لمعرفة اسباب إنتكاسة 16 تشرين الاول2017، ولفهم الاحداث وأسباب الهزيمة وردود الافعال الداخلية والإقليمية والدولية التي أعقبت إستفتاء جنوب كوردستان، المتمثلة برفض نتائج الإستفتاء ومعاقبة أبناء الشعب الكوردستاني، وفرض الحصار الجوي والبري والاقتصادي والعسكري عليهم، لابد ان نراجع و نقرأ صفحات من نضال الامة الكوردية المليئة بالثورات والانتفاضات والخيانات والمؤامرات (الدولية والإقليمية والداخلية لإجهاض الحلم الكوردي بدولة مستقلة) على مر التاريخ، بموضوعية وعقلية حيادية تامة ولو بشكل مختصر. 
بداية لابد ان نقول، إن ردود الأفعال العراقية والإقليمية والدولية ضد إستفتاء كوردستان لم تكن جديدة ومفاجئة، بل كانت متوقعة جدا وهي إدامة لما حدث من عدوان وقتل واضظهاد وانفال ومجازر ومسالخ التي اُرتكبت بحق كوردستان وشعبها على مر التاريخ ( بحجة محاربة الانفصاليين والمتمردين على الدستور الذي لم يطبق بنوده يوما في ظل انظمة الدول الإستبدادية التي تضم أجزاء كوردستان). 
وهكذا كما يبدو اليوم ان التاريخ يعيد نفسه، ولكن على شكل مهزلة، فحكام امريكا يفعلون اليوم ما فعل المستعمرون على مر التاريخ في منطقة الشرق الاوسط قبل وخلال الحروب العالمية، لكي يقولوا للشعوب المنطقة وللشعب الكوردستاني تحديدا: انكم مهددون ابدا من قبل جيرانكم وان وجودنا في المنطقة أمر ضروري (لحمايتكم من الإبادة الجماعية )، بالضبط كما فعلنا في عام 1991 وفرضنا حمايتنا على المناطق الواقعة شمال الخط ( 36 ) واعلنا عن منطقة ( ملاذ امن) وفرضنا تلك المنطقة المحمية دوليا (كأمر واقع)، واعلنا منع الطيران الصدامي الحربي من التحليق فوق تلك المناطق للتصدي لأي عدوان على سيادة محافظاتكم الثلاثة (اربيل، السليمانية ودهوك). 
نعم، عندما نُقلب صفحات تاريخنا الداميّ، يتضح لنا الدور الذي قامت به الحكومات العراقية المتعاقبة والدول الإقليمية والعالمية تحت (يافطة الديمقراطية ) في محاربة تحرر أبناء الأمة الكوردية بشتى الوسائل، أذن لابد ان نقر ونقول: بان من الخطأ، او بالاحرى ليس من العدل والإنصاف إطلاقاً أن نقارن إقليم كوردستان او أي جزء من اجزاء كوردستان الاخرى، باقاليم دول العالم والتي طالبت وناضلت من اجل الإسقلال وحق تقرير المصير.
يعرف الجميع إن اقليم كوردستان يتكون من ذلك الجزء من كوردستان الواقع في حدود (العراق) الذي تكون بعد الحرب العالمية الاولى، وهو إقليم يقع شمال العراق ويتمتع بحكم ذاتي تحده (ايران من الشرق ) و (تركيا في الشمال )، و(سوريا إلى الغرب ) و(بقية مناطق العراق إلى الجنوب )، وعلى هذا الاساس تدفع كوردستان منذ الازل ثمن لعنة الجغرافيا ولعنة المؤامرات الدولية واطماع الدول الكولونيالية الإقليمية التوسعية، والتي لاتزال تقف بوجه إستقلالها وتطارد شعبها وتعطل أي مشروع قد يصب في اتجاه الإستقلال وانشاء دولة كوردية او كوردستانية في أي جزء من اجزاء كوردستان.
بعد نكسة 16تشرين الاول 2017، تراجعت حكومة الإقليم خلال يومين عن ما يعادل 50 في المئة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها قبل منتصف اكتوبر 2017 والتي سيطرت عليها عقب انسحاب الجيش العراقي أمام اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث انسحبت قوات البيشمركه من مواقعها دون أي اشتباكات، ماعدا في بعض المناطق منها: ( مدينة كركوك و التي تعتبر أغنى محافظات البلاد نفطياً وقضاء طوز خورماتوو التابع لمحافظة صلاح الدين والتون كوبري ) والتي ندلعت فيها اشتباكات بين قوات البيشمركة وقوات الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي المدعوم من ايران وتركيا وبمباركة قوات التحالف. 
