الكويت في حالة أزمة حركية مستمرة، وهي أزمة ليست مستحدثة و لا جديدة بل أنها متوارثة و دائمة منذ عقود أي منذ أن برزت الكويت الحديثة و أنطلقت إنطلاقة حضارية ملفتة للنظر بسبب جهود الرواد الأوائل من قادة البناء الوطني الحديث، وبسبب الرؤى الحضارية المتقدمة التي مكنت الكويت وهي في بداية إنطلاقتها أوائل ستينيات القرن الماضي من البروز و التألق و البناء و إستخدام الموارد بطريقة ذكية وعصرية تتلائم و المزاج الشعبي الكويتي العام الذي كان مزاجا منفتحا ينهل من معارف الدنيا في ظل إيمان عارم و توحيد شامل لم يكن يحتاج معه الشعب الكويتي لأي وصاية من أي عمامة و أي إتجاه.

فالتطرف في الكويت كان ظاهرة مرفوضة و مستهجنة، و التعصب للرأي و الفكرة كان حكرا على أوساط معزولة و محددة وهو أمر لم يكن في منهج الحاكم و لا في طبيعة المحكوم، فبالتوافق التاريخي و بتقديس الحرية و الدفاع عنها كان سر الخلطة الكويتية الجميلة التي قدمت للعالم العربي تجربة حضارية و مجتمعية غنية و متطورة أضحت مثالا لشعوب العالم الثالث في إستخدام الموارد و الخيرات في خدمة التنمية البشرية و التطور الثقافي، لقد أنجبت الكويت أجيال رائعة من الفنانين و المثقفين و ألأدباء وفي مختلف مجالات المعرفة و العلوم أسهموا في رفع رايتها عاليا وكانوا عنوانا للكويت الحديثة التي صارع أهلها الظروف الصعبة و المحن و الشدائد من أجل حمايتها و الذود عنها رغم كل الظروف الصعبة، كما كانت الكويت مطمعا لقوى دولية و إقليمية متصارعة حاولت طي الإرادة الوطنية الكويتية و الهيمنة عليها بل ومصادرة الكويت كوجود كياني و تحويلها لمحمية أو لتابع أو لمحافظة تاسعة عشر!!

وخابت كل تلك المحاولات و ذهب أصحابها لمصائرهم فيما بقيت الكويت تصارع البلوى و الزمان و الستراتيجيات الدولية المتغيرة، منذ معركة الجهراء عام 1920 رسم الكويتيون الآفاق المستقبلية العامة لدولتهم المستقبلية المتطورة وحددوا مكامن الخطر، و أختاروا نوعية النظام السياسي و الإجتماعي الذي يرغبون به و القائم أساسا على تقديس مبدأ الحرية و ترسيخ الديمقراطية و الإلتزام اليقيني و البديهي بثوابت الدين و العقيدة دون الحاجة لأجهزة إستخبارية أو ضميرية تحصي على الناس أنفاسهم و تصادر حرياتهم المسؤولة و تحدد لهم نوعية الشراب و الطعام و اللباس!!

فمن بذل دمائه في الدفاع عن هذا الكيان ووجوده و حريته لا يحتاج أبدا لمحاكم تفتيش منبثقة من عصور الظلام!، فالحر يعرف ما يفعل دون وصاية من أحد؟ و أهل الكويت الأحرار كانوا على الدوام عنوانا لكل ما هو خير و معطاء، لقد إستحقت الكويت إسم ( جوهرة الخليج العربي ) في ستينيات القرن الماضي بينما كان غيرها يحبو بسلحفاتية بطيئة!

