بعد ان شهدت العملة التركية خلال الأشهر الماضية هبوطا حادا، مسجلة مستويات قياسية، وخسرت حوالي ثلث قيمتها, صرح السفير التركي لدى قطر(فكرت أوزر)، في تصريح صحفي أدلى به، يوم الجمعة المصادف 1 يونيو 2018 : (إن الهبوط الذي سجلته الليرة التركية في الآونة الأخيرة عبارة عن تلاعب من قبل دولتين عربيتين) وإدعى (أوزر) أن الدولتين، اللتين امتنع عن تحديدهما، تهدفان إلى : ( زعزعة استقرار الاقتصاد التركي من خلال اللعب على سعر الدولار والذي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق الداخلية، وبالتالي التأثير على القوة الشرائية للمستهلكين) .

وفي تعليقه على التراجع الملحوظ للعملة التركية ، أعلن الرئيس التركي، (رجب طيب أردوغان)، أن هذا التوجه ناجم عن (مؤامرة ضد تركيا)، داعيا المواطنين الأتراك إلى (إفساد) هذا المخطط عبر تحويل ما بحوزتهم من عملات أجنبية إلى الليرة التركية.

كما قال وزير الخارجية التركي، (مولود جاويش أوغلو)، إن (هناك بلدين مسلمين وراء هذه الحملة)، مضيفا: (سنفصح عن اسميهما لاحقا) . 

لست هنا بصدد ذكر اسباب الهبوط الذي سجلته الليرة التركية في الآونة الأخيرة والتراجع الكبير في النمو الاقتصادي التركي ، ولكن ما اوقفني مندهشا كما اوقف غيري من ابناء شعبي هو تصريحات الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (علي القرداغي ) الداعمة لتركيا واستهتاره الواضح والكبير والمتعمد تجاه ابناء شعبه ودعمه لسيده ( اردوغان ـ حامي الإسلام وقاهر إسرائيل , وذالك وفق استراتيجيته الترويجية الزائفة لإعادة الثقة( باردوغان) وحزبه وذالك (لاستثمارأصوات الناخبين قبل بدء ماراثون الانتخابات الرئاسية المبكرة , وخاصة بعد ان تراجع شعبية (اردوغان افندي) بعد العديد من الاخفاقات الداخلية والخارجية), ومحاولة ( تضخيم صورته كبطل إسلامي وفق مبادئ العثمانية الجديدة ,لأنه الوحيد الذي يقف اليوم إلى جانب الدول الاسلامية بكل حزم ويقول لا لإسرائيل والدول الصليبية الكافرة ـ حسب تصريح القرداغي وتصريحات اعضاء اتحاده (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) اضافة إلى سكوته عن جرائمه بحق الشعوب المنطقة.

يتناسى (القرداغي) كعادته تهديدات القادة الاتراك ومطامعهم العدوانية في ارض العراق وثرواته ,والمطالبة بـ(عودة ) ولاية الموصل الى تركيا , ويمنحون انفسهم حق الوصاية على تركمان العراق , كما يواصلون سياستهم التعسفية في مجال المياه ورفض الاعتراف ( بالرافدين ـ دجلة والفرات ) باعتبارهما نهرين دوليين , وما يترتب على ذالك من حقوق تاريخية للعراق وسوريا في مياههما , بل و يسلبون هذه الحقوق عن طريق بناء السدود وحجب مايستحقه البلدان من المياه . 

ان المتتبع لتصريحات (القرداغي الذي اصبح ملكيا اكثر من الملك , لدفاعه عن اردوغان ومن معه , اكثر مما يدافع اردوغان افندي عن نفسه ) , ان المتتبع لتصريحات ( القرداغي ) ، ينتابه احساس غريب، بشأن قدرته الخارقة لتشويه الحقائق وعدم شعوره باي مسؤولية ( دينية ووطنية واخلاقية ) تجاه شعبه المظلوم وشعوب المنطقة. 

ففي وقت الذي تعصف أزمة الليرة بتركيا تزامنا مع التحضيرات لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة يوم 24 يونيو الجاري , صرح (القره داغي)، إن انخفاض قيمة الليرة التركية يعود بشكل أساسي إلى (الضغوط الأمريكية على المستثمرين لسحب أموالهم), وأضاف في تسجيل صوتي ، أن ( السبب الأساسي لانخفاض الليرة التركية سياسي، ويعود إلى الضغوط الغربية والتشكيك في اقتصاد تركيا القوي) , وأرجع (القره داغي) هذه الضغوط لأمرين أساسين، الأول أن ( تركيا متفقة إلى حد كبير مع روسيا وإيران، وهذا بالتأكيد يزعج الولايات المتحدة بشكل كبير لأنها تريد محاصرة إيران، وإضعاف روسيا، لذلك تأتي التحذيرات (الأمريكية غير المعلنة) من الاستثمار داخل تركيا) . 

