يقول رجل الدين الإيراني محسن كديور في كتابه quot;نظريات الحكم في الفقه الشيعيquot; إن quot;أول فقيه بحث في التفصيل في مسألة ولاية الفقيه وجعل منها مسألة فقهية مستقلة وأقام عليها الدليل العقلي والأدلة النقلية المتعددة هو الشيخ أحمد النراقي، فقيه العصر القاجاري المتبحر، في كتابه عوائد الأيام، الذي يشير فيه إلى مسألة ولاية الفقيه لأول مرة بصورة يمكن اعتبارها جزءا من الفكر السياسي، حيث يجعل النراقي قضية إدارة الشؤون الدنيوية للناس من واجبات الفقهاءquot;. لكن الباحث السعودي توفيق السيف يذكر في كتابه quot;حدود الديموقراطية الدينيةquot; بأنه لم يجد أية إشارة إلى البعد السياسي في نظرية النراقي، ويقول بأن النراقي يطرح أمثلة عديدة لإيضاح الصلاحيات التي يتمتع بها الفقيه، لكن أيا من هذه الصلاحيات لا ينتمي إلى المجال السياسي بالمعنى الفني، مؤكدا بأن التأسيس النظري الذي قدمه وفّر للعلماء (رجال الدين الفقهاء) اللاحقين نظرية جاهزة بمقدماتها وأدلتها وبنيتها، قابلة للاستعمال في المجال السياسي.


يعتبر مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله الخميني أول فقيه في التاريخ الشيعي ينجح في تأسيس دولة ولاية الفقيه. وتقوم نظريته الخاصة في الحكومة الإسلامية على أركان أربعة، يوضحها كديور بالتالي: أولا، حاجة الإسلام إلى قيام الدولة من أجل تطبيق قسم كبير من أحكامه. ثانيا، أن إقامة الحكومة الإسلامية وإعداد مقدماتها، ومن بينها المعارضة العلنية للظالمين، من واجبات الفقهاء العدول، وأن اتّباع الناس لهم ومساندتهم، هي من الأمور الواجبة. ثالثا، أن الحكومة الإسلامية تعني ممارسة الفقهاء العدول المعينين من جانب الشارع المقدس لولايتهم في كل الجوانب الحكومية التي كانت تسري عليها ولاية النبي والإمام المعصوم. رابعا، أن الحكومة الإسلامية والقوانين الصادرة عنها تعتبر من الأحكام الأولية، وتتمتع بالأولوية والتقدم على جميع الأحكام الفرعية، وأن حفظ النظام واجب شرعي.


ويشرح الخميني في quot;المكاسب المحرمةquot; معنى ولاية الفقيه بالقول بأنه على أساس روايات عديدة منقولة عن الأئمة (الشيعة) المعصومين فإن الدليل العقلي والدليل المشترك من العقل والنقل يشيران كلاهما إلى تفويض الفقهاء العدول الولاية على المجتمع الإنساني في عصر غيبة إمام الزمان المهدي المنتظر من قبل الشارع المقدس، وذلك بصورة مباشرة وبلا واسطة من الناس، وإن الشارع الجاعل للولاية يعتبر الفقهاء العدول منصوبين للولاية، كما يعتبر الناس مولّى عليهم. ويوضِّح الخميني، مثلما جاء في quot;صحيفة النورquot;، بأن ولاية الفقيه هي نفس الولاية التي أعطاها الله إلى نبيه الكريم والأئمة، وهي من أهم الأحكام الإلهية، ومتقدمة على جميع الأحكام الإلهية، ولا تتقيد صلاحيتها في إطار هذه الأحكام، فالحكومة واحدة من الأحكام الأولية وهي مقدمة على الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج، وتستطيع الحكومة أن تلغي من جانب واحد الاتفاقيات الشرعية التي تعقدها مع الأمة إذا رأت أنها مخالفة لمصالح الإسلام أو الدولة، كما تستطيع أن تقف أمام أي أمر عبادي أو غير عبادي يخالف المصالح العامة، وللحكومة صلاحيات أوسع من ذلك.


ويشرح كديور ما جاء عن الخميني في quot;صحيفة النورquot; بالقول بأن ولي الفقيه يستطيع أن يحكم على ضوء مصلحة النظام بصورة أوسع من دائرة الشرع، وأن أحكامه ليست فقط واجبة الاتباع والإطاعة وإنما هي مقدمة على جميع الأحكام الشرعية الفرعية إذا تزاحمت معها. ويقول السيف في هذا الإطار إن الخميني ينطلق من فكرة فحواها أن الدولة تمثل أداة قوية لخلق البيئة الضرورية لجعل التعاليم الدينية قابلة للتطبيق، وهي تلعب بالتالي دور المقدمة الضرورية لإنجاز الأهداف الدينية وتسهيل ممارسة الشعائر في آن واحد.


