وأخيرا، قررت حکومة حزب العدالة و التنمية الترکي تخطي الحواجز النفسية التي غلبت على العقلية السياسية الترکية تجاه تعاملها مع الملف الکوردي و أعلنت عزمها عن توجيه دعوة رسمية لرئيس إقليم کوردستان مسعود البارزاني من أجل زيارة ترکيا و إجراء محادثات رسمية مع المسؤولين الاتراك بخصوص العديد من القضايا التي تأتي في مقدمتها قضية نشاطات حزب العمال الکوردستاني. هذه الدعوة، سبقها تصريح فريد من نوعه لرئيس وزراء ترکيا السيد رجب طيب أردوغان دعا من خلاله حزب العمال الکوردستاني لإلقاء السلاح و ممارسة النشاط السياسي کأي حزب سياسي آخر في ترکيا. هذان الامران، مع التحفظات على سياقات محددة قد ترافقهما، بالإمکان إعتبارهما بمثابة نقلة نوعية في مسار الموقف السياسي الترکي من القضية الکوردية برمتها وهي ان سارت في الاتجاه الصحيح و تخطت العقبات و الحواجز بطرق شفافة، فإنها قد تمهد فعلا لحل جذري و واقعي للقضية الکوردية و تؤسس لمرحلة جديدة من علاقات ترکية ـ کوردية مبنية على أساس من الواقعية و العقلانية.


الاوساط الکوردية في إقليم کوردستان العراق، إستقبلت الدعوة الترکية لرئيس الاقليم لزيارة أنقرة بکثير من الانشراح و إعتبرته مؤشرا قويا على عزم الحکومة الترکية لتخطي کل ماکانت تسميه الحکومات الترکية السابقة خطا احمرا مبدية قناعاتها بشأن تباشير مستقبل سياسي ـ إقتصادي زاهر و واعد ينتظر الجانبين و يخدم مصالحهما المشترکة. لکن أوساطا کوردية أخرى سيما تلك التي خارج دائرة السلطة، أبدت شيئا من التحفظ حيال الدعوة الترکية للبارزاني و کذلك الامر بشأن الدعوة الترکية لإلقاء السلاح من جانب حزب العمال الکوردستاني، مشککة بمصداقية النوايا النوايا الترکية و جدواها فيما لو لم تکن تحمل في جعبتها مشاريع و إقتراحات جدية لمعالجة المشاکل العالقة من اساسها وليس من حواشيها أو أطرافها البعيدة عن جوهر المشکلة. أما أوساطا مقربة من حزب العمال الکوردستاني فقد رأت أن السياسة الترکية في خطها العام تجنح الى البحث عن أشباه الحلول و الابتعاد عن الحلول الجذرية و الواقعية للمشکلة و أعربت عن إعتقادها بأنه ليس هنالك شئ في الافق يدعو للتفاؤل و الثقة بالدعوتين الترکيتين لکنها مع ذلك أشارت الى أن المسألة برمتها قد لا تخرج عن مجرد مناورة محددة و تکتيك سياسي يهدف للوصول الى نتائج معينة لا تخرج إطلاقا عن الخط العام للسياسة الترکية. إلا أن الامر اللافت للنظر و الذي يجب الانتباه إليه جيدا، هو أن الدعوتان قد جاءتا بعد فترة غير مسبوقة من الهجمات العسکرية و التصريحات النارية العنيفة ضد حزب العمال الکوردستاني من جهة و ضد الحکومة الاقليمية الکوردية من جهة أخرى، ولاريب أن القاسم المشترك الاعظم الذي يجمع بين الدعوتين هو تيقن الاتراكquot;جنرالات و ساسةquot;من أن حملاتهم العسکرية و الامنية و السياسية ضد الکورد لن تأت بأية نتيجة مجدية بل و سيظلون يدورون في حلقة مفرغة ولذلك وبعد أن أدرکوا تماما أن کل ذلك العمل و التنسيق الاستخباري و العسکري بينهم و بين واشنطن و تل أبيب و طهران و دمشق لم يغير من الامر شيئا ولم يأت بأي جديد يخدم الرؤية العسکرتارية الترکية للقضية الکوردية، فقد أذعنوا أخيرا للأمر الواقع و ولوا وجوههم صوب الحلول السياسية التي يبدو أنها ستبدأ فيما ستبدأ بممارسة أکبر قدر ممکن من الضغط على رئيس إقليم کوردستان لکي يرضخ للمطاليب الترکية، بيد أن معظم التوقعات تشير الى أن البارزاني سيستمر بموقفهquot;التوافقيquot;بين الاتراك و حزب العمال الکوردستاني و سيسعى لطرح الحلول الوسطية التي تنطلق أساسا من إقرار الجانب الترکي بوجود مشکلة کوردية تحتاج لمعالجة جذرية.


لکن الامر الاهم الذي يجب على الجانبين الانتباه له جيدا، هو أن مسألة حتمية بناء علاقات ترکية ـ کوردية مبنية على أساس من المنطق هو مطلب سيخدم کلا الجانبين و سيساهم في معالجة الکثير من المشاکل و الازمات العالقة سيما لو إعتمدت على مبدأ الاخذ و العطاء.

نزار جاف
[email protected]