منظمة وجمعية أهلية.

ويمنع القانون تكوين اي منظمات عمإلىة مستقلة و يعتبر اتحاد عمال السودان الذي يضم حوالي 800000 عضو منظمة العمل الوحيدة في السودان، وقد قامت منظمة العمل الدولي بتسجيل اعتراضها على ذلك القانون.

5- حرية التعبير و استقلال الاعلام
حسم المجلس الوطني السوداني الجدل الواسع بشأن مشروع القانون الجديد للصحافة فتم الغاء عقوبة السجن الواردة في المرسوم المؤقت الخاص بقانون الصحافة لسنة 2004 والاكتفاء بالغرأمة دون تحديد سقفها وتركها لسلطة المحكمة التقديرية التي اعطتها ايضا سلطة إلغاء التراخيص اذا تكررت المخالفة اكثر من مرتين ومصادرة المطبوعات الصحفية في حال تكرار المخالفة لاحكام القانون، كما انتقلت سلطة الغاء ترخيص الصحفي من مجلس الصحافة إلى المحكمة، واشترطت لذلك تكرار المخالفة لاكثر من مرة. كما حدت التعديلات من سلطة مجلس الصحافة فانخفضت صلاحيته في ايقاف الصحف المخالفة من 15 يوما إلى 7 ايام فقط على الا تزيد عن ذلك إلا بقرار قضائي.

ورغم هذا التحسن النسبي الا ان الواقع يشير إلى وجود الكثير من الانتهاكات لحرية الاعلام في السودان حيث حكمت محكمة جنايات الخرطوم بالحبس لمدة شهر في العاشر من ابريل على مراسل قناة الجزيرة الفضائية في الخرطوم بتهمة نشر اخبار كاذبة تتعلق بقوات الامن الوطني.

كما قامت السلطات السودانية في 6 يوليو بحجب موقع سودانيز اون لاين دوت كوم (www.sudaneseonline.com)؛ ومنبر الحوار الحر التابع له؛ عن كل مستخدمي الانترنت في داخل السودان، بناءا على اوامر مباشرة من جهاز الامن السوداني باعتبار ان الموقع يهدد الامن القومي السوداني.

وأصدرت محكمة جنايات الخرطوم في سبتمبر الماضي قرارا بإيقاف صحيفة "ألوان" إلىومية المستقلة عن الصدور لمدة ثلاثة أيام وتسديد غرأمة قدرها خمسون ألف دينار والسجن شهرين لرئيس تحريرها إذا لم يسدد الغرأمة وذلك بسبب نشره مقال يشكك فيه من صحة الاتهامات التي وجهتها الحكومة للترابي.

وعلى الجانب الاخر شهد هذا العام عودة صحيفة الايام للصدورفي شهر مارس بعد احتجاب قسري استمر أكثر من ثلاثة أشهر بقرار من نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة إثر شكوي من جهاز الأمن الوطني يتهم فيها الصحيفة بإثارة الفتنة وتهديد الأمن الوطني.

ورغم ان الدستور السوداني يقر الحريات الاساسية للافراد وينص على حرية الرأي والتعبير الا ان الواقع الفعلي يشير إلى عكس ذلك.
ففي4 يناير قامت السلطات السودانية بقمع مظاهرة قامت بها طالبات جامعة الخرطوم احتجاجاً على الاوضاع المتردية في المدينة مما ادي إلى حدوث اصابات جسيمة في صفوف الطالبات.
كما قامت مجموعة من عناصر الامن في يناير بمهاجمة ثلاثة من طلاب جامعة الخرطوم وضربهم أمام منطقة نفق الجامعة بالخرطوم لمحاولتهم الاحتجاج على تعدي قوات الامن على الطلاب.
واحتوت شرطة النجدة والعمليات في فبرايرمحاولة للقيام بمظاهرة محدودة من طلاب جامعة الخرطوم و تصدت قوات الشرطة السودانية للمظاهرة التي شرع فيها عدد من طلاب دارفور بالجامعات وقامت بتفريقها بالقوة واستخدام الهراوات والغازات المسيلة للدموع.

وشهدت الشوارع المؤدية لمقر مكاتب الأمم المتحدة بالخرطوم مواجهة بين قوات الامن ومجموعة من الطلاب بعد أن خرجت مسيرة نظمها 300 طالب من أبناء دارفور لتسليم مذكرة احتجاجاً على التطورات الأمنية في عدد من مناطق تلك الولاية.

