أحمد نجيم من مراكش: لبست مدينة مراكش نهاية السنة لبوسا جديدا، فتحولت إلى عاصمة للأنوار، إذ غذت أشجارها كثيرة العدد مضاءة وشوارعها غاصة بالسياح نظيفة. استطاعت هذه المدينة الساحرة أن تستقطب طيلة ثلاثة أيام ما يزيد عن الستين ألف سائح لقضاء احتفالات السنة الجديدة. زوار يستهويهم ذلك الفضاء الجميل الذي اختاره قبل عشرة قرون يوسف ابن تاشفين كي تكون عاصمة المرابطين.
غير أن تلك المدينة التي شهدت مجدها على يد المرابطين ستترك ضريح المؤسس عرضة للضياع.
في مدينة تحيى حياة متجددة يوميا، يقبع مؤسسها يوسف ابن تاشفين في "ضريحه" قرب محطة الحافلات "سيدي ميمون" ومحطة بنزين باسمه. قبر مجهول في مكان وضيع لا يليق بقيمته "عمري 22 سنة ولم يسبق لي أن زرته، بل لا علم لي بمكان دفنه" تقول طالبة بلكنة مراكشية فيها نبرة لوم لمسؤولي المدينة.


الطريق إلى ابن تاشفين
"أعمل سائق طاكسي منذ 1990، ولم يسبق لزبون أن طلب مني إيصاله إلى قبر ابن تاشفين" يجيب سيد في الأربعين من عمره وكأن السؤال على ضريحه فاجأه، وتضيف بنبرة أسى "إن الضريح مهمش ومجهول في بلده، مهمش من قبل المدينة بتغييبه عن علامات المواقع المهمة في المدينة، ولم يحض قبره بذلك إلا أخيرا، ومع ذلك تبقى علامة غير واضحة".
أما التغييب الثاني فيهم، حسب السائق، الدليل السياحي، إذ لا تخصص له إلا كلمات قصيرة". هذه الكلمات، حسب سائحة فرنسية، تحمل معها دليلا عن المغرب، تقدم ابن تاشفين مؤسسا لمدينة مراكش وللإمبراطورية المرابطية وأن إمبراطوريته بلغت الأندلس من خلال استرجاع بلنسية. كان ذلك في جمل لا تتعدى عشرة أسطر.
يقع ضريح "الغريب في دياره"، كما تصفه المسؤولة عن نظافة الضريح، على بعد أمتار من محطة الحافلات سيدي ميمون. بالمحطة كان علي، ذي الستين سنة ينتظر حافلة تقله إلى إحدى القرى الواقعة غير بعيد عن مراكش. عند سؤاله عن الضريح، الذي يبعد عنه بأقل من عشرة أمتار، يجيبك "أولدي راهم ما عارفينش فين دافنينو، تايكولو شي بلاصة في مراكش، لكن هديك غير هدرة وصافي". ليس علي وحده من لا يعرف ضريح مؤسس مدينة مراكش، بل عدد من سكان المدينة وسياحها.

ضريح مجهول
تقف عائلة أمام الضريح بسيارة كبيرة الحجم، فيفتح الزوج النافذة وتسأل الزوجة، ذات البنية الضخمة بجلابيتها "فين جا عافاك قبر سيدي ميمون" بعد الجواب بعدم المعرفة، تغلق الزجاج وتذهب باحثة عن ضريح وليها سيدي ميمون غير عائبة بمؤسس المدينة. تزامن مغادرتها للضريح تعليق شخص على مقربة من الباب "شفتي راه الناس كع ما مسوقة لواحد بحال ابن تاشفين، شوف غير الباب كيف داير، أما الداخل راه مكرفس أكثر" وأشار بعينيه إلى باب الضريح.

