للتعليم دور كبير تطوير المجتمعات، ان ايجابيا، الى الأمام، او سلباً. ويمكن القول ان مناهج التعليم في غالبية الدول العربية والإسلامية تتصف بهوس التلقين وتقديس الماضي. إن التلقينية لا تربي الطالب بروح التدقيق والتحميص وتشجيع التفكير المستقل. ولذلك أيضا نجد غياب تدريس الفلسفة في اغلب الحالات، حيث ان الفلسفة، بمدارسها المتشعبة وتياراتها تشجع النزعة الانتقادية، ورفض المسلمات الجامدة، والاعتقاد بأن الحقيقة مطلقة مع أنها نسبية. في منتصف الأربعينيات ولاحقا نشطت في مصر حركة تأليف وترجمة واسعة في الفلسفة ونذكر مثلا كتب عبد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود وآخرين وقبل ذلك كان لطفي السيد قد انصرف الى العناية بالتراث الفلسفي الإغريقي، دراسة ونشراً وترجمة وصدرت في الغرب و تصدر كتب كثيرة لتبسيط قراءة وتدريس الفلسفة، واذكر منها كتابا للناشئة في صيغة رواية بعنوان (عالم صوفي) للمؤلف جوستان غارنر، وهو تبسيط لتاريخ الفلسفة، وقد ترجم للعربية في التسعينات.

في دروس التاريخ العربي ثمة ما يشبه عبادة الماضي بكل ما فيه، دون تمييز بين ما كان مشرقاً وما كان مظلماً. ولا ندري ما هي مكانة المعتزلة والمعري وابن رشد في مناهج التعليم العربية. ولتعليم البنات إشكالياتها الخاصة، ونعلم ان هذا التعليم كان (مثلاً في العراق) محرماً حتى أواخر القرن التاسع عشر. وقد امتدت يد الغدر الى الفتاة الباكستانية ملالا لأنها كانت تدعوا الى تعليم الفتيات، وهذا ونحن في أواخر القرن الحادي والعشرين، واذكر صدور كتاب في السعودية قبل سنوات بعنوان (اختطاف التعليم في السعودية) ويدور حول التأثير الهدام للتزمت الديني في مناهج الدراسة الابتدائية. وقبل ذلك نشرت ايلاف دراسة لكاتب مصري عن كتاب القراءة للصفوف الدنيا في مصر. وكان ذلك في عهد مبارك. وتبين لنا الدراسة صفحة صفحة، موضوعا موضوعا، تاثير فلسفة وأفكار الإخوان المسلمين في الكتاب، حيث إيراد الآيات في كل موضوع بطريقة مفتعلة، وحتى في موضوع كموضوع السياحة والتركيز على الصفوف الدنيا يشير الى ان التيارات السلبية تعرف ان ما يدرسه التلميذ صغيراً هو الأبقى في ذاكرته ووجدانه. والكتاب المصري كان يتجاهل وجود ملاين الأقباط في مصر...

ويستغل المتطرفون الإسلاميون المدارس الإسلامية وكثرة من الجمعيات الإسلامية (الموجودة في كل مكان) ويعملون على تأجيج مشاعر التزمت والتطرف وكراهية الآخر وتسويغ العنف. ومسألة مهمة أخرى دور التدريب المهني والفني، وهو دور يتصاعد في العالم لا سيما لمواجهة أزمات البطالة المتزايدة بسبب ان أعمالا ووظائف كثيرة راحت تدار آليا بسبب التطور التكنولوجي، وإجمالا فان التعليم السليم هو الذي يعمل على تخريج شبان مؤهلين، يشعرون بروح المواطنة ويرفضون العنف والكراهية والتمييز والفساد، شبان يكونون مواطنين صالحين في خدمة الشعب والوطن. والمتعلم الحقيقي ليس هو الذي يحسن القراءة والكتابة وحسب، بل الذي له، فوق ذلك، ثقافة عامة نسبية منفتحة على الثقافات العالمية.