يلقى موضوع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في السنوات المنصرمة، اهتماماً متزايداً من قبل المهتمين بتنمية وتطوير واقع مساهمة المرأة ودورها في بناء المجتمعات والبلدان، سواء كانوا حكومات أو هيئات رسمية أو فعاليات مجتمع مدني، لكون المرأة عنصرا حيويا وفعالا في إرساء بنية اجتماعية واقتصادية تساعد في تسريع عملية التحولات الكبرى. 

ولقد ركزت الأبحاث والدراسات العلمية وأوراق العمل التي تقدم في المنتديات الإقليمية والدولية، على أن للمرأة دورا أساسيا وحيويا متناميا في المجتمعات قديمها وحديثها، غير أنها للأسف لا تزال لا تحظى بنفس المكانة والحجم في المناصب والمواقع القيادية ذات التأثير، على الرغم من أنها تتمتع بنفس المؤهلات والقدرات التي تمنح الرجال فرص الحصول على هذه المواقع والمراكز القيادية.

وهذه الإشكالية تثير أسئلة عديدة عن ماهية النصوص الدستورية والقانونية الموجودة في أغلب بلدان العالم، والتي تثبت مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وكذلك عن طبيعة المشاركة الحقيقية والتي ينبغي أن تركز في جوهرها على النوعية والكيفية التي تتم بها هذه المشاركة والحضور، بعيدا عن المعالجات الشكلية، من خلال مواقع هامشية كجزء من الدعاية السياسية لتحسين المظهر العام للنظم السياسية في المحافل الدولية، على اعتبار أن تواجد النساء في المناصب الحكومية صار لازمة ضرورية لتكوين الانطباعات الإيجابية الخارجية عن الحكومات والدول، حول قضايا الديمقراطية والمشاركة وحقوق الإنسان. 

ولطالما عرفت المشاركة السياسية للمرأة بأنها تمثل كل الأنشطة والفعاليات والممارسات، التي تقوم بها المرأة كي تشارك أو تؤثر في طريقة وآليات اختيار النخب السياسية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لتحقق القدرة على التأثير في السياسات والقرارات.
وفي هذه المسألة يتجه اغلب الباحثين إلى تقسيم المشاركة السياسية إلى قسمين أساسيين، هما: 

أولاً: المشاركة الرسمية من خلال إدارة السلطة وهيئات الدولة المختلفة، والمشاركون هنا يقومون بأدوارهم بهدف تحقيق استقرار واستمرارية عمل النظام السياسي لتحقيق مطالب المجتمع بشكل عام. 

ثانياً: المشاركة من خارج الأطر والهياكل الرسمية، وتتم من خلال الجمعيات الأهلية والعلمية التخصصية، والتي تسهم في إبراز وجود المرأة في مجالس إدارات الهيئات والمؤسسات الأهلية المختلفة. إن هناك في الواقع اهتماما متعاظما بصورة إيجابية بقضايا المرأة، والسعي الدؤوب نحو إدماجها في عملية التنمية المستدامة، لكي تنخرط في قنوات العمل التقني والإداري والخدماتي، بما يتناسب وارتفاع مستوى التعليم والعناية الصحية وتوفر فرص العمل التي تحميها سلة من القوانين التي تنظم أسواق العمل وحقوق العاملين، إضافة إلى تشريعات متعلقة بالضمان الاجتماعي والحقوق التقاعدية.. كل ذلك يأتي في ظل توقيع الكثير من البلدان العربية على الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1976م.

ومع كل ذلك فإن المتابع والمراقب لهذا الشأن، يجد أن هناك تراجعا واضحا لحضور ومشاركة المرأة في هيئات صنع القرار في العديد من البلدان العربية، مثلما يلاحظ ارتفاع نسب المشاركة في بلدان أخرى عبر «الكوتا»، أي النسبة القانونية المفروضة للمرأة، مثلما هو الحال في قانون الانتخابات البرلمانية في العراق، إذ يفرض نسبة 25% للنساء في مقاعد البرلمان. وهذا الاتجاه جيد من الناحية المرحلية، من حيث ان «الكوتا» تسهم في إبراز حضور المرأة في المواقع العليا والتعود الاجتماعي على حضورها الفاعل، إلا أن هذا المنحى ربما يدفع بالمرأة إلى حالة من التواكل والكسل، بحيث يصبح حضورها شيئا روتينيا دون تأثير إيجابي يعبر عن حالة الاقتدار والمساواة في الفرص والحقوق، بينما نجد ان هناك عدداً من التجارب الانتخابية في الدول العربية، أثبتت فيها المرأة إصرارها على المثابرة ومواصلة السعي لنيل حقوق مشاركتها عبر صناديق الاقتراع.

ومع تنامي تيار دولي يدعو إلى تعزيز فرص تواجد النساء في المواقع القيادية، باعتبار أن هذه المطالب ستكون مدخلاً لأية عملية إصلاح سياسي وديمقراطي في بلدان العالم الثالث، ومع تحقيق عدد من الدول مشاركة مرتفعة في عدد من الهيئات البرلمانية والمناصب السياسية العليا، إلا أن العنصر الأهم يظل على عاتق المرأة نفسها، من خلال إيمانها بدورها المطلوب والاهتمام بالتأهيل والإعداد، واقتناع المرأة الناخبة في قدرات المرأة المرشحة. فذلك وحده هو الذي سيشكل بيئة إيجابية ومناخا سليما لتطور وتقدم هذه المشاركة.


[email protected]