أما السبب الثاني فيكمن في (مواقف تركيا من القضية الفلسطينية والقدس الشريف، والصهاينة المحتلين , وعليه أن دول الغرب لا يريدون أن تستمر تركيا بالتقدم والتطور، ويريدون إضعافها بشكل كبير) .

وأضاف (القرداغي) أن (المؤشرات الاقتصادية في قطاعي السياحة والصناعة بتركيا جيدة، ونموها عالمي، ولهذا لا يمكن أن تفسر قضية انخفاض قيمة العملة التركية بشكل اقتصادي بحت، فهناك بعض الجوانب الأخرى ذات البعد السياسي) ...

وكنموذج صارخ لمزوّر الحقيقية يمكن وبدون تردد الاشارة الى (القرداغي) الذي يحاول دائما الظهور بمظهر المنظر الاكاديمي والرجل الدين المسالم الذي يقف دائما مع (المظلوم ), ولكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا والدليل على ذالك هوآخرما اتحفنا به (القرداغي) ، حيث حمل الغرب و(الدول الصليبية الكافرة)،مسؤولية ما وصلت اليه الاوضاع في (تركيا المسلمة )ولاسباب عديدة منها (مواقف تركيا من القضية الفلسطينية والقدس الشريف، والصهاينة المحتلين) بينما ( يرى القادة الاتراك عكس ذالك تماما )(راجع تصريحات فكرت أوزر و مولود جاويش اوغلو واردوغان افندي , حول الهبوط الذي سجلته الليرة التركية في الآونة الأخيرة) .

لقد تناسى (القرداغي) بان تركيا شهدت تراجعًا كبيرًا في النمو الاقتصادي، ففي 2017، أظهرت بيانات وزارة الجمارك والتجارة التركية أن العجز التجاري في تركيا زاد من( 37.5% إلى 77.06 مليار دولار)، كما تناسى بان تركيا ( المسلمة ) هي أول دولة اسلامية اعترفت بإسرائيل عام1949، وافتتحت سفارتها في (تل أبيب) وقنصليتها في (القدس) , وتناسى ايضا ان إسرائيل زودت تركيا بالسلاح والمعدات العسكرية والأمنية , على سبيل المثال لاالحصر : (قامت اسرائيل بتحديث مقاتلات ( F4 – F5 Phantom ) التركية بصفقة تقريبًا بلغت قيمتها قرابة ( 900 مليون دولار ), و قامت ببيع صواريخ (Popeye- Missile- II, Popeye- Missile- I) لتركيا في صفقة وصلت قيمتها ( 200 مليون دولار ) , كما قامت بتحديث دبابات ( M60 ) التركية الى المعيار (SABRA ) الاسرائيلي بصفقة بلغت قيمتها ( 7خخ مليون دولار ) , وقامت ببيع طائرات درونز من طراز (IAI Heron ) الى تركيا في صفقة تجاوزت قيمتها ( 200 مليون دولار ) . 

تناسى (القرداغي) ان اسرائيل نفذت في عام 2007 من خلال الاجواء التركية وباتفاق معها عملية عسكرية ضد سوريا عرفت بعملية ( البستان ) , وان حزب اردوغان رفض الغاء الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل , كما تناسى ( القرداغي ) ان تركيا المسلمة وإسرائيل عقدتا اتفاقا سريا واستراتيجيا عرف بـ( الميثاق الشبح ) في الخمسينات القرن الماضي , والذي ظل طي الكتمان عقودا من الزمن ويتضمن ( تعاونا عسكريا واستخباراتيا ودبلوماسيا ) وكانت وظيفته الاساسية موجهة ضد( المسلمين) , تناسى (القرداغي) ان الخطوط التركية نقلت مليون راكب من وإلى إسرائيل في 2017 , كما يتناسى (القرداغي) جرائم تركيا بحق ابناء جلدته ويشارك سيده (اردوغان افندي ) أفراحه ، ليس بمناسبة تحرير (الجولان المحتل) ، ولكن بمناسبة سحقه لسكان مدينة ( عفرين )المكلومة واحتلاله لإقليم كوردستان بحجج واهية . 

إن كل ما ذكرته آنفاً عن (القرداغي ) هو غيضٌ من فيضِ وقليل من كثير، وهناك مواقف وتصريحات محزية كثيرة أخرى لـ(قرداغي) ، ليس المجال لذكرها الآن. 

اخيرا اقول : لنتذكر جميعا أن التاريخ لا يرحم , وإن غفلنا عليه او زوره البعض منا , وأن الذاكرة الانسانية لن تسقط من حسابها كل ما يمكن أن يسيئ الى شعبه ووطنه أو يقبل بأن يكون انسانا (زئبقيأ ومخادعأ وباذنجانيأ )يستخف بإرادة شعبه ويقف مع الطغاة والمحتلين وقتلة ابناء شعبه المظلوم , فمهما تجبّرو تغطرس الطغاة فلا بد من انتصار إرادة الشعوب وارادة الحياةعلى كل الطغاة وأعوانهم وأتباعهم والراكنين إليهم على مر الأزمان والدهور.