كنت قد آثرت البكاء على الإنسان الفلسطيني.. والصمت عن الموضوع الفلسطيني.. ولكنني لم أستطع تمالك نفسي بعد قراءة تقرير الأستاذ نبيل شرف الدين من القاهره.. فبينما تعمل مصر جاهدة على المصالحه بين حماس وفتح.. يطل القيادي الحماسي خالد مشعل من فيلته الآمنة الأنيقه في دمشق ليعلن عن الحاجه لإنشاء بديل لمنظمة التحرير.. وأن حركته ستعمل على بناء مرجعيه وطنيه فلسطينيه تمثل الداخل والخارج وتضم قوى الشعب الفلسطيني وتياراته الوطنيه..
حماس ضحت بأبناء الشعب الفلسطيني حماية لإستمراريتها في السلطه.. ولإكتساب مصداقية دولية وعالميه تجبر المجتمع الدولي على الإعتراف بها.. والتعامل معها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.
حقيقة أن حماس اكتسبت مصداقية شرعية حين إنتخبها أبناء الشعب الفلسطيني.. ولكن الذي لا نستطيع إنكاره أيضا أنها لم تستطيع إكتساب مصداقية من الدول العربية خوفا من إمتداد الأيدلوجيه المتطرفه التي تربطها بباقي المنظمات الإسلاميه في تلك الدول.... وأيضا لإلتصاقها بالنظام الإيراني الذي يهدد أنظمة تلك الدول.. ناهيك عن موقف الدول الغربية التي رفضت الإعتراف بها إلا إذا إعترفت حماس بحق إسرائيل في الوجود.. وتغيير ميثاقها الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل.. . برغم إعتراف هذه الدول بحق الفلسطينيين في العيش في دولتهم ضمن حدود القرار 242.. أي 22% من الأرض الفلسطينيه...
ولكن هذه الدول بأجمعها حتى تلك التي أيدت حماس في إطلاقها صواريخها العبثيه على سيدروت.. لم تحرك ساكنا لتوقف إسرائيل عن العدوان على أبناء غزة وسارعت إلى نفي أي علاقة لها بهذه الصواريخ التي أطلقت من حدودها.
إضافة إلى أن حماس لم تستشر الإنسان الفلسطيني القابع في غزة في إطلاق تلك الصواريخ العبثيه بالقرب من منزله.. وتعريض حياته وحياة أبناؤه للقتل والدمار ثم إحتفلت بنصر موهوم.. وأعطت إيلي كارمون الباحث الإسرائيلي البرهان الكافي لأن يتبجح بخطر حماس وخطر صواريخها الكرتونيه على الدولة والإنسان الإسرائيلي.. ليستصرخ العالم مرة أخرى من الخطر الذي يحيط بإسرائيل.. ويبرر عدوانها البربري على أبناء غزة.. وفي معرض تضخيم التبريرات الإسرائيليه تحت الذريعة المعهودة.. وهي الحفاظ على أمن إسرائيل.. يرفض أيلي كارمون الإعتراف بتضحية إسرائيل بالمبادىء الإنسانية التي إستندت إليها للحصول على تأييد العالم لحقها في الوجود..وضحت بما إستندت إليه الديانه اليهوديه من قيم تستند إلى العدل والإنسانيه.. في سبيل وأد كل من يتجرأ على المس بأمن الدوله الإسرائيليه..
وكما في كل مرة وحين تقع إسرائيل في ورطة حرب تمس بصورتها كدولة تدّعي بالسعى للسلام مع جيرانها..وتنجح في إستقطاب جميع الإسرائيليين إضافة إلى معظم يهود العالم للوقوف إلى جانبها حماية لها.. إلا أنها وفي هذه المرة بالذات لم تستطع إستقطاب يهود العالم ولا المجتمع الدولي.. بل ولأول مرة خرجت أصوات يهودية عالية كثيرة تندد بمذبحة غزة وتطالب المجتمع الدولي بأكمله في تحجيم جموح الدوله الإسرائيليه حماية لها من الإنقراض. وحماية للديانه اليهوديه.. والأهم حماية ليهود العالم من ميلاد جديد من العداء للسامية.
النتيجه الحتميه التي توصلت إليها.. أن كلا الآلتين العسكريتين.. الإسرائيلية والحمساوية خاسرا.. ليس فقط بعدد الأرواح.. ولكن خاسرا في معركة المبادىء الإنسانية التي قد تعينهما على التفاوض لاحقا أو على العمل على إنهاء هذا الصراع الذي أصبح يأكل في طريقه مبادىء حقوق الإنسان والعداله وغيرها من المبادىء العالمية كلها.. كلاهما خاسرا وإن كانت الخسارة الفلسطينيه تفوق بأضعاف أضعاف الخسارة الإسرائيليه..برغم زيادة أعداد الميليشيا العسكريه لحماس من ثلاثة الآف إلى عشرين ألف كما يدعي إيلي كارمون.. لم يقتل منهم سوى ما يقارب الخمسون خلال معركة النصر الكبرى في غزة..
الكارثه الأهم هو..هل إنضمام مثل هذا العدد لميليشيا حماس يقع تحت بند أيدلوجي متطرف كما تتمنى المنظمات الإسلاميه.. أم أن العوامل الأخرى متضافرة هي ما حدت بالشباب الفلسطيني للإلتحاق بأي عمل.. حتى وإن كان التضحية بحياته..
