القاهرة: هذه إحدى أبرز وأهم تجليات العولمة، حين تذوب الحدود وتتسلل رغما عن أنوف الجميع الريح والأمطار وأسراب الطيور التي لا تتوقف في المطارات ولا الموانئ، ولا تقيم لحراس quot;الخصوصيةquot; أي حسابات، لأن الأمر بات يتعلق بحياة البشرية، بل بالحياة بمجمل مكوناتها، فالتهديد أصبح يطال الجميع، وليست هناك ثمة خيارات سوى أن تتكاتف البشرية على تعدد أممها وتنوع شعوبها وثقافاتها وعلى امتداد كافة بلدانها، لمواجهة هذا الخطر المحدق، والذي نتج من الجرائم التي ارتكبتها البشرية بحق البيئة، خاصة منذ الثورة الصناعية في الغرب، الذي تنبه وينبه لخطر كارثة بينما كان هو السبب الرئيس في حدوثها.
أما المثير للسخرية هنا فهو أن الضحايا لا ينتبهون لحجم ما سيدفعونه من خسائر، وما سيتكبده أبناؤهم وأحفادهم من فواتير ثقيلة نتيجة أخطاء فادحة ارتكبها آخرون، يأتون الآن ليعترفوا بجرمهم، ويناقشوا سبل تداركه وتصويبه، بينما الضحايا غافلون تماماً، يحتربون في ما بينهم على خلافات تاريخية لن تحسم قبل أن يرث الله الأرض ومن عليها، أو في صناعة سلسلة المؤامرات التي لا تنتهي أيضاً.
وحتى تتضح ملامح الصورة أكثر، ولنكتشف حجم المشكلة، تلزم الإشارة إلى أن quot;قمة كوبنهاغنquot; التي التأمت مؤخراً أقرت أول مسوّدة اتفاق عالمي لمواجهة التغيّر المناخي، وأكدت فيها سقف ارتفاع حرارة سطح الأرض، كما أعلن الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدة مناخية بقيمة 7.2 مليارات يورو للدول الأكثر فقراً في العالم لمواجهة هذه المشكلة.
وخلال العقود الماضية أصبح سؤال البيئة أكثر إلحاحاً على كافة دول العالم، لسبب بسيط أنه يرتبط برؤية كونية ولا يمكن كغيره من الملفات أن ينظر إليه على نحو محلي أو إقليمي، فمثلاً حرائق قش الأرز الموسمية في مصر يمكن أن تؤذي سكاناً يعيشون عند سقف العالم في شمال النرويج أو آلاسكا وحالة التردي في الشرق الأوسط يبدو أنها لا تتوقف عند حدود السياسة والاقتصاد فحسب، بل وربما هذا هو الأخطر في الأمر أن يمتد الأمر لحد تشكيل مخاطر على الوجود الإنساني برمته، كما هو الحال في شؤون تتعلق بالبيئة العالمية عموماً.
الوعي البيئي
من هنا جاء سؤال استفتاء (إيلاف) هذا الأسبوع على قرائها الأعزاء عما إذا كان السبب الرئيس لإهمال العرب قضيَّة تغيّر المناخ، يرجع إلى تدني الوعي البيئي، أم إلى نقص التمويل المالي، أو أن الأمر يرتبط بالافتقار للإرادة السياسية في هذا المضمار شأن غيرها من القضايا السياسية الأخرى كإقامة أنظمة ديمقراطية تتمتع بالشفافية ، وتقبل بالتداول السلمي على السلطة في ظل ما بات يعرف اصطلاحاً في أدبيات السياسة بتعبير quot;الحكم الرشيدquot;.
واتضح بجلاء من نتائج هذا الاستفتاء أن غالبية حاسمة بلغت 72.93% رأت أن السبب الرئيس في الإهمال العربي يرجع إلى تدني الوعي البيئي، بينما رأت نسبة أخرى قدرها 24.01% الافتقار للإرادة السياسيَّة هو السبب الرئيس لهذه الغيبوبة العربية في التعاطي مع قضية quot;تغير المناخquot; فيما انحصرت نسبة الذين صوتوا لصالح نقص التمويل المالي في رقم متواضع لا يتجاوز 3.06%، إذ إن منطقة الشرق الأوسط تعد من أكثر دول العالم ثراء.