ضريح بباب متهالك وغطاء قديم
باب الضريح خشبي مصبوغ، بلون بني داكن، متهالك في الأجزاء الخشبية قرب المفتاح. حركة دفع قوية قادرة على تكسير مفتاحه البسيط "حاول أشخاص في يوم من الأيام السطو على الرخام، فكسروا الباب وولجوه، ومنذ تلك الفترة ظل الباب الخشبي على حاله" تقول رشيدة المشرفة على الضريح.
السياح المارون أمام الضريح يكتفون بإلقاء نظرة على ما كتب عليه "ضريح يوسف بن تاشفين" بخط وشكل رديئين، توقف اثنان منهم أمام الضريح وأخرجها خارطة المدينة "هل تعرفان صاحب القبر" لا نعرف، ودون أن يكملا قراءة الخارطة غادرا الضريح. كانت الساعة في حدود الحادية عشر و40 دقيقة صباحا. خلال صبيحة ذلك اليوم من أيام الأحد أرجأ شيخ يقعد في عربة، أو كروسته، جانب محطة البنزين التي تحمل اسم مؤسس مراكش "هادي ثلاثة أيام وهي سادة الباب" أجاب الشيخ، 73 سنة، ثم أن يضيف بعد أن استرد أنفاسه "راه ما تايجي عندها حد لاش غادية تفتح كع".
مع مرور الوقت ارتفعت درجة الحرارة ومعها حركة السير في المدينة، فتوقفت سيدة دون الأربعين سنة على الباب الصغير والضيق للضريح وأنزلت سروال طفلها الصغير لتركه يتبول على يسار الباب، بعد أن انتهى أعادت السروال إلى وضعه الأول وغادرت تاركة بقعة بولية وقشور الليمون "بركة" ب"مول البلاد"، حسب الشيخ.

الضريح رخام مكسر مهدى من محمد الخامس وأغطية قديمة
يتخذ ضريح مؤسس المدينة في القرن الحادي عشر ميلادي فضاءا صغيرا لا يليق حتى بولي صالح في منطقة نائية. بناية مغطاة بخشب ومفتوحة في جهتها اليمنى. القبر مضبوغ بطلاء أبيض "لم يصبغ منذ مدة، تقول راعيته رشيدة. فوق القبر ثلاثة أغطية آخرها عمرها ثلاث سنوات، وهي هدية من محسن من "مول زاوية القصور". الأرضية مزينة بزليج أبيض وأسود تتوسطها حفر مغطاة بالإسمنت "إننا نعتمد على ما تجود به يد المحسنين". للضريح نافذتان محاطتان بسياج حديدي، واحدة أضيف إليها رداء أخضر أضحى مزينا ب"بزق الحمام".
أما على رأس الضريح، فأهدى الملك الراحل محمد الخامس قطعتين من الرخام تقدم لمؤسس المدينة. حتى تلك الرخامات لم تسلم، إذ تسلل أشخاص قبل سنوات إلى الضريح وحاولوا سرقة الرخام، فلم يفلحوا سوى في تكسير جزء سفلي منها، غادر السارقون وظلت تلك الرخامة مكسرة إلى اليوم.
بالفضاء المفتوح وضعت جرات ماء "لا وجود للماء أو الكهرباء، وأحتاجها لتخزين الماء" ومكنسات متهالكة.
المورد الاساسي لرشيدة وأمها، الحفيظة السابقة للضريح، هو أعطيات زوار "مول البلاد". فهو حسب رشيدة "بحال بونا وخونا" لأنه "هو اللي يوكلنا ويشربنا". في المقابل تشرف رشيدة على تنظيف القبر والقيام بإصلاحات بسيطة.

الدخل لا يتعدى ثلاثة دراهم
"أحيانا لا يتعدى دخل الضريح ثلاثة دراهم، وفي أسوأ الحالات أمكث طيلة اليوم دون أن يزوره أحد" تقول رشيدة، وتعزو ذلك إلى "غياب شبه تام إشارات تدل الزائر عليه واعتماد الإشارات القليلة على وصف القبر ب"الضريح"، مثل جميع أضرحة الأولياء الصالحين".
لا يؤدي الزائر، على عكس مآثر أخرى، مقابلا لدخول الضريح، والمدخول الوحيد للاهتمام به وبالعائلة المشرفة عليه هو أريحية الزوار.
تنشط زيارة الضريح خلال شهر رمضان، حسب رشيدة، إذ يصل دخل الضريح قرابة 30 درهما يوميا. ترفض رشيدة تقديم أرقام عن عدد الزوار وتفضل، بعد ابتسامة ماكرة أحيانا، ما قدمته جيوب هؤلاء الزوار. وحسب الحفيظة، فإن الزوار الأجانب نادرا ما يلجون باب ضريح يوسف بن تاشفين.هو غريب في دياره ونحن غرباء في الحياة. كانت الساعة الحادية عشر وأربعين دقيقة، طيلة صبيحة يوم الاثنين لم تستقبل رشيدة شخصا واحدا، ركبت دراجتها النارية ثم أغلقت الباب تاركة "غريب دياره" وحيدا مهمشا عرضة للسرقة.
الصحراء المغربية.