كما الكينونات الأخرى للمجتمعات الشرقية، كالسياسة والإقتصاد والعلوم، يعاني قطاع الفن، السينما منه على الخصوص، إحباطاً كبيراً يثير الكثير من أوصاف الخجل.


لا يختلف إثنان، أن السينما الهندية تتفوق كثيراً على السينما العربية، وتسبقها بمراحل طويلة. مع ذلك لا تحظى السينما الهندية بأي إهتمام عالمي ذي شأن، إلا في المناطق الفقيرة والمنكوبة في العالم الثالث، مثل أفغانستان والدول العربية وإيران وغيرهن.


الممثلون الهنود معروفون لدى الهنود وشعوب العالم المنكوب، التي تعشق الدراما الهندية التي تتميز بخيالات وجدانية بدائية وفظيعة، وحدة سطحية في المشاعر والأحاسيس الذليلة، التي تتلذذ بالعبودية والإنتقام والأحلام المهزومة! لكنهم غير معروفين في الغرب!
قد يكون هناك ممثلٌ أو ممثلة يحظيان بشئ من الشهرة عالمياً، لأسباب معينة، إلا أن ذلك يشكل الإستثناء الذي يثبت القاعدة. ويشكل الممثل المصري عمر شريف هذا الإستثناء بالنسبة للعالم العربي.


طبعاً لا نضيّع الوقت في الحديث عن مركزية الغرب على أصعدة النشاط البشري، وإحتراس الغرب على ديمومة هذه المركزية، لأن المسألة واضحة جداً.


فهناك محاولات مستمرة لإقصاء الآخرين على الخشبة، ليكون مركز الصدارة محجوزاً للإنسان الغربي في كافة المجالات.
وإن غضضنا الطرف عن إنتمائنا على صعيد الهوية وعلائقها، يبدو الآداء الغربي منطقياً على صعيد التأريخ البشري، الذي يتميز بتنافس شديد الحدة بين مكوناته العديدة.
فهذا التنافس وذاك الإقصاء قائم على قدم وساق حتى بين مكونات المنطقة الواحدة، والبلد الواحد والهوية الواحدة. لذلك علينا أن نكون حذرين، قبل إطلاق الأوصاف والنعوت تجاه الغرب، أن نعرف إن كنا نحن نمارس ما نكرهه في الغربيين، أكثر منهم وأقسى!

السينما العربية مسكينة، والممثل العربي مسكين على المستوى العالمي!
فمن نيوزيلند وأستراليا وإلى الأميركيتين مروراً بعموم آسيا وأوروبا، ليس هناك من يعرف هذا الفيلم العربي أو تلك المسرحية، أو هذا الممثل العربي أو ذاك!
إنه أمرٌ مجهولٌ تماماً بالنسبة لشعوب الأرض من غير العرب!
فالفيلم العربي، أو الممثل والممثلة العربية، لا تُرشح لجوائز الأوسكار، أو الجوائز الأخرى العالمية. هناك بعض الجوائز التجارية، على هامش الفن والسينما الغربيين كجائزة quot;كانquot; وغيرها، لكن ذلك أيضاً يشكل الإستثناء الذي يدخل جوف المجهول في ذهن العالم الغربي!
على سبيل المثال فقد حصل المخرج السينمائي الكُردي quot;بهمن قوباديquot; على جائزة quot;كانquot; وعُرضت أفلامه في دور السينما العالمية، بالرغم من أن الأكراد أنفسهم شعروا بالخجل من أفلامه أثناء مشاهدتهم لها. لكن بالنسبة للغربيين ظل بهمن وأفلامه والممثلين مجهولين تماماً!


ومثالٌ آخر يوضح الصورة بشكل أفضل. قبل أعوام قليلة أصدرت هوليود فيلماً بعنوان (The kingdom of heaven)
حول الحروب الصليبية. مثّل السوري غسان مسعود دور صلاح الدين الأيوبي. وبالرغم من معرفة الغرب لصلاح الدين وعظمته، وكان لا بد أن تكون شخصيته تجسّد بطولة الفيلم المذكور (ولم يكن كذلك!) فلن تجد في العالم الغربي خمسة أشخاص عاديين يعرفون غسان مسعود، الذي ارتضى أن يؤدي دور صلاح الدين مقابل الحصول على المال، مع العلم أن الفيلم المذكور يشوه تأريخ المسلمين والشرق، وبالأخص تأريخ صلاح الدين الأيوبي (نتحدث في هذا مستقبلاً)!!