وهناك عدة تعريفات علمية لمصطلح الوعي البيئي، إلا أن المقصود به يتمثل ببساطة في استشعار أهمية سلامة البيئة لحياة الإنسان، حيث تأتي أهمية هذا الوعي انطلاقًا من كون حماية البيئة من أنواع التلوث المختلفة لا يمكن أن تتحقق بمجرد اتخاذ بعض التدابير الوقائية أو العلاجية من قبل المسؤولين فقط، وإنما لا بد من ترسيخها لدى كافة الأفراد في جميع المجتمعات الإنسانية، حتى يتم تفعيل هذا المفهوم والعمل به في شتى الأنشطة الحياتية في كل مكان.
وبالعودة إلى quot;مسوّدة كوبنهاغنquot; التي ستكون أساساً لمناقشات تجري بشأن مسألة البيئة، منا ستكون أيضاً موضع مفاوضات معمقة بين الوزراء ومن ثم رؤساء الدول والحكومات، وهنا تجدر الإشارة إلى هذه المسوّدة وضعتها مجموعة تعمل برعاية معاهدة الأمم المتحدة بشأن التغيّر المناخي، ويقودها المالطي quot;زاميت كوتاغارquot;، ويدعو النص الدول الصناعية إلى البدء بالمرحلة الثانية من تعهدات بروتوكول كيوتو للفترة الممتدة بين 2013 و2020، مستجيباً بذلك وبقوة لمطالب الدول النامية .
مستقبل الأرض
quot;أصبح مستقبل كوكب الأرض والبشرية خلال العقود المقبلة مهددا بتحديات ومفاجآت غير مسبوقةquot;.. هذا ما أعلنه تقرير علمي صدر أخيراً عن الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم، وحضرته مجموعة من أبرز العلماء الذين يرون أن التطورات المتسارعة والتوسع الهائل في الصناعات، ستكون له انعكاساته الهائلة على نمط وأساليب الحياة برمتها، وسوف تؤدي إلى تغييرات مفاجئة وتحولات متلاحقة لا تنتهي، وتنذر بمخاطر على العالم بأسره.
وفي دراسة رصينة له، يرى الدكتور صالح علي أبو عرّاد، الباحث السعودي المتخصص في شؤون البيئة أن تحقق الوعي البيئي عند الإنسان كفيل بجعله ينظر إلى البيئة نظرة سلمية، واعتبارها من المخلوقات التي سخرها الله لنفعه وتوفير متطلبات حياته، لاسيما أنه منذ أن خلق الله تعالى الإنسان، وهو دائم البحث في البيئة التي يعيش بين جنباتها عن مختلف المتطلبات والحاجات التي تلزمه لتحقيق عملية نموه فيها وتكيفه معها، مستخدمًا في ذلك كل ما توافر له من المعارف، والمهارات، والخبرات التي وهبها له الخالق، فهو بذلك يتعايش معها ومع مكوناتها ولا يتصارع معها أو يعاديهاquot;.
ومضى قائلاً quot;إن الوعي البيئي مطلب مهم وضروري على جميع المستويات، وعلى الرغم من وضوح ذلك للمسؤولين عن البيئة في الغالب؛ إلا أنه غائب عن أذهان الكثير من أبناء المجتمع الذين لا بد من تعريفهم به، وتربيتهم عليهquot;.
وفي افتتاحيتها الثلاثاء الماضي، وتحت عنوان quot;كوبنهاغن ووكالة حماية البيئة والتغير المناخي: حركة أوباما الخاطئةquot;، استنتجت صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; أن السجال الدائر في واشنطن هذه الأيام حول التغير المناخي لا يقتصر على ما إذا كانت أميركا ستتحرك للحد من انبعاثات الكربون، بل يتعلق أيضاً بحصة الولايات المتحدة من الأعباء الناجمة عن التغير المناخي، وربما هذا هو السبب الذي يثير مشكلات حول وكالة حماية البيئة الأميركية التي تتعامل مع الغازات المسببة للاحتباس الحراري كتهديد للصحة.
وربطت الوكالة بين الصحة العامة والغازات المسببة للاحتباس الحراري، فهذه الخطوة تشوه أغراض قانون صدر عام 1970 وهو ما يعرف أميركياً باسم quot;قانون الهواء النظيفquot;، والذي يجعل السلطة التنفيذية ـ وليس الكونغرس ـ هي الجهة المسؤولة عن تحديد هوية ملوثي البيئة ومن ثم تحميلهم التكلفةquot;، كما قالت الصحيفة الأميركية في افتتاحيتها.