يجري العمل حالياً على قدم وساق لتصعيد ردود الفعل على جريمة القتل الفريدة من نوعها بحق المصرية مروة الشربيني. الأزهر والتنظيمات الاسلامية وخطباء الجوامع ومجهّزو الفتاوى، ولاعبو الخطوط الغامضة بين المنظمات السرية وأجهزة المخابرات. جميعها تعد الخطط والخُطَب اللازمة، كل من موقعه ولكل حسب مصلحته!

جميع هذه الجهات واثقة من نجاح أي مدى تريده للتصعيد، وذلك من تأكدها من أن جمهور العامة سيؤيدها، ويتبعها، ويبدي من الحماسة أكثر من المطلوب، بل ويتبرع بالمضي في التصعيد الى درجات أسخن موفراً على الجهات المذكورة هذا الجهد! أولاً ما هي مصلحة تلك الجهات في هذا التصعيد؟ وثانياً لماذا يتحقق دائما ما تنتظره من جمهور العامة (أو quot;الشعب العربيquot; بلغة القوميين) من التفاف حول دعواتها؟

بلغت الحالة في معظم البلدان العربية مع الأسف درجة اليأس، الأمر الذي يضع حكامها في موقف لا يحسدون عليه. فمن المستحيل تقريبا أن يغير الحاكم ذهنيته وشخصيته وقد قضى شطرا من عمره رهين نمط معين من الشخصية ومن الحكم وتحت تأثير محيط ثابت من المنتفعين الذين يدأبون كل يوم على نفخ الحاكم بهواء الأكاذيب. وحين يتلفت هذا الحاكم حوله ولا يجد حلاً للبؤس الذي يعاني منه شعبه فهو معذور: فالحلول التي يجب أن تأخذ طريقها لا يراها معقولة: كأن يقتص من الفاسدين مثلاً حتى لو كانوا أبناءه أو من بطانته التي تستند عليها سلطته، أو أن يتنحى مثلاً عن الحكم طوعاً! وهنا تشتغل الابتكارات المختلفة لا باتجاه اصلاح الأوضاع القائمة وإنما باتجاه صرف اهتمام الناس عن ذلك. ومن بين هذه الابتكارات تشجيع كل أنواع المخدرات الذهنية والفكرية؛ وتحويل الغضب الشعبي صوب جهات أخرى غير النظام الحاكم؛ وتأجيج أو حتى افتعال التناقضات الثانوية (الطائفية، العشائرية، المذهبية، الفردية) لتغطي على التناقض الرئيسي القائم بين النظام والشعب. فالمطلوب بالنسبة لمعظم الأنظمة الحاكمة العربية ليس مواجهة الواقع لاصلاحه وإنما تجنب تلك المواجهة بكل وسيلة ممكنة. من بين هذه الوسائل يجري التقاط بعض الأحداث، داخلياً أو حتى في مكان ما في العالم، لتكون متنفساً وقتياً لغضب الجماهير وشاغلاً لها وتعويضاً بالمفهوم السيكولوجي عن غضبها الحقيقي، الأصلي، الذي هو الغضب من الواقع المزري اجتماعيا ومعيشيا وفردياً. فليس أسعد للمواطن العربي العاجز من أن يتاح له الصراخ بعلو صوته احتجاجاً أو أن يهتف بـ quot;الجهادquot; حتى quot;النصرquot;، لا سيما في مظاهرة خارجة من أحد quot;بيوت اللهquot; بعد صلاة الجمعة، ولا يهم إن كانت المظاهرة موجهة للاحتجاج على قتل محجبة في ألمانيا أو على نشر رسوم ساخرة بالنبي محمد في الدانمارك فالمهم أنه شارك في فعل الهتاف الشعبي المحتج، والمهم أنه يعرف بينه وبين نفسه من هم الذين يريد حقيقةً أن يجاهد ضدهم وينتصر عليهم! وبذلك يعم الخير الجميع: المواطن الذي دافع عن قيمه (وإن ضد عدو بعيد وليس ضد نظامه الحاكم الذي يدوس قيمه ليل نهار!)؛ والحاكم الذي ضمن أن قدراً لا بأس به من طاقة الغضب الشعبي قد جرى تنفيسها بعيداً عن قصره؛ والتنظيمات الاسلامية التي استغلت المناسبة لاستعراض قوتها وكسب المزيد من الانصار.

سيستغل الجميع دم مروة الشربيني بمخاطبة الحساسيات الدينية لدى البسطاء واللعب بعقولهم، وسيبلي هؤلاء البسطاء بلاء حسنا في الجهاد الوهمي ضد الكفر. ثم يعود الجميع الى بيوتهم، وربما الى quot;حشيشتهمquot; أو quot;قاتهمquot;، ويواصلون حياتهم السابقة كما هي، بضمير مرتاح. عاشت الأمة العربية.

سمير طاهر
[email protected]