لو نظرنا للوحة المنطقة الشرق أوسطية من باكستان وحتى المغرب، نجد كثرة من الأنظمة السياسية الإشكالية، وتتعلق إشكاليتها بأنها نظم استمراريتها هي إشكاليتها، وبنفس المستوى والعمق، إشكاليتها هي في استمرارها، والعالم تعود على ذلك. ومن هذه النظم النظام السوري، الذي جاء نتيجة لإشكالية عادية مرت وتمر بها كثير من البلدان وهي سيطرة العسكر على الحكم في لحظة ما من لحظات التاريخ أو في غفلة منه، وهذه العادية تأتي من سياق الحرب الباردة وماكانت تحمله في أحشاءها من ولادات مشوهة لأنظمة لم تاتي نتيجة لحاجات داخلية، بل أتت نتيجة لمفاعيل النظام الدولي في ذلك الوقت، هذا النظام الذي لم تكن تستهجن فيه الانقلابات العسكرية، كما يحدث الآن. لنلاحظ مورتيانيا وهندوراس. حتى عندما تأتي هذه النظم أو هذه الانقلابات نتيجة لحاجات داخلية ما، نجدها تأخذ شرعيتها الانقلابية من الحامل الدولي، سواء الشرقي أو الغربي، أما الآن فإنه لا الشرق والغرب، بات قادرا على تجمل تبعات جمعية للاعتراف بانقلاب عسكري. لهذا ما يمكننا تسميته بالأنظمة من بقايا الحرب الباردة، والتي استمرت حتى اللحظة دون أي تجديد على بناها السياسية والاقتصادية والثقافية، نقلت معها إشكاليتها، ولتضاف لها إشكالية أخرى، وهي أن العالم الحالي، يجد نفسه، إما مضطرا للتعاطي مع هكذا نوع من الأنظمة أو أنه يتناساها في بعض المناطق نتيجة لأولوياته ومصالحه، وما ينتج أحيانا عن تواطؤ من قوى إقليمية ودولية. وفي كل الحالات هنالك معادلة لا بد من توضيحها، وتتعلق ببداهة تقولquot; ان مصالح المنظومة الدولية يجب ان تبقى مؤمنة، مهما كانت النتائج، حتى لو أدت على كوارث بشريةquot; وما يغير في هذه المعادلة هو تغير في موازين القوى في أي منطقة من مناطق العالم. إضافة إلى أن شبكة المصالح هذه ليست بالضرورة سيئة أو هي شر دوما.


عن الخط العام لهذه الأنظمة الإشكالية، أو الديكتاتورية، في علاقتها بمجتمعاتها، تتجسد، في عشر نقاط كما جاء في مقال للكاتبة الألمانية المعروفة نعومي وولف، حول الأحداث الأخيرة في إيران، حبث تقولquot;عندما يرغب ديكتاتورٌ أو حالمٌ بتنصيب نفسه ديكتاتوراً، يسارياً كان أو يمينياً، وفي أي مكان من العالم، وفي أي وقت كان، عندما يرغب بعزل المجتمع عن العالم أو اللجوء إلى القسوة ضد الحراك الديموقراطي فهو يتبع برنامجاً محدداً بعشرة خطوات تقليدية، وهي (1)الإدعاء بوجود مؤامرة، (2)تأسيس معتقلات سرية، (3) توظيف واستخدام ميليشيات مدنية مسلحة رديفة له، (4) تأسيس جهاز مراقبة وتجسس، (5) إعتقال مواطنين بإسلوب تعسفي، (6) إختراق التجمعات/المنظمات الأهلية، (7) إستهداف شخصيات هامة، (8) ملاحقة الصحفيين، (9) وصف كل إنتقاد بأنه quot;خيانةquot; و (10) تدمير دولة القانون.

عندما توضع هذه الخطوات قيد التنفيذ فإن إستمرارية الحركة الديموقراطية سيكون بالفعل أمراً صعباً ولكن ليس مستحيلاً، في حال تم ممارسة الضغط المعاكس أو المقاومة بشكل صحيح.

