لم يبق من الوقت ليوم الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة سوى ساعات معدودات والتي ستجري يوم غد الثلاثاء الرابع من نوفمبر القادم، والمراقب يرى بعينه ووعيه كيف أن إدارة الرئيس بوش قد بدأت تتفسخ وتضمحل وأن المرشح الجمهوري للإنتخابات (جون مكين) قد أخذ يفقد أمله وتتضاءل أمامه فرص الفوز بالرئاسة أمام المرشح الديمقراطي (باراك أوباما)،وأن وجوها بارزة في الإدارة الحالية كوزير الخارجية الأسبق (كولن باول) وغيره قد أعلنوا تخليهم عن مركب الجمهوريين المشرف على الغرق لا من موقف إنتهازي وإنما عن وعي عميق لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي دمرتها وحطمتها إدارة جورج دبليو بوش خلال هذه السنوات الثماني الغبية والسوداء..


لقد كنا أيام المعارضة العراقية السابقة لنظام الرئيبس العراقي الراحل صدام حسين نحمل النظام ورأسه عما حصل للعراق من كوارث حروب وقتل وهدر للطاقات والأموال وكنا نورد أرقاما نرددها من أن صدام حسين كان قد أنتزع الرئاسة من سلفه الرئيس الراحل أحمد حسن البكر وخزينة الدولة العراقية فيها فيض من الأموال قدر بأكثر من ثماية وثلاثين مليار دولار وكان ذلك في العام 1979،وبعد إثنتي عشرة سنة أي في العام 1991 بعد الخروج العراقي من الكويت كان العراق مديونا بأكثر من 150 مليار دولار وقد خسر من شبابه ما بين قتيل ومعوق بأكثر من مليون عراقي ويعيش تحت الحصار الدولي الذي استمر لحين سقوط النظام على أيدي المحتلين الأمريكيين في 2003،ولو عملنا مقارنة مستعجلة لوجدنا أن بوش قد أضر بامريكا وشعبها وأقتصادها بأكثر مما سببه صدام حسين للعراق !!،لقد تسلم بوش الرئاسة من سلفه الديمقراطي (بيل كلينتون) في كانون الثاني العام 2001 والإقتصاد الأمريكي متورد الوجنات من الوفرة وأمريكا سيدة العالم الأولى من دون منازع بعد إنهيار (الإتحاد السوفيتي) وإندحار الشيوعية الدولية التي كان الرئيس الأمريكي (رونالد ريغان) قد وصفها (إمبراطورية الشر)،واليوم مع أفول نجم الجمهوريين من حكم البيت الأبيض بواشنطن تشيعهم الأزمة الإقتصادية الرأسمالية العالمية التي ستكون آتارها البعيدة والعميقة في أساس النظام الراسمالي وزعيمته الولايات المتحدة حاملة بآثارها رياح التغيير المجهول النتائج لحد الآن في البنى التحتية للمجتمع الأمريكي ذاته..