تراجعت القوات البيشمركة بعد اشتباكات محدودة جدا مع الجيش العراقي والحشد الشعبي، إلى ما يعرف بالخط الأزرق أي (حدود إقليم كوردستان قبل 9 ابريل 2003 )، وبدأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في تطبيق خطوات سريعة وحاسمة لتحجيم صلاحيات الإقليم ( من جميع النواحي )، وإعادة السيطرة على المعابر الحدودية و على حقول النفط ومحطات الضخ في كركوك تحيدا،وتم السيطرة على أغلب المناطق المتنازعة عليها بما فيها مدينة كركوك وضواحيها في (عملية عسكرية سرية ) متفق عليها بين (الاتحاد الوطني الكوردستاني ( جناح الطالباني )، وهادي العامري الملقب بـ( أبو حسن العامري ) القيادي في الحشد الشعبي وزعيم (منظمة بدر) وباشراف إيران بشكل مباشر عبر قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني (الجنرال الحاج قاسم سليماني) والتي عُرفت العملية اعلاميا وشعبيا باسم ( عملية العدوان الثلاثي) على كوردستان وبمباركة الدول التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكة، وان تصريح العقيد (راين ديلون) المتحدث الرسمي باسم غرفة العمليات المشتركة في التحالف الدولي للقضاء على (داعش) في العراق وسورية في يوم الاربعاء18 اكتوبر 2017 والذي قال: (إن ما حدث في كركوك هو إعادة انتشار طبيعية للقوات العراقية والشرطة الاتحادية) كان بمثابة اعطاء الضوء الاخضر من قبل التحالف لرئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، باستخدام القوة من اجل السيطرة على محافظة (كركوك وشنكال وطوزخورماتو وداقوق وتلعفر وربيعة غرب الموصل )وجميع المناطق المتنازعة عليها والتي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة، بعد تمادي البارزاني ورفضه لمقترح الدول التحالف بتأجيل موعد الإستفتاء الى اشعار اخر. 
بعد نكسة 16 تشرين الاول 2017، والتي ادت الى الانشقاق والخلاف الواضح في الموقف الكوردي ( السياسي والعسكري)، خيّمت من جديد سحابة سوداء قاتمة من الاحباط والانكسار واليأس على الكوردستانيين، بعد ان مُنيت محاولاتهم السابقة لتشكيل دولة كوردية مستقلة بالفشل جراء اتباع سياسة المراوغة والكيل بالمكايل والخداع وتراجع الدول العظمى والإقليمية من وعوداتهم ومعاهداتهم والغاء جميع المواثيق التي وقعوا عليها بعد معركة ( جالديران ) عام ( 1514 م )، تلك المعركة التي وقعت بين الدولتين ( الصفوية والعثمانية) و انتهت بانتصار القوات العثمانية واحتلالها مدينة (تبريز)عاصمة الدولة الصفوية واستلائها على مناطق كثيرة اخرى منها جزء من ( ارض الكورد موطن الكورد كوردستان )، ونتيجة لهذه الحرب، تجزأت أرض كوردستان لأول مرة في التاريخ وقُسمت بين العثمانيين والصفويين.
وبعد معركة ( جالديران )، وفي عام (1555م) عقدت الدولتان (الصفوية والعثمانية )معاهدة ثنائية عرفت بـمعاهدة (أماسيا )، وهي أول معاهدة رسمية بين الدولتين ( العثمانية والصفوية ) والتي تم بموجبها تعيين الحدود بينهما، وتقسيم كوردستان رسميا.
واستكمالاَ لمعاهدة (أماسيا ) جاءت اتفافية (قصر شرين) والتي عقدت بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية في عام 1639، بعد ان توقفت الحرب التي استمرت بين الجانبين لاكثر من (150 )عاماً من الحروب المتقطعة، وكان من أهم بنودها رسم الحدود بين الجانبين، فتم الاتفاق على أن تكون (يريفان من نصيب الدولة الصفوية)، وجميع بلاد ما بين النهرين (بما في ذلك بغداد) للعثمانيين.. 
ومن الجدير بالذكر، ان الدولتان ( الصفوية والعثمانية ) وقعت على ما لا يقل عن 18 معاهدة تتعلق بخلافات حدودية وذلك مابين عام 1555 و عام 1918، والتي كرست تقسيم المنطقة بشكل عام وكوردستان بشكل خاص وكبلت شعبها بسلاسل لا يمكن الفكاك منها بسهولة، على سبيل المثال معاهدة (أرضروم الأولى عام 1823م) ومعاهدة (أرضروم الثانية عام 1847 م )، مرورا بإتفاقية (طهران عام 1011 )، واتفاقية تخطيط الحدود عام 1913 )، وصولأ إلى اتفاقية (سايكس بيكو سازانوف، عام 1916 ) والتي جاءت نتيجة محادثات دارت بين ممثل بريطانيا ( سير مارك سايكس) و ممثل فرنسا (مسيو جورج بيكو) وممثل الجانب الروسي (سيرغي سازانوف )، تضمنت الاتفاقية على تقسيم تركة الدولة العثمانية، والقسم الأكبر من كوردستان التي كانت تحت السيطرة العثمانية. 