فيما يتعلق بعدم الالتزام بالقوانين البشرية ومن جملتها الدستور، يقول كديور quot;تتحدد الولاية القائمة على أساس الشرعية الإلهية المباشرة، من الشارع المقدس وليس من الناس المولى عليهمquot;، موضحا بأنه quot;ليس للناس المولىّ عليهم دور في نصب الولي الفقيه أو عزله، حيث إن نصب الفقهاء العدول جاء من قبل الشارع، ولا يكون عزلهم إلا مع سقوط صفة العدالة أو الفقاهة. ومن ثم فإن يد الناس، مثل جميع المولىّ عليهم، قاصرة عن نصب الولي الشرعي أو عزلهquot;. كما quot;ليس للناس المولىّ عليهم حق التدخل في أعمال الولاية أو الإشراف على أعمال الولي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والاعتراف بحق كهذا للأمة أو ممثليها يعني رفض الولاية وخروج الأمة عن عنوان المولىّ عليهم الشرعيquot;، فولاية الفقيه العادل على الناس quot;إجبارية وليست اختياريةquot;، وquot;تشمل جميع الناس من كل جنس ولون وعرق ووطن ودين ومذهب، وهي ليست محدودة بالحدود الجغرافية، ويجب على جميع الناس في العالم إطاعة الولي الفقيه، وليس المسلمون أو الشيعة فقطquot;.


من هذا المنطلق نقول بأن ولاية الفقيه لا تسري فقط في الداخل الإيراني، إنما تفرض وصايتها من خلال أذرعها الحركية الدينية على المجتمعات التي تمثل الحركات قوة صاعدة فيها، في لبنان بشكل خاص وفي دول أخرى بصورة عامة. وغير الإيرانيين، في العديد من الدول، ومن ضمنهم الكويتيون، ممن يؤمنون بولاية الفقيه، لا يمكن أن يخرجوا من عباءة ما يقوله الولي لأنهم من المولىّ عليهم، فإذا ما كانوا مؤمنين ومعتقدين بولاية الفقيه، لايمكن أن يعارضوا أوامر الولي أو أن يختلفوا معه، لأن ليس للناس المولىّ عليهم حق التدخل في أعمال الولاية أو الاعتراض على أحكام وأوامر الفقيه، وإلا أصبح معنى ذلك رفض الولاية.


يقول الرجل الثاني في حزب الله لبنان الشيخ نعيم قاسم في كتابه quot;حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبلquot; إن quot;القيادة الشرعية هي للولي الفقيه كخليفة للنبي والأئمة (الشيعة) وهو الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة وأمره ونهيه نافذانquot;. وفي سياق شرحه لارتباط الحزب بالولي الفقيه يقول quot;لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته. فقد يكون عراقيا أو إيرانيا أو لبنانيا أو كويتيا أو غير ذلكquot;، مؤكدا أن الارتباط بالولاية quot;تكليف والتزام يشمل جميع المكلفين، حتى عندما يعودون إلى مرجع آخر في التقليد، لأن الإمرة في المسيرة الإسلامية العامة للولي الفقيه المتصديquot;.

وفي ضوء الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة يوم الجمعة القادم، تبدو حظوظ quot;تغيير الواقعquot; ضئيلة انطلاقا من quot;تحييدquot; سلطات الولي الفقيه المناهضة لأسس تغيير رئيسية تستند إليها الديموقراطية من خلال العملية الانتخابية ويحتاج إليها الواقع المعاش. وعليه فإن الديموقراطية وآثارها quot;التغييريةquot; لا يمكن أن تقترب من ولاية الفقيه، ولا يمكن أن تحقق ما تتطلع إليه quot;الجماهيرquot; الإيرانية.
يقول المعارض الإيراني أكبر غنجي إن الخميني وأثناء إقامته في باريس قبل الثورة الإسلامية كان يدعو إلى حكومة جمهورية واقعية مستندة إلى حقوق الإنسان، غير أن حكومة أخرى ظهرت بعد ذلك وهي حكومة ولاية الفقيه التي أعلن عنها بعد مضي ثمانية أشهر من انتصار الثورة. كما يؤكد بأن نظرية ولاية الفقيه والحكومة القائمة على الولاية التي تستند إلى حاكمية الفقهاء، هي حكومة غير متوافقة مع الحكومة quot;الجمهوريةquot;. لذلك ينتقد غنجي بشدة من يزعم بأن الخميني كان يساند الحرية والديموقراطية والجمهورية.


وبخصوص نظام الجمهورية الإسلامية يقول غنجي إن السلطة في هذا النظام متمركزة بيد الفقيه، واذا لم يرد الفقيه تغيير هذا النظام فإنه من المستحيل تغيير دستوره وإيجاد نظام quot;جمهوريquot; متسق المعايير. لذلك يؤكد غنجي على أن إمكانية اصلاح النظام في إيران في ظل وجود ولاية الفقيه quot;غير ممكنةquot;. ويؤكد أن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ليس وحده الذي يتعارض مع الديموقراطية، بل إن الإسلام كدين لا يستطيع أيضا التعايش معها. ويقول إن نظام الجمهورية الإسلامية غير قابل للإصلاح، ويقترح إجراء استفتاء شعبي ليمكن عن طريقه تغيير النظام إلى جمهورية واقعية - وحسب رأيه - متسقة المعايير. كما يشير إلى أن الديموقراطية قائمة على مفهوم المساواة، في حين أن الدستور الايراني الحالي يطرح اللامساواة في مواقع عديدة، من جملة ذلك اللامساواة بين الرجل والمرأة. ويقول بأن اللامساواة تلك مذكورة في الدين الإسلامي أيضا، ويدلل على ذلك بالعديد من الآيات القرآنية. كما يؤكد بأن جهود بعض المفكرين الإسلاميين الهادفة إلى استخراج مفاهيم مثل الديموقراطية والتعددية والمجتمع المدني وحقوق الانسان من الدين الإسلامي هي quot;جهود عديمة الفائدةquot;.

فاخر السلطان

كاتب كويتي
[email protected]