تدين الثقافة العربية بالكثير لمسيحيي لبنان، في مجالات الترجمة والإبداع، ونقل نمط الحضارة الغربية الى العالم العربي، لقد كان العقل المسيحي اللبناني متطور نوعيا بفضل تحرره من القيود التي تكبل عقول أبناء الديانات الأخرى.

يعتبر بحق المسيحي في لبنان عطر الشرق وزهرته وأجمل مافيه على صعيد التفكير والسلوك ونمط الحياة الحضارية، وقد كانت له مواقف بطولية مشهودة، حيث دافع المسيحيون ببسالة وشجاعة عن وطنهم بوجه عدوان الفصائل الفلسطينية والإحتلال السوري - الإيراني.

ومن الطبيعي ألا تمر الأحداث الجارية في سورية وزوال نظام الأسد المحتوم، وتحطم أكبر تحالف شيطاني في المنطقة بين سوية وايران وحزب الله.. على لبنان من دون ان ينتج عنها تطورات سياسية كبرى بعد ان يتحرر لبنان من قبضة حزب الله الذي إختطفه رهينة وسلمه الى إيران وسورية، ولعل الطرف المرشح أكثر من غيره لإحداث تغييرات سياسية هم المسيحيون الذين وجدوأ أنفسهم يعيشون مع شركاء في الوطن والحكومة لاتربطهم بهم قضايا مشتركة ومصير واحد.

لقد وجد المسيحي اللبناني نفسه مقحما من قبل الشيعة في قضايا وحروب ليست حربه، وانما هي حرب نظام ولاية الفقيه، وأيضا أُقحم المسيحي من قبل السنة في قضايا قومية هو لايؤمن بها، خصوصا اذا علمنا ان قوميته ليست عربية، وأفقه واسع المدى يتطلع الى أبعد من الإنتماءات القومية.. وينظر الى العالم المتحضر الحر.

لاأعرف ماالذي يجمع المسيحي اللبناني الذي يرتبط بالحضارة ويتفاعل مع العالم بجماعة ولاية الفقيه الشيعة أو الجماعات السلفية من السنة أو القوميين؟.. فما علاقته مع هؤلاء حتى يُطلب منه دفع ضريبة فتاوى ولي الفقيه الإيراني ويتعرض الى الفقر والبطالة والموت من اجل عقيدة غير مؤمن بها، وماعلاقته بالتوجهات السلفية والقومية وشعارات العروبة والإسلام؟

يبدو لي ان طبائع الأشياء ستقود المسيحيين بعد سقوط نظام الأسد وانتصار الثورة السورية.. ستقودهم الى التفكير بمصيرهم ومستقبلهم بعيدا عن مفهوم الشراكة الذي لم يجلب لهم أية فائدة تحقق مصالحهم، وبعد ان يتحرروا من مشاعر الخوف من سورية وحزب الله، سيفكرون بإنشاء دولتهم المسيحية المستقلة.

منطق الواقع يقول: لايوجد مستقبل للعيش المشترك، والمسيحي اللبناني هو الطرف الخاسر في هذه الحياة المشتركة مع الآخرين لأنه دائما يقدم التنازلات والتضحيات ويُقحم في معارك ليست معاركه، والسؤال : لماذا يتوجب عليه العيش في هذا العذاب ودفع الخسائر المتلاحقة؟

أعتقد ان هذه اللحظة التاريخية المناسبة لقيام دولة مسيحية تفك إرتباطها مع لبنان والعرب، وتنفتح على العالم المتحضر الحر، فالمسيحيون اليوم يتهددهم خطر التهميش والإنقراض في لبنان بسبب إستمرار الهجرة، وتزايد أعداد الأطراف الأخرى، ولايوجد أمامهم حلول لإنقاذ مصيرهم ومستقبلهم ووجودهم غير خيار الإنفصال وإعلان الإستقلال.

تنويه: كاتب السطور: عراقي ومسلم شيعي، وهذا التنويه القصد منه إرسال رسالة ضد التعصب الديني والطائفي.

[email protected]