سيدي القارىء.. حين لا يصبح معنى للحياه في ظل فقر وجوع وبطاله وإختفاء الأمل إضافة إلى جرح دامي ومستمر للكرامه..حينه تستعمل المنظمات الدين كأفيون للشعوب. وهذه العوامل مجتمعه هي اكبر خطر على الأمن الإسرائيلي والأمن العالمي..بما فيه امن المنطقه العربية..
حقيقة إن بناء هذه الأنفاق بدأ العمل به لسد حاجة الفلسطينيون من الغذاء بعدما أحكمت إسرائيل حصار القطاع بعملية قتل بطىء لكل ما يتصل بالحياة.ولكن الحقيقة أيضا أن حماس إستعملت هذه الأنفاق لتمرير معدات عسكريه.. وهو ما حذا بمصر إلى االتنسيق الأمني المباشر مع إسرائيل في سبيل حماية نفسها من إنتقامت إسرائيليه برغم التعاطف الكامل مع الإنسان الفلسطيني.. كان من الأولى لحماس بدلا من إطلاق صواريخ كرتونيه تزيد من تبريرات إسرائيل بأنها تخشى على نفسها من العالم العربي والإسلامي أن تحاول ردم الهوة بينها وبين فتح من أجل مصلحة الإنسان الفلسطيني.. لا أن يخرج علينا قادتها من جحورهم الآمنه بتصريحات تضر بالإنسان الفلسطيني.. سواء بمبدأ الدولتين والذي في طريقه لأن يصبح حلما.. ولا في مبدأ الدولة الواحده التي ترفضها إسرائيل والمجتمع الدولي بأجمعه.. لأنها تؤكد الخوف الإسرائيلي والعالمي من الإسلام السياسي وكيف سيتعامل مع اهل الذمه.. مصطلح الأقليات في الدوله الإسلاميه..
والآن يواجه فلسطينيو غزة التدمير الكامل للبنيه التحتيه.. ويرفض الإتحاد الأوروبي تقديم معونات جديديه كما أعلن المفوض الاوروبي للتنمية لوي ميشال الذي قال quot;quot; قد طفح الكيل من ان ندفع مرارا وتكرارا سواء المفوضية او الدول الاعضاء او الجهات المانحة الكبرى لاقامة بنى تحتية تدمر في كل مرة بانتظامquot;quot;
وأضيف بصواريخ إسرائيل.. وبرعونة حماس؟؟؟ التي إعترفت مثلما إعترف نصر الله بأنها لو كانت تعرف قسوة الرد الإسرائيلي لما قامت بضرب تلك الصواريخ.. ومع ذلك سارت في مواكب نصر في غزة على أنقاض جثث أطفال غزة.
وأعتقد جازمة بأنها خسرت جميع أصوات الناخبين المستقبليه سواء في غزة أو في الضفة الغربيه..لأن الفلسطيني مل من الوعود الوهمية ويتطلع إلى الحياة مثل بقية خلق الله في أمن وأمان وأمل لمستقبل أفضل..
الأمل الوحيد لحل هذا الصراع هو العمل بصدق وجديه للمصالحه الوطنيه الفلسطينيه أولا.. ثم تقوية موقف الرئيس أوباما من خلال دعم لصوت عربي واحد يعمل على..
- تقوية الأصوات اليهوديه في العالم اجمع التي تندد بأطماع إسرائيل وتطالب بحل الدولتين على أساس الشرعية الدوليه..
- حملة توعية عالميه تبين تكلفة هذا الصراع بشريا.. وماديا على دافعي الضرائب..
- تكلفة هذا الصراع الأخلاقيه على المبادىء العالميه لحقوق الإنسان.. وبالتحديد تعارضه من مبادىء الدستور الأميركي والتي على مبادئها نجح اوباما في الإنتخابات الأميركيه..
سيدي القارىء..
لقد وصل هذا الصراع إلى عتبات بيوتنا.. وأقض مجاضعنا.. ولكن ليس هناك من مفر لحله سوى بديبلوماسيه جديده تستند إلى الحقوق العالمية للإنسان بما فيها الإنسان اليهودي..
نعم نكرة السياسه الإسرائيليه.. ولكن يجب أن نرفض كره اليهود..
لا نريد الإعتراف بإسرائيل.. ولكن وجود اليهود هناك أصبح واقع لا محالة فيه..
لن ننسى فلسطين.. ولكني اجزم قاطعة بأنه ليس هناك أم فلسطينيه تريد السير إليها فوق جثث أطفالها.. أو على أنقاض بيتها..
لم تعد الأرض مقدسه لا للمسلمين ولا لليهود.. لأنها تقوم الآن على جثث أطفال أبرياء.. من أجل إنتصارات وهمية زادت من الحريق والبغض والكراهيه..
إنتصارات وهمية تزيد من شعلة النار التي تحرق الجميع.. نعم أقولها بكل صدق وصراحه.. حين تصبح الأيدلوجية نارا تهدد بحرقنا جميعا. فإنه آن الأوان لدفن هذه الأيدلوجيه قبل أن تدفننا جميعا...

أحلام أكرم - ناشطه وباحثه في حقوق الإنسان