هذه النقاط لو دقق فيها القارئ بشكل جيد لوجدها قاسما مشتركا بين كل النظم الديكتاتورية في العصر الراهن، ولكن يبقى السؤالquot; هل الديكتاتورية هذه نظام إشكالي؟ أم أن إشكاليته تنتهي بانتهاء ديكتاتوريته هذه؟ وإذا كانت الديكتاتورية بحد ذاتها إشكالية؟ فكيف لها أن تتحول إلى إشكالية مزمنة؟ وكي نميز هنا، لابد لنا من المقارنة بين ديكتاتورية من طبيعة شمولية نموذجية، كانت موجودة نسخ منها في العالم الإشتراكي، وبعض العالم المعاصر، القذافي نموذجا.


لكننا عندما ننتقل للحديث عن ديكتاتوريات أخرى نجد أنفسنا أمام نماذج متعددة، وتعددها يأخذ خصوصيتها وتعدده من الشرط الذي انبثقت منه هذه الديكتاتورية ومن الفاعلين التاريخيين فيها. إذا كانت النفاط العشر المذكورة أعلاه، تشكل تقاطعا رئيسيا بين كافة هذه النظم، فإننا في الحالة السورية، نجد أن هذه النقاط تتأشكل، مع بروز الاتجاه نحو مزيد من التطييف في المجتمع السوري، مما أدى إلى خلق سلطة تمثل في وجدان الشعب السوري، سلطة أقلية طائفية، وهذه لايشعر بها مثلا الشعب الليبي، أو التونسي كديكتاتورية محدثة. وهنا تكمن إشكالية النظام السوري الأساسية. والسؤال لو اراد تحديث ديكتاتوريته، كحال زملاءه كيف له أن يحلها؟ هذا التداخل هو الذي كان المقصد من عنواننا، في الواقع، والذي يطرح سؤالا مهما على المعارضة السورية، كيف يمكن لها أن تواجه هذه الإشكالية؟ وكما هو معروف فإن المعارضة السورية، رغم ضعفها، فإنها لازالت تجد نفسها رهنا، لهذه الإشكالية المزمنة، دون أن تقول فيها كلمة ترضي الله كما يقال، تارة تريد التغيير كاملا، وتارة تريد الإصلاح، وتدخل في موجات التعامل الدولي مع هذه الديكتاتورية، والتي لم تعد مرهونة بأشخاصها، بعد أن تزمنت سياسيا وأمنيا واجتماعيا. فهل يمكن للمجتمع السوري أن يتخلص من الديكتاتورية السياسية، دون المرور على عتبة الإشكالية الطائفية؟ وكيف يمكن له أن يمر عليها، وفق شرطنا الآن؟ ولهذا المجتمع الدولي، عندما تتغير مفرادته السياسية تجاه حالة ما، فإننا يجب البحث في تغيرها، ليس في منطق المؤامرة، بل في منطق القوى المتصارعة على الأرض، ومن النقاط المثيرة، هي الترحيب الذي يجده الخطاب الأوبامي، في التعاطي مع الشأن السوري، من قبل معارضة كانت ترى حتى فترة قربية أنه على المجتمع الدولي أن يمارس ضغوطا على النظام. وفقط للملاحظة، فالدورة الأوبامية الآن ليست جديدة، ولا الدورة الساركوزية، بل هي دورة بالفعل، فكم مرة التقى مثلا مسؤول سوري مع مسؤول إسرائيلي في واشنطن، ومن كان يسمع في كل مرة، يقول أن السلام قد أتى، وأن الجولان سوف يعود إلى وطنه الأم سورية، ولا شيئ يحدث من هذا. وقبل خروج الجيش السوري من لبنان، ألم تكن طائرات المسؤوليين الغربيين تنتظر دورها للهبوط في مطار دمشق؟ دورة مزمنة من التعامل مع النظام السياسي في سورية، مفادها أن إشكاليته الرئيسية كنظام أقلاوي، قد فرضت نفسها على العالم كإشكالية لا يمكن البناء دون المرور عليها.
يتبع...


غسان المفلح