كما قامت سلطات الامن في يناير باعتقال السيد/ كوكو النور منسق الادارات الأهلية لجبال النوبة بالخرطوم اثر المذكرة التي رفعتها الادارات الأهلية في 13/1/2004 إلى رئيس الجمهورية تطالب باعطاء جبال النوبة حق تقرير المصير، وهي المرة الرابعة التي يتعرض فيها السيد كوكو النور للاعتقال من قبل الاجهزة الامنية.

واتهم مسئولين في حزب المؤتمر الشعبي في سبتمبر 2004 السلطات السودانية بتعذيب عضوين على الاقل من أعضاء الحزب في المعتقلات.

6- وضع المرأة والمهمشين
يكفل الدستور السوداني للمرأة حقوقها الطبيعية في المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل، فللمرأة حق التصويت والترشيح لكافة المجالس التشريعية والمحلية، كما تشغل المرأة مناصب عليا في اجهزة الدولة بما في ذلك مؤسسة القضاء وتشغل المرأة12 مقعدا في المجلس الوطني (البرلمان)،الا ان الحرب الأهلية قد خلقت للمرأة صعوبات امام مشاركتها في الحياة السياسية. ولكن في المقابل خلقت لها ايضا دورا اكبر في الحياة العامة ففي الوقت الذي ينضم فيه الرجال إلى الجيش تضطر المرأة فيه للخروج إلى العمل، وتشكل النساء حوالي 42%من قوة العمل، ولكن الوضع الاقتصادي المتردي ادي إلى انتشار وتعميق الفقر مما اضطر الكثير من النساء إلى امتهان الدعارة او صنع الخمر رغم أنها مهن محرمة قانونا.

ويذكرتقرير للامم المتحدة ان 80%من سجينات ام درمان بالخرطوم تم سجنهم بسبب ممارسة الدعارة وصنع الخمور،ويضاف إلى هذه الصعوبات محاولة النظام تطبيق الشريعة التيتنص–حسب تفسيره لها – على تغطية المرأة لجسدها بالكامل وايضا تغطية وجهها في الاماكن العامة وحظر اشتغالها في اماكن معينه مثل محطات البنزين والفنادق. وقد تحدت الجمعيات النسائية هذا القانون واصدرت المحكمة الدستورية العليا امرا بتعلىقه مؤقتا.

ولعل اهم صور انتهاك حقوق النساء في السودان، وفي دارفور على وجة الخصوص، هي الاغتصاب والخطف الذي ترتكبه عصابات الجنجويد المدعومة من النظام والتي تغير على القبائل الافريقية وايضا عناصر النظام السوداني نفسه كما جاء في تقرير الامم المتحدة في 14 أغسطس 2004. واتهم التقرير الشرطة السودانية المكلفة بإعادة النظام في دارفور بغرب البلاد بارتكاب تجاوزات جنسية في حق نساء في مخيمات النازحين وقد ادي نشر هذا التقرير إلى دفع النظام السوداني لفتح تحقيق في هذا الموضوع وشكلت الحكومة السودانية لجان للتحقيق في دعاوي الاغتصاب وكذلك كافة الادعاءات المتعلقة بانتهاك حقوق المرأة في اقليم دارفور المضطرب، وضمت كل لجنة في عضويتها 3 نساء ً.وتوجد عدة جماعات نسائية تنشط في جنوب السودان وشماله واهمها التحالف النسائي الديمقراطي.

وبالنسبة لحقوق الطفل فقد أصدر عثمان يوسف كير وإلى ولاية شمال دارفور في الثاني من سبتمبرقرارا يقضي بالعفو عن جميع الاطفال المتورطين في اعمال الجماعات المسلحة بدارفور، الذين يقومون بتسليم انفسهم طوعا إلى السلطات المختصة والاعلان عن برامج لاستيعابهم مرة أخرى في المجتمع.كما قام النظام السوداني في 8 اكتوبر بخطوة ايجابية أخرى تمثلت في التوقيع على اتفاقيتين لحقوق الطفل تهدفان إلى تعزيز حماية الطفل من التجنيد في القوات المسلحة والاستغلال الجنسي الا ان صندوق الأمم المتحدة لرعاية الأطفال (إلىونيسيف) صرح بأنه قلق جدا بشأن وضع مئات آلاف الأطفال المشردين في إقليم دارفور غرب السودان، الذين يواجهون خطر الأمراض والاستغلال ونقص الغذاء خاصة بعد الهجوم المتتإلى الذي تقوم به ميلشيات الجنجويد على قري دارفور واخره الهجوم على قرية الطويله الذي تم فيه اغتصاب 100 سيدة واختطاف 150 سيدة وطفل أخرىن وهو ما دفع موكيش كابيلا منسق الامم المتحدة الخاص بالسودان إلى ان يصف الوضع الذي يحيط بالنساء والاطفال في دارفور بأنه اسوأ من اي مكان آخر في العالم.