ومن هنا يجب أن ندرك أن مراكز الفن والجوائز، ليست هي التي تمنح الشهرة للأفلام والممثلين.
فالجمهور، والإعلام الغربي بشتى أصنافه، هما الجهتان الرئيستان في دعم شهرة أهل الفن.
ويترتب على هذا منح الجوائز العديدة، وهي على أية حال تُمنح من قبل مراكز مرتبطة بمؤسسات كبيرة، مثل quot;هوليودquot; وقنوات إعلامية ضخمة.

وبما أن الفنان العربي، وقبله المواطن العربي البسيط يعرف هذه المسألة بهذا الوضوح، فقد إنتشرت أمراضٌ كثيرة في الأوساط العربية، مثل عقدة النقص التي رأيناها بوضوح كبير في مهرجان أبوظبي السينمائي الذي جرى قبل أيام!
فمن حيث عقدة النقص هذه (عدم حيازة الشهرة العالمية) قام المعنييون بشأن المهرجان، بإستضافة بعض الفنانين الغربيين ونفرٍ من المخرجين العالميين، الذين إمتلأت جيوبهم بأموال (مجانية!) لم يجتهدوا في الحصول عليها!
والهدف الحقيقي من وراء ذلك يكمن في عدة مسائل:
أولاً: محاولة جلب إهتمام الجمهور غير العربي، ولم يتحقق هذا!
ثانياً: محاولة فاشلة مسبقاً لدفع الممثل العربي، والممثلة العربية نحو شرفات الشهرة العالمية، ونيل إلتفاتة أهل السينما الغربية، لإشباع رغبة عقدة النقص تجاه السيد المهيمن على اللاوعي والعقل الباطن والظاهر العربيين، علّه يتصدق بنظرة الشفقة نحو معجبه (العالمثالثي)! ولم تتحقق هذه الرغبة ولن تتحقق!
ثالثاً: إخراج مؤقت للسينما العربية وفنانيها، من الإختناق الكبير الذي يعانون منه!
رابعاً: التمتع بالوهم المحيط عبر أجواء المهرجان، أن الرغبات الدفينة قد تحققت في نيل الشهرة العالمية، في خلال تقليد بئيس للأجواء الغربية في المهرجانات الفنية:
السجاد الأحمر، أزياء الحفلات والموضة، التغطية الإعلامية عبر إجراء مقابلات مبهرجة مع الممثلين والممثلات، التلفظ بكلمات إنكليزية تثير حقاً إشمئزاز الجمهور العربي، قبل أن تثير إشمئزاز السيد الغربي، إن كان يتفرج أساساًً !

إن هذا المهرجان الفاشل بكل المقاييس، والذي كان محاولة لجلب إهتمام الآخرين لا أكثر، بذّر أموالاً طائلة هباء منثورا!
فقد قام المهرجان المذكور بإملاء جيوب هذا أو ذاك، وخصوصاً الغربيين (ألقيتُ نظرة في إعلام دول الغرب علّني أجد خبراً خجولاً عن هذا المهرجان فلم أفلح وقد يكون الخبر قد ذُكر دون إستحقاق شروط الإهتمام بتاتاًً )!

الشعوب العربية تحتاج كثيراً للتصرف بالأموال تصرفاً عقلانياً. هناك أموال طائلة تُبذر للفناء، في حين تعاني شعوبنا الفقر الشديد، الجوع، التخلف العظيم على المستوى الإقتصادي والعلمي والسياسي والفني أيضاًً !

يجب أن يعلم فنانونا المحترمون أن العالمية مرتبطة بكينونة أكبر من الفن، ألا وهي التفوق السياسي.
إن السياسة والقوة (كناية عن القوة كلها)، هي التي تفرض مفردات التفوق، والإمتياز والتصنيف!
الغرب متفوق سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً، لذلك فإن هوليود تبقى هي محط الإهتمام والشهرة العالميين!
وسيظل العالم يعرف ريدلي سكوت، ستيفن سبيلبيرك، وولفكانك بيترسن، توم كروز، راسل كروز، ويل سميث، نيكول كيدمان، كيارا نايتلي ومئات المخرجين والممثلين والممثلات من هوليود.


لكن السينما العربية، وبالأحرى الممثل والممثلة العربيين سيظلان غرباء مجهولين بالنسبة للعالم الغربي، حتى ولو دفع العرب الملايين من الدولارات للمخرجين والفنانين الغربيين، في تكريمٍ فارغ الجوهر لا يزيد ولا ينقص!


الأولى كضرورة ملحة لتحقيق تلك الرغبات الدفينة، أن تقوم السينما العربية الوصول أولاً إلى مستوى السينما الهندية، إن كان ذلك يشكل أولوية في حاجات العرب على صعيد الحياة، وآنئذٍ لكل حادث حديث لنيل عطف هوليود وأهل بيتها!!

علي سيريني

[email protected]