رغم أن النظام البعثي البائد و الذي حكم العراق أطول فترة في تاريخه المعاصر ( 1968 / 2003) كان يرفع شعاره الشهير: لا طائفية و لا عشائرية في عراق البعث!!، إلا أن نتائج الممارسة الميدانية و الحصيلة النهائية كانت مرعبة، فالنظام السابق البائد كان عشائريا حتى الثمالة! و نجح بإمتياز مدهش في تمزيق المجتمع العراقي و زرع بذور الشقاق و النفاق في مجتمع كان و لا زال يمتلك كل عوامل التمزق و ألإنقسام، و لم يرحل ذلك النظام تحت جنازير دبابات الإحتلال الأميركي إلا بعد أن نجح في تكريس التقسيم المجتمعي و في إطلاق نظريته الشهيرة بالعمل على تحويل العراق لبلد دون شعب و في إشاعة الإرهاب بعد أن تراجعت شعارات حزب البعث العلمانية لصالح مشروع الدروشة الدينية التي دخلها صدام في العقد الأخير من حكمه بعد الهزيمة المريعة في رمال الكويت ثم دخول العراق تحت طائلة أقسى عقوبات حصار دولية في تاريخ الشعوب المعاصر وهو ما هيأ التربة العراقية بشكل كامل لتكون مسرحا لحروب أهلية و عشائرية و طائفية لن تبقي أو تذر! وهو ما حدث فعلا بعد سقوط النظام و تحول المجاميع المخابراتية الرديفة لمجاميع دينية و طائفية من كلا الطائفتين الكبيرتين في العراق فظهرت التيارات التكفيرية السلفية المتوحشة كما ظهرت التيارات الشيعية المتطرفة ودخل العراق في حافة الحرب ألأهلية المروعة التي تسببت حتى اليوم بهجرة و تهجير الملايين ووضع البلد بأسره على كف عفريت و بشلالات لم تنقطع من الدماء المجانية تسفك يوميا كما كانت ظاهرة الإقتتال المتوحش ضمن إطار الطائفة الواحدة، فالشيعة مثلا رفعوا السلاح في وجوه بعضهم البعض وحدثت مجازر رهيبة بين التيارات الشيعية المتباينة كما حدث في مجازر الحروب بين الدولة و التيار الصدري في النجف و مدينة الثورة و البصرة و العمارة و الناصرية و الديوانية، أو كما حصل في المجزرة الغامضة ضد ما يسمى بجماعة ( جند السماء ) في منطقة الزركا على حدود النجف و التي إنتهت بقيام الأميركان بقتل أكثر من 650 إنسان قيل أنهم كانوا في طريقهم لقتل المراجع الكبار!! في واحد من أشد الملفات غموضا في تاريخ العراق المعاصر!، هذا غير حروب الإغتيالات التي تقوم بها المجاميع الإيرانية الخاصة المدعومة من فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني و التي دعمت قوى إرهابية شيعية معروفة من أمثال (ثأر الله) و (بقية الله).. و غيرها من الجماعات الخرافية.. وهو ما ساهم فيما بعد في توعية الشارع الشعبي الشيعي بمخاطر الإفراط في التخندق الطائفي و بما أفرز روحا ليبرالية واضحة إمتدت لقيادة حزب الدعوة / تيار المالكي الذي يطرح اليوم شعارات و رؤى ليبرالية ووطنية بعيدة كل البعد عن شعارات التخندق الطائفي، و رغم أن غرب العراق كان قد تحول منذ سقوط النظام السابق لميدان حرب فعلي بعد إنتشار جماعة القاعدة و تحاف بقايا البعث مع الجماعات الدينية و التكفيرية المسلحة مما تسبب بكوارث و مجازر هائلة هناك خصوصا و أن تلك المنطقة كانت معروفة بكونها الخزان البشري للقيادات العسكرية للنظام السابق، كما أنها معروفة أيضا بنفوذ جماعة و تنظيم (الإخوان المسلمين) الذي لم يكن له أي نشاط حقيقي خلال نظام البعث السابق و لكنه نشط فجأة بعد السقوط ليظهر الحزب الإسلامي بقياداته التي كان معظمها يعمل ضمن صفوف حزب البعث البائد و بعد التخندق الطائفي تحول الولاء ليبرز الحزب الإسلامي و ليكون في مواجهة العشائر العربية في غرب العراق التي إنخرطت في مشروع الصحوات الموجه أساسا ضد تنظيم القاعدة وطرد الغرباء من المنطقة وهو ما حدث على أيدي رجال العشائر الذين كانوا يعملون في الجيش العراقي السابق و يمتلكون السلاح و الخبرة الميدانية و باتوا اليوم يتطلعون للمشاركة الفاعلة في السلطة الجديدة بإعتبارهم قوة ميدانية إستطاعت فرض الأمن و السلام في مناطقهم!، وكان الصراع الإنتخابي الأخير حول نتائج الإنتخابات المحلية و التنافس المحموم بينهم و بين الحزب الإسلامي ليوتر الموقف و بما يهدد بإشعال حروب ضد بينية مروعة قد تنتهي بمجازر رهيبة و بتصفية كارثية إذ يبدو أن الديمقراطية المسلوقة في مجتمعات الشرق المتخلفة لا تستطيع أبدا أن تغير في سنوات قليلة تراث تاريخي و إجتماعي طويل من التخلف و العنجهية و الإحتكام للغة القوة و العنف و تصفية الخصوم جسديا، فالإنتخابات لا تعني أن الديمقراطية قد فرضت رؤاها بقدر ما تعني أن التخلف قد طور نفسه و تكيف مع المستجدات و لبس لبوسا أخرى!!، و الطريق في العراق ما زال طويلا للغاية من أجل الوصول لحالة الأمان الطائفي و السلم الأهلي، فبعد حروب الطوائف و يا لثارات قريش تظل حروب العشائر و رايات البسوس و داحس و الغبراء تهيمن على الروح العشائرية في العراق لآماد ليست منظورة.. فالتخلف في العراق قد إكتسب الجنسية العراقية بإمتياز.. فأنتظروا مصارع الرجال..!!.

[email protected]