المهمشين :
تعتبر التركيبة الديموغرافية للسودان من اكثر التركيبات تنوعا في العالم، فالسودان يحتوي على 597 تجمع قبلي يتكلم 150 لغة مختلفة، والمنطقتين الرئيسيتين في السودان اللتين تعانيان من التهميش والتمييز والاهمال من جانب الحكومة المركزية هما الجنوبيون والدارفوريون في الغرب.
أ – الجنوبيون: حيث يضم جنوب السودان ثلاث مجموعات سلإلىة رئيسية هي النيليون وينتمي إلى هذه المجموعة ثلاث قبائل اهمهم قبيلة الدينكا ويقدرعددها بنحو 3 ملايين نسمة، ويعرف المركب الإثني والثقافي الذي تنتمي إليه الدينكا بمجموعة الشعوب الناطقة باللو والممتدة في أقإلىم شرق أفريقيا والنيليون الحاميون ويشتركون مع المجموعة النيلية في كثير من السمات السلإلىة واللغوية وفي نمط الحياة الاقتصادية، والمجموعة السودانية وهي مجموعة القبائل التي تقع غرب النيل وقرب الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للسودان.
وقد حاولت الحكومة المركزية تعريب الاقليات العرقية الافريقية واسلمتها وادي ذلك إلى ظهور المقاومة في الجنوب. ومنذ ذلك الحين ولمدة 47 عاما دخل جنوب السودان في حرب مستمرة تخللها بعض فترات الهدنة مع الحكومة المركزية في الخرطوم الا ان الوساطة والضغط الدوليين خلال السنتين الماضيتين أديا في نهاية 2004 إلى توقيع اتفاق نهائي بين الطرفين يعطي للجنوب قدرا كافيا من الاستقلإلىة في ادارة شئونه كما ان البرتكول المبدئي تضمن الاتفاق على توزيع الثروة بين الشمال والجنوب الا ان اهم بنود الاتفاقية تتعلق بكيفية اقتسام السلطة ونص الاتفاق على حق الاقإلىم المختلفة ان تختار لغتها المحلية بجانب العربية والانجليزية لتصبح لتصبح لغة التعليم والتخاطب الرسمي في الدواوين الحكومية. هذا إلى جانب حسم قضية تطبيق الشريعة في العاصمة حيث تم الاتفاق على ان القضاء والمحاكم يجب أن تراعي مبادئ الشريعة في التعامل مع غير المسلمين مع عدم تطبيق الحدود عليهم كما نص الاتفاق على إنشاء مفوضية خاصة من جانب الحكومة المركزية لحماية حقوق غير المسلمين وعدم تأثرهم بقوانين الشريعة.

ب- دارفور : وتنقسم القبائل في دارفور إلى مجموعات القبائل المستقرة في المناطق الريفية مثل: "الفور" و"المسإلىت" و"الزغاوة"، وغالبية هذه القبائل افارقة، ومجموعات القبائل الرحل" التي تتنقل من مكان لآخر، ووفدت للمنطقة مثل: "بني حسين" و"الرزيقات"،وغالبيتهم عرب.وغالبية سكان دارفور مسلمون "سنّة".

ويعاني أهل دارفور من نفس معاناة الجنوبيون والتي تتمثل في التهميش والاهمال من جانب الحكومة المركزية وقد ساهمت الظروف المناخية في ازدياد الامر سوءا وذلك لانها ادت إلى تصحر وتدمير الثروة الحيوانية لديهم. ولم تتوقف الحكومات المتتابعة في السودان منذ الاستقلال عن حملات التعريب والاسلمة، وقد ادي اضطهاد الحكومة بجانب سوء الاحوال المعيشية إلى انفجار ثورة القبائل في اقليم دارفور والتي ردت الحكومة عليها بشن حملة عسكرية تهدف إلى قمع تلك الثورة وارتكبت الحكومة بجانب ميلشيا الجنجويد التابعة لها الكثير من جرائم الابادة العرقية وسلب ونهب القري وادي ذلك الصراع إلى تهجير اكثر من 600000 شخص ومرة أخرى تدخل المجتمع الدولي لاجبار حكومة السودان على وقف انتهاكات حقوق الإنسان والمذابح الجماعية هناك.