و تمكنت الكويت من ألأخذ بناصية التقدم بعد إكتشاف الذهب الأسود منذ عهد المغفور له الشيخ أحمد الجابر مرورا برجل الإستقلال المغفور له الشيخ عبد الله السالم و تواصلا مع مسيرة البناء التي رسمها المغفور له الشيخ صباح السالم وحتى مرحلة المغفور له الشيخ جابر الأحمد التي كانت من أشد مراحل البناء الكويتي تحديا و شراسة و تحولا و الذي شهد عهده المتغيرات الإقليمية الكبرى التي توجت بجريمة غزو و إحتلال و إستباحة دولة الكويت من قبل نظام المشنوق صدام حسين في العراق و بررزت خلالها المخاطر الإرهابية الحقيقية التي حاولت جاهدة الإضرار بالكويت وموقف الشيخين الراحلين جابر الأحمد و المغفور له الشيخ سعد العبدالله التاريخي في تحقيق الإستقلال الثاني و التأكيدي للكويت بعد ملحمة التحرير التي إستنفذت جهود و طاقات جبارة و رسمت خطوطا حمراء فوق كل الرمال، حتى إستقرت السفينة الكويتية بيد النوخذة الماهر و الخبير في دهاليز الدولة و الإدارة طيلة مرحلة الإستقلال الشيخ صباح الأحمد وحيث تقف الكويت اليوم أمام ظواهر و متغيرات دولية و إقليمية عديدة و تحاول صد رياح عاتية هي من مخلفات مرحلة الصراع الإقليمي الشرس و الحاد، وليس سرا أبدا القول بأن الكويت اليوم مستهدفة أكثر من أي وقت مضى من خلال عمليات تمزيق التلاحم الوطني و زرع حالة الشقاق المذهبي و الديني في مجتمع لم يقم أبدا وزنا للتباينات الفكرية و أعتبرها حالة طبيعية، فالكويت للجميع و ليس لفئة أو حزب أو تيار أو مذهب!

كما أن محاولة تقسيم المجتمع الموحد، وفرض نزعات متعصبة عليه، و مطاردة و تهديد أهل الرؤى الحرة و التلويح بسيوف التكفير جميعها أساليب عدوانية تهدف لإرهاب المواطن الكويتي الذي رضع من أثداء الحرية المسؤولة منذ نعومة أظافره، الكويتيون ليسوا بحاجة لوصاية من أي جهة مهما بلغت قدسيتها وورعها المفترضين، و الكويتيون قد شبوا عن الطوق وجابهوا مختلف المحن و الشدائد و خاضوا معترك العواصف العاتية فلم يتزعزع إيمانهم بوطنهم و لا بوحدتهم الوطنية ولم يتحدثوا يوما عن السني الكويتي أو الشيعي الكويتي بل تحدثوا عن الكويت الحرة العربية المستقلة المؤمنة دون تعصب و لا إنغلاق.


من يلاحظ و يتابع مسلسل الأزمات المفتعلة و التداعيات السلبية الجارية في الكويت سيلمس على الفور من أن هنالك مخططات خارجية يتم تنفيذها بنشاط ملحوظ لا تخطيء العين الخبيرة أبدا قراءة دلالاته و رموزه و معانيه، فالخلايا السرية الإيرانية تحديدا متواجدة وواضحة وهي ليست جديدة، ومحاولات زرع كل أسباب و عوامل الفتنة الداخلية تعمل عليها أطراف عديدة و التحالف بين المتطرفين و المتعصبين لمصادرة الكويت قد وصل أقصى غاياته!!

و ثمة مياه كثيرة في ألأفواه!! وأهل القرار في الكويت يحيطون تماما بكل الملفات ما خفي منها و ما ظهر و يستعدون للتعامل معها بحكمة و تروي، فالحفاظ على الديمقراطية و الدفاع عن أمن المواطن الكويتي و تعزيز المسيرة وحفظ الوحدة الوطنية هي أمور مصيرية تتطلب مقاربات دقيقة وحاسمة و حساسة في مختلف المجالات!! وقد أثبت الكويتيون طيلة العقود الأخيرة بأنهم ليسوا على إستعداد للخضوع و لا الإنحناء إلا لرب العزة و الجلال... و لن يفلح الدجالون و المندسون من حيث أتوا... و إياك أعني و أسمعي يا جارة..؟.

[email protected]