وفي عام 1923 عقدت في لوزان بسويسرا معاهدة عرفت بـ( لوزان الثانية) بين كل من (تركيا وبريطانيا وفرنسا )والتي ضمنت ( 143 )مادة موزعة على 17 وثيقة ما بين(اتفاقية وميثاق وتصريح وملحق)، وتناولت هذه المواد ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها وفقا للمبادئ (العامة للقانون الدولي)، و(بمعنى ادق، لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها ( وفقأ للمصالح والاطماع التوسعية للدول العظمى والدول الكولونيالية الإقليمية ) من جهة، و لإبطال العمل بـ(معاهدة سيفر والتي تُعرف ايضا بمعاهدة الصلح ) التي وقعت في( 10 اب 1920 في سيفر، بفرنسا )بعد الحرب العالمية الاولى، بين الدولة العثمانية المتمثلة بـ( المؤتمر الوطني الكبير لتركيا الحركة الوطنية التركية ) وقوات الحلفاء المنتصرة ( فرنسا،بريطانيا، إيطاليا ) والتي تضمنت بنودا عدة تم الاتفاق عليها بين الطرفين من جهة ثانية، حيث نصت المادة (62 ) التي خصت القضية الكوردية على مايلي: 
( تشكيل لجنة يكون مقرها (القسطنطينية او قسطنيطنبول )، وتتالف من اعضاء ثلاثة تعينهم الحكومات (البريطانية والفرنسية والإيطالية) لتضع في عضون (ستة اشهر) من التوقيع على المعاهدة المذكورة، مشروعا للحكم الذاتي المحلي للمناطق التي تسكنها غالبية كوردية والواقعة شرق نهر الفرات، وجنوب الحدود الجنوبية لأرمينيا، كما ستقرر فيما بعد،وشمال حدود تركيا مع سوريا، وبلاد ما بين النهرين،و نصت المادة ( 63 ) استكمالا للمادة (62 ) على مايلي: في غضون (سنة واحدة ) من تاريخ التوقيع على المعاهدة، إذا اظهر الشعب الكوردي القاطن ضمن المناطق المحدودة في المادة ( 62 ) إن غالبية سكان تلك المناطق ترغب في الإستقلال عن تركيا، وإذا رأى ( مجلس العصبة ) ان هؤلاء جديرون بهذا الإستقلال، وإذا أوصى بأن تمنح لهم، فعلى تركيا أن توافق على تنفيذ مثل هذه التوصية، وان تتنازل عن كل حقوقها وامتيازاتها في تلك المنطقة ). 
لقد قضت معاهدة (لوزان ) على حلم الدولة الكوردية، بعد ان تعهدت الحكومة التركية في المادة ( 38) ( بمنح جميع سكان تركيا لحماية الكاملة والمطلقة لأرواحهم وحريتهم من غير ( تمييز بالميلاد أو الجنسية أو اللغة أو العنصر أو الدين )وبذالك قضت ( لوزان ) على حلم ولادة الدولة الكوردية حسب البندين( 62 و63 ) من معاهدة ( سيفر ). 
( نتطرق باختصار في الجزء القادم، إلى نضال رجال الدين واندلاع الثورات واقامة الكيانات الكوردية المستقلة، وحجم المؤامرات الدولية والإقليمية والمحلية للقضاء عليها ). 
يتبع 
ــــــــــــــــــــــــ
المصادر: 
1 A HISTORY OF IRAQ – Charles Tripp 
2 كورد وكوردستان للعلامة محمد امين زكي المجلد الاول والثاني والثالث ) مطبعة دار السلام ( بغداد ) 1350 هـ 1931 م 
3 م. س لآزاريف تاريخ كوردستان.
4 الكورد والمسألة الكوردية الدكتور شاكر خصباك منشورات الثقافة الجديدة. 
5 منذر الموصلي، الحياة الحزبية في كوردستان.
6ـ فلاديمير ايليتش أوليانوف لينين، مسائل بناء الاشتراكية والشيوعية في الاتحاد السوفيتي موسكو دار التقدم.
7 كوردستان ودوامة الحرب الدكتور محمد احسان. 
8 سنوات المحنة في كوردستان اهم الحوادث السياسية والعسكرية في كوردستان والعراق من 1958 الى 1980 المحامي شكيب عقراوي.
9 حنا بطاطو العراق، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، الكتاب الاول.
10 لازاريف، المسألة الكوردية (1917-1923)..
11 لقاء الكاتب مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي السابق الراحل ( عزيز محمد ) 2016.
12 ملحق مذكراتي (الشاعر الوطني الكوردي الكبير احمد دلزار الجزء الاول والثاني ).