وقد وقعت حكومة الخرطوم في نوفمبر 2004 اتفاقيتين مع متمردي إقليم دارفور تتعلق بالأوضاع الأمنية والإنسانية في الإقليم، ولكن على الرغم من احراز هذا التقدم التفاوضي الا انه لم ينطو على حل شامل وطويل المدي لأزمة دارفور، ولم يعرف مدي استجابة الحكومة السوداني لمطالب المتمردين، ومن أهمها فصل الدين عن الدولة و"فدرإلىة حقيقية وليست شكلية، وتخصيص جزء من عائدات النفط من أجل تعويض ضحايا النزاع في دارفور".

7- الحرية الدينية
الإسلام هو الدين الرسمي للدولة كما ينص الدستور على ان تسن جميع القوانين من وحي الشريعة الإسلامية ويشكل المسلمون السنة 75% من عدد السكان ويتركز معظمهم في الشمال وباقي السكان مسيحيون او وثنيون ويتركز معظمهم في الجنوب، وعلى الرغم من أن الدستور ينص على حرية الاعتقاد الا ان الحكومة ما زالت تقيد ذلك الحق على ارض الواقع وتفرض الكثير من القيود على غير المسلمين وعلى حقهم في ممارسة شعائرهم وتطالب الحكومة الجماعات الدينية بتسجيل نفسها حتى يتم السماح قانونا لها بممارسة شعائرها الامر الذي مكن الحكومة من التمييز ضد هذه الأقليات الدينية عن طريق حجب تسجيل بعض الجماعات المسيحية او الجمعيات الأخرى غير المسلمة، وفي الوقت الذي تحصل فيه المساجد على الترخيص ببنائها بسهولة يصعب بناء كنائس جديدة بالاضافة إلى ذلك تعاني المراكز والمدارس المسيحية من تحرش مستمر من قبل الميلشيات المسلمة الموإلىة للدولة وبالرغم من ان الحكومة مسلمة الا انها تفرض قيودا على حرية الاعتقاد بالنسبة لجماعات إسلامية معينة الذين تربطهم علاقة بالمعارضة.


تلخيص وتعليق ختامي
شهد عام 2004 تحسنا كبيرا في مسألة الجنوب في السودان، ففي 19/11/2004 وقعت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة بزعامة جون جارانج على مذكرة تفاهم تعهدان فيها بتوقيع اتفاق سلام بحلول 31/12/2004 لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة بينهما.كما وقعت حكومة الخرطوم في نوفمبر الماضي اتفاقيتين مع متمردي أقليم دارفور تتعلق بالأوضاع الأمنية والإنسانية في الأقليم، ولكن على الرغم من إحراز هذا التقدم التفاوضي إلا أنه لم ير التنفيذ الجدي على أرض الواقع،كما أنه لم يعرف مدي استجابة الحكومة السودانية لقائمة مطالب المتمردين،ومن ضمنها فصل الدين عن الدولة،وفدرإلىة حقيقية،وتخصيص جزء من عائدات النفط لتعويض ضحايا النزاع في دارفور. ولكن الضغظ الأمريكي والاهتمام العالمي المتزايد بحل أزمة الجنوب وما تلاها من أزمة دارفور في الغرب يعطي قضية الأقليات بعدا تفاؤليا واسعا، يمكن من تحرك سريع لإنهاء حالة الأزمة التي تعيشها الحالة السودانية على مر الأربعة عقود الماضية. والتي صعبت من حدوث أية عمليات للتحول الديمقراطي في مختلف أصعدته.

ولكن مازالت حالة الانقسام بين أهل السلطة في السودان تمثل أهم عقبات التحول الديمقراطي بعد حالة الأقليات، وقد شهد عام 2004 نماذج من هذه الحالات، فلازال الترابي محتجزا رغم اعلان براءته، وقام رئيس الجمهورية السوداني بعزل نائب الرئيس. وبلا شك فإن أهم تداعيات الحل السلمي لمشكلة الجنوب هي ايقاف هذا الانقسام وفتح المجال أمام انتخابات تشريعية حقيقية يشارك فيها كافة طوائف الشعب السوداني.