من المصطلحات العراقية الدارجة والبليغة في توصيفها للفوضى أوالعجقة أو خلط الأوراق والمتناقضات هو طبيخ الشحاذين أو المكادي بالدارجة العراقية، طبيخ المكادي أو أكل الشحاذين توصيف أتى من شحاذ يستجدي الأكل من البيوت ظهيرة كل يوم، جامعا كل أصنافه في إناء واحد، فيصبح خليطا متناقضا في أشكاله وألوانه وروائحه ومذاقه!

أردت بهذه المقدمة القصيرة أن أدخل إلى طبيخ السياسيين وعجقتهم في شرقنا الأوسط وتناقضاته المثيرة للاشمئزاز قبل الاستغراب، ورحلة سريعة إلى تحالفات وتجمعات المتناقضين حد الاقتتال تعطينا لوحة ومشهد الحاضر والمستقبل الذي لا يبشر كثيرا بالخير في الأقل المرئي منه، خاصة في العراق وسوريا، حيث تجتمع وتتحالف وتتعاون وتتآمر معظم الأحزاب والحركات وعرابيها من دول الإقليم وما بعد الإقليم، ففي العراق يجمع النفط كل الحرامية وان اختلفوا في الدين أو المذهب أوالسياسة أو العرق، فهم في الآخر يتقاضون أتعابهم أو لصوصياتهم من ذات الأنابيب والآبار، وفي السياسة لا تستغرب أخي القارئ أن يدفع الحشد الشعبي مرتبات فصائل لحزب العمال الكوردستاني القادمين من تركيا وملحقاتهم في سوريا إلى جبل سنجار مثلا، بينما أبواق الدعاية السياسية في بغداد تعمل ليل نهار للدفاع عن سيادة العراق خاصة، وان الأشقاء الأتراك يجولون في السيادة العراقية ويلعبون بها طوبة (كرة) كما يقول الدارج العراقي، دون أن تهتز شعرة وحده من شوارب أوسكسوكات أهل السيادة ووحدة الأراضي!

وفي العراق أيضا يتحالف (الملحدين الكفار) على توصيف الأحزابالإسلامية للشيوعيين، مع المؤمنين للعظم من أحزاب الدين ومذاهبه، ولا تؤثر فكرة الجنة الموعودة ولا جهنم الكفار على عقيدتهم البروليتارية وماديتها التاريخية، ولا عجب فان الحزب الذي ناضل كل حياته ضد الامبريالية والرأسمالية والأفكار الخيالية يتبوأ اليوم كراسيه في برلمانهم وحكومتهم وتحالفاتهم! 

وما زلنا في العراق حيث يجتمع الأعداء في تحالفات وراء الكواليس وأحيانا أمامها أيضا، فلا تستحي أمريكا من تعاونها مع ايران في العراق والسماح لها بالتمدد، ولا يخالف شريعة ايران الإلهية والامامية التحالف مع الشيطان الأكبر والتعاون معه في نفس الدولة ومع نفس الأشخاص والأحزاب، ولا تستغرب غدا أن يتحالف الإقليم أيضا مع من هدد كيانه وشن حربا عليه، أو مع سلفه الذي هدد الإقليم بطائرات F16!

وفي سوريا الطامة الكبرى، وعليك أخي القارئ أن تفوض أمرك لله وتضبط نفسك من الضحك أو النواح مما يحصل هناك من تحالفات الضوء والظلام والعدو والصديق، حتى بلغت الأمور بأنك لم تعد تفرق بين النصرة والشبيحة أو بين جيش الإسلام والقوات الديمقراطية جدا، والأغرب ذلك التعاون المريح بين أنقرة ودمشق، وبين دمشق وواشنطون، وبين إيران الشيعية الصفوية وبين تركيا السنية الاخوانية، تعاون حتى العناق بين الأمريكان والروس والأتراك والإيرانيين في باليه تراجيدي كوميدي تضحك له إسرائيل وعصاتها السحرية الخلابة!

المشكلة الأكثر سخرية في طبيخ السياسيين هذا، إن المتقاتلين لا يعرفون أي شيء من هذه التحالفات بين من يقاتلهم أو يصالحهم، حتى امتلأت سطلة الشحاذ بأنواع الأكل وأصنافه، ونتيجة ارتفاع درجات الصراع والحرارة تفسخ الطبيخ وأصيب شحاذنا البائس بالتسمم ويرقد الآن في مشفى القضاء والقدر والمشتكى لله وحده!

[email protected]