فى اليوم الثاني من شباط/فبراير الجاري، كان السيد وين جياباو رئيس وزراء الصين يتحدث فى مؤتمر صحفي فى جامعة كامبردج فى لندن حول الأوضاع الاقتصادية العالمية المتدهورة، عندما نهض شخص كان يجلس فى نهاية قاعة المؤتمر ورمى بحذائه المستهلك باتجاه الرئيس الصيني وهو يصرخ طالبا من الحضور أن يحتجوا على زيارته، وسقط الحذاء على مسافة متر واحد من الهدف، وألقت الشرطة البريطانية القبض على رامى الحذاء واقتيد مخفورا.
وبعد دقائق بدأت الصحف الألكترونية العالمية بنشر هذا الخبر المثير، وكلها تشير الى ما قام به الصحفي العراقي الفاشل منتظر الزيدي عندما رمى بحذائه باتجاه الرئيس السابق جورج بوش فى المؤتمر الصحفى فى بغداد فى منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، وصفق له من أمثاله فى العراق وغيره، والذين قاموا بتظاهرات رفعوا فيها الأحذية فوق رؤوسهم فى العراق وبلدان أخرى، وآخرون شيدوا صرحا ضخما (للحذاء الزيدي) من البرونز فى احدى الساحات العامة فى تكريت. وحيث أن تلك الساحة هى ملك للدولة ولا يجوز التصرف بها الا باذن خطي من الدولة، فقد أزالت الجهات المسؤوولة (الصرح) فى اليوم التالي لنصبه.
العراق، بلاد ما بين النهرين مهد الحضارات ومهبط الرسالات، ومسلة حمورابى التى سطر عليها أقدم القوانين فى العالم، والذى اخترع أبناؤه الكتابة المسمارية والعجلة، وقامت فيه أول جامعة فى العالم، تعلم فيها فطاحل الطب والفلك والهندسة والرياضيات والأدباء المعروفة أسماؤهم فى كل أنحاء العالم اليوم. هذا العراق تخرج فيه رامي الأحذية الزيدى وطبقت شهرته الآفاق! وسار على خطاه الشخص الذى رمى اليوم الحذاء على الرئيس الصيني فى لندن. وقد تتكرر هذه الواقعة فى بلدان أخرى أيضا، ليعود اسم العراق تلهج به الألسن فى كل مكان وتذكر أنه أول بلد فى العالم يودع زائرا له بالأحذية!.
جورج بوش رئيس الولايات المتحدة السابق، خلصنا من حزب البعث الفاشي ورئيسه صدام الذى جثم على صدورنا ما يقرب من أربعين عاما، حكم هو وعائلته والمقربون اليه العراق بالنار والحديد واستعبدوا أهله وسرقوا ثرواته، وأدخلوه فى حروب جنونية قضت على مئات الآلاف من الشبان المجندين، وأضعاف ذلك من المدنيين، وبعد كل هزيمة يحتفلون بانتصارهم ويقيمون الحفلات الصاخبة الساهرة غير آبهين بمن فقدوا أحبتهم من العراقيين فى تلك الحروب. لا يمكن أن ننسى تلك الحسنة لبوش ولكننا لا يمكن أن ننسى أيضا سياسته الحمقاء الخرقاء التى كلفت العراق الكثير من الدماء وتدمير البنية التحتية للبلد. ولكن فى كل الأحوال فان رمي الحذاء عليه وهو بيننا وفى بلدنا كان عملا منافيا للأخلاق، لا يجب أن يمر دون عقاب.
ومن المضحك المبكي أن يطالب السيد محمد الدايني عضو مجلس النواب العراقي باطلاق سراح الزيدي قائلا بأن ثلث أعضاء مجلس النواب طالبوا الادعاء العام باطلاق سراحه. وبما أن نتائج انتخاب مجالس المحافظات الأولية تبشر بانحسار المد الديني الطائفي، فسوف لا يعود هذا(الثلث) الى مقاعدهم بعد الانتخابات القادمة، التى سيحتلها الكفوئين الذين يقدمون مصلحة العراق فوق كل شيء.
وليس السيد محمد الدايني وحده فى الميدان، وانما يطالب باطلاق سراح الزيدي جميع البعثيين العراقيين، ومنهم صلاح المختار الساكن فى بريطانيا حبيب تلفزيون الجزيرة، وخليل الدليمي محامي صدام، ومشعان الجبوري الغني عن التعريف، وصلاح العرموطي رئيس نقابة المحامين الأردنيين، وهيئة العلماء المسلمين، وحازم الأعرجى والمئات من أتباع مقتدى الصدر فى مدينة بغداد والثورة، واتحاد الصحفيين العرب فى القاهرة، واتحاد الصحفيين فى سورية. ومنذ مدة طالب كل من الشيخ محمد الشامي خطيب صلاة الجمعة فى مرقد الامام الكاظم، والشيخ عثمان رحيم خطيب صلاة الجمعة فى جامع الامام أبو حنيفة.
هؤلاء بمجموعهم يشكلون أقلية، ولا اخالهم يؤيدون فى سرائرهم ما فعله الزيدي، وانما أيدوه لمصالح سياسة ومصالح خاصة أو نكاية لحكومة المالكي وممن أصابهم الأذى على أيدي الجنود الأمريكيين، وقد يغير أكثرهم رأيه بعد ظهور النتائج الانتخابية النهائية.
عاطف العزي