مما لاشك فيه ان العلاقة بين دمشق وطهران بعد رحيل الرئيس حافظ الاسد قد شهدت قفزة نوعية مكنت ايران من الامساك بجميع خيوط هذه العلاقة وحولت سورية الى تابع لايران اكثر منها شريك استراتيجيlsquo; حيث بلغ النفوذ الايراني في بعض الدوائر السورية حداً مكنها من التأثير في الكثير من المواقف السياسية السورية وتحويل مسارعلاقات دمشق العربية والدولي بالاتجاه الذي يخدم المصالح الايرانية اكثر مما يخدم المصلحة السورية lsquo; وهذا ما تسبب في التأثير على المكانة والدور الذي كانت تشغله دمشق في ما مضى وهو ما جعلها تفقد تحالفاتها العربية السابقة و مكانتها الاقليمية والدولية التي كانت عليها في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد. لقد تحملت سورية خلال السنوات الماضيةlsquo; جراء انسياقها وراء المواقف الايرانية lsquo; ضريبة باهضة الثمن كان من بينها فقدها التحالف مع القاهرة والرياض اللتين كانتا قد مكنتها في السابق من الحصول دور محوري يمتد من المشرق العربي الى مغربه. ولكن على الرغم من هذا الانسياق السوري وراء السياسات الايرانية المعادية للعرب lsquo; فقد بقيت الرياض والقاهرة ومعهما عواصم عربية اخرى تسعيان في اعادة دمشق الى حاضنتها الطبيعية وحمايتها من خطر المشروع الايراني الذي لا يقل خطرا عن المشروع الصهيوني الذي كانت سورية في العهود الماضية قد لعبت دورا كبيرا في التصدي له ومقاومته باعتمادها على عمقها العربي.


لقد اسفرت المساعي العربية للملمة الشمل lsquo;الذي برزت في مؤتمرالقمة الاقتصادية العربية التي انعقتد في الكويت في يناير2009م وبعدها في مؤتمر القمة العربية في الدوحة lsquo; عن النجاح في اعادة اللحمة بين سورية والعواصم العربية التي كان وصل دمشق قد انقطع بها lsquo; وقد زادت زيارة العاهل السعودي الملك عبدالله الاخيرة الى دمشق من تعزيز من هذه اللحمة حيث انها كانت ضرورية وهامة في انقاذ سورية من خطر المشروع الايراني lsquo; واهمية هذه الزيارة يمكن قرأتها في عيون النظام الايراني الذي حاولت وسائل اعلامه وابواقه الدعائية التقليل من اهمية هذه الزيارة ومهاجمتها في احيان اخرى.


ولكن لماذا امتعض الايرانيون من هذه الزيارة؟.
من الطبيعي ان ايران التي عملت وبذلت سعيا كبيرا في عزل سورية عن محيطها العربي lsquo; مدركة تماما لاهمية سورية وموقعها في المعادلة الاقليمية والدولية lsquo;و تعلم جيدا ان الكفة التي تقف معها دمشق ستكون كفة راجحة lsquo; خصوصا حين يكون في هذه الكفة كل من القاهرة والرياض اللذان يتصديان لخطر المشروع الايراني واللذان تمكنا لحد الان من افشال الكثير من حلقات هذا المشروع lsquo; لاسيما في لبنان وفلسطينlsquo; ويسعيان بكل قوة لافشال واحدة من اقوى حلقاتهlsquo; وهي اللعبة الايرانية الرامية لسلخ العراق من عروبته وتحوله الى حديقة خلفية لطهران و مركزا لتجميع التنظيمات الطائفية والعصابات الاجرامية و وضعها في خدمة مشروعها التوسعي الرامي الى فرض الهيمنة الايرانية على المنطقة العربية.


ان المسعى الايراني الذي اعتمد على دمشق في الغاء معادلة توازن القوى بين ايران والبلدان العربية lsquo;يرى المراقبون انه قد باء بالفشل بعد ان نجحت المملكة العربية السعودية في اعادة اللحملة بينها وبين سورية حيث اثمرت زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدمشق عن نجاح مساعي الطرفين في لبنان واتفاق وجهات نظرهما على تشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة برئاسة سعد الحريري و التي بشر رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب اردوغان يوم أمس السبت بقرب اعلن هذه الحكومة خلال ايام. وهذا بحد ذاته ضربة لايران التي سعت الى جعل الساحة اللبنانية ساحة توتر و نزاعات دائمة لضمان بقاء نفوذها من خلال القوى المرتبطة بها lsquo; هذه القوى التي لا يمكنها العيش الا من خلال اشاعة الفوضى والنزاعات واللجوء الى قوة السلاح لفرض وجودها.


ان الاتفاق على تشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة لم يكن وحده ثمار اللقاء السوري السعودي lsquo; و انما هناك ثمار اخرى يعتقد المراقبون انها قد جنيت من وراء هذا اللقاء وهي تتعلق بالساحة العراقية التي اصبحت بالنسبة للسعودية وسورية اكثر اهمية من الساحة اللبنانية حيث اصبح النفوذ الايراني - الاسرائيلي في العراق يشكل خطرا حقيقيا على كليهما lsquo; خصوصا و ان سورية التي وجدت نفسها محاصرة بين كماشة اسرائيلية في الشرق والغرب lsquo; قد ادركت ان تنامي النفوذ الاسرائيلي في العراق انما جاء بسبب العملية السياسية التي وضعها الاحتلال الامريكي لادارة هذا البلد بالاعتماد على القوى والاحزاب الموالية لطهران و قد اخذت هذه القوى تعلن معاداتها لسورية بشكل واضحا وصريح وهذا يفرض على سورية تمتين علاقاتها العربية و اعادة وصل ما سعت ايران بقطعه بين دمشق والرياض من قبل.


ان ثمار التعاون السوري السعودي لحماية العراق من الخطر الهيمنة الاسرائيلية ndash; الايرانيةlsquo; تتوقع ايران ان تظهر اثاره في الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة التي من المؤكد اذا ما اتيح لها الحد الادنى من النزاهة فانها سوف تقلل من فوز وهيمنة الاحزاب الطائفية والعصابات الاجرامية و ترجيح كفة القوى المعادية للاحتلال و النفوذ الاسرائيلي - الايراني في العراق lsquo; وفي حال نجاح مثل هذه القوى في الانتخابات القادمة فان ذلك سيكون ضربة لايران وتخفيفا للتهديدات التي تواجه سورية والسعودية ومصر والبلدان العربية من جانب القوى المرتبطة بايران والكيان الاسرائيلي lsquo; وسوف تحافظ على عروبة العراق.


لهذه الاسباب lsquo; وغيرها من الاسباب السياسية الاخرى lsquo; جاء الامتعاض الايراني من زيارة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الاخيرة لدمشق. وما خفي كان اعظم.


كاتب احوازي