لم يكن لأحد من البشر أن يتصور كيف سينهار الإتحاد السوفيتي قبل إنهياره المدوي لقد كان كابوسا مرعبا أن يحدث ذلك بواسطة الحرب والقوة المسلحة،كانوا يمتلكون قوى عسكرية تقليدية ونووية معروفة بأنها تبلغ في الجانب النووي سبعة وعشرون ألف رأس نووي وأن العالم كله يمكن أن يفنى وتنتهي الحياة على كرتنا الأرضية فيما لو جرى استعمال ثلاثة آلاف رأس نووي سوفييتي بمعنى أن السوفيت كان بإمكانهم تدمير الأرض وهم عليها!! بمقدار تسع مرات ولم يكن الأمريكان بأقل منهم في قوة التدمير هذه،لكن كل تلك الحسابات أصبحت على رفوف الحقائق العلمية وليبقى على أرض الواقع اليشر ومصالحهم وقوة استمرار الحياة على هذا الكوكب..
ومثلما حصل للشيوعية الدولية ودولتها الأولى الإتحاد السوفيتي العام 1991 بأن أصبحت وبالوعي الكامل لا مبرر في استمرارها وبذلك الدور والنفوذ العالميين، نحس اليوم أن أيام الرأسمالية الأمريكية ودولتها الأولى الولايات المتحدة باتت عاجزة على استمرار تقمص الدور الأوحد والأول في العالم وأن الرئيس الأمريكي جورج بوش ستنتهي صلاحيته!! يوم الثلاثاء الرابع من نوفمبر حينما تجري انتخابات الرئاسة لتحدد الفائز وبالتالي القادم الجديد للبيت الأبيض أما الجمهوري (جون مكين) أو الديمقراطي (باراك أوباما) وفي العشرين من كانون الثاني 2009 سيغادر بوش البيت الأبيض ليحل محله الرئيس الجديد وسيتم رفع جورج بوش من لافتة الفعل والأحداث الدولية اسما ورسما ويبقى في خانة (الذكريات السيئة) للإنسانية وفي مقدمتها العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وغيرهم..
الملاحظ أن العديد من أقرب مستشاري بوش قد بدؤا يتخلون عنه لصالح المرشح الديمقراطي أوباما بإعتباره السيد المحتمل للبيت الأبيض للسنوات الأربع القادمة..ولا بد لنا من الإعتراف في هذه الساعات من أن الوضع الراهن الحاكم ببغداد.. فطغمة الحكم ببغداد قد أمضت الأسابيع والأيام الأخيرة بالمناورة والتسويف واللقاءآت كي تنفذ أمرا إيرانيا مباشرا يمنعها من التوقيع على الإتفاق بينها وبين الأمريكان،وبالمقابل فقد رتبت الأوضاع وهيأتها لهذا التوقيع بعد إنتها يوم الرابع من نوفمبر أي يوم الثلاثاء القادم، وهذا ما كنت قد أشرت إليه بصراحة مباشرة خلال مقالتي التي تشرتها في (إيلاف) يوم 12/10/ 2008 حيث قلت ما نصه..((.. لذا فليس من المتوقع بأن يتم إعلان التوقيع على الإتفاق بين بوش وإدارته والمالكي وطاقمه قبل إنتهاء الإنتخابات الأمريكية المقبلة يوم الثلاثاء 4/11/2008،،)) وإذا ما حللنا وربطنا ما تعلنه الزمرة الحاكمة ببغداد في الأيام القريبة الماضية نجد أنها ومن خلال ما يسمى بالمجلس السياسي للأمن الوطني قد حددت أمر الموافقة على الإتفاق بما أسمته بالتوافق بين المشاركين بهذا المجلس السياسي مما يعني بالضرورة عدم الإعتراف بأي إجراء كردي إنفرادي بهذا الصدد حيث يأتي هذا القرار كرد على وجود وزيارة مسعود بارزاني ومجموعة من حزبه لواشنطن ومقابلته الرئيس المنتهية صلاحيته جورج بوش!!،كذلك هيأت هذه الزمرة المسرح السياسي التابع لها في العراق بأن أعلنت عن موافقة (السيد) في مدينة النجف على السير بهذا الإتفاق والتوقيع عليه بعد يوم الثلاثاء 4/11 (هكذا ومن دون مواربة!!) فتكون بذلك قد أرضت أسيادها الإيرانيين من جهة،وسترضي أسيادها الأمريكان من الجهة الأخري بعد أن تنتهي الإنتخابات الأمريكية الرئاسية وذلك بالتوقيع على الإتفاق كي تتمكن من الإستمرار في حكم العراق والإيغال في قهر إرادة الشعب العراقي التواقة للحرية والسيادة والعدالة والتقدم والديمقراطية الحقيقية..


وحتى تنتهي هذه السويعات المتبقية وتنجلي نتائج الإنتخابات الأمريكية عن الفائز في الدخول الى البيت الأبيض فهناك الكثير من العملاء الدخلاء في العراق قد حزم حقائبه ورتب أمره استعدادا للرحيل والهرب من بغداد إذا ما أفرزت النتائج عدم دخول (جون مكين ) البيت الأبيض وسقوط الجمهوريين في مستنقع الهزيمة،، ولقد سمعت شيئا طريفا ولافتا للنظر يقول بأنهم في واشنطن قد أعلنوا عن تسمية مجمع كبير للنغايات وتصريفها بإسم (جورج دبليو بوش) الساقط تاريخيا هو وعصابة اليمين الصهيوني المتعصب،، تخليدا لتاريخ مشين من عمر الولايات المتحدة الأمريكية!

اسماعيل القادري