يعيش في ألمانيا أكثر من 3،5 مليون مسلم. هؤلاء قدموا من مختلف بلدان العالم الإسلامي، وفي مقدمتها تركيا. توالت موجات المهاجرين المسلمين منذ نهاية الحرب العالمية الثالثة، حيث كان القسم الأكبر من هؤلاء هم العمال الذين استجلبتهم الحكومة الألمانية مطلع الستينات للعمل في البلاد، اثناء نهضتها العمرانية والصناعية على يد المستشار الألماني الأسبق كونراد آدناور.

كذلك شهدت السنوات الأخيرة، وبشكل خاص حقبتي الثمانينات والتسعينيات ومطلع الألفية الثالثة موجات هجرة كبيرة، كان عمادها الملايين من المسلمين الذين هربوا من الحروب الأهلية والكوارث والديكتاتوريات والفقر من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة الى الإتحاد اليوغسلافي السابق، والذي تفكك الى عدة كيانات متصارعة. ووفق الأرقام الحكومية الصادرة عام 2007 يبلغ عدد المسلمين في ألمانيا نحو 3.4 مليون مسلم من أصل العدد الإجمالي لسكان ألمانيا والبالغ نحو 82 مليون نسمة (أي أن نسبة المسلمين هي نحو 4.1% من السكان). وبذلك يعتبر المسلمون في ألمانيا أكبر الأقليات الدينية بعد المسيحيين (حيث أن البروتستانت والكاثوليك هم الأكثرية). وأكثر من نصف مسلمي ألمانيا هم المواطنين الأتراك، حيث يوجد في ألمانيا نحو 1.8 مليون شخص ينحدرون من تركيا( من ضمنهم أبناء القوميتين الكردية والعربية). كما توضح بيانات الأجانب أن الجماعات الأخرى الكبرى من المسلمين هم من البوسنة (نحو 160 ألفًا) والمغاربة (نحو 70 ألفًا) ومن إيران (نحو 60 ألفًا) ومن أفغانستان (نحو 55 ألفًا). وبشكل عام فإن 90% من مسلمي ألمانيا ينحدرون من أصول غير عربية. ويوجد تباين واضح في تقديرات أعداد الألمان (المواطنين) المسلمين. فبعض الأرقام تعطي تقديرات في حدود المليون مسلم يحملون الجنسية الألمانية. وعلى أي حال فإن معظم هؤلاء المواطنين هم مواطنون بالتجنيس وليسوا منحدرين من أصول ألمانية( أنظر: الموسوعة الحرّة. تقارير دائرة حماية الدستور الألماني http://www.verfassungsschutz.de/ ).

كما وتشهد ألمانيا في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظاً في الإقبال على اعتناق الإسلام من قبل المواطنين الألمان، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن عدد المسلمين الجدد بالإعتناق في ألمانيا هو في حدود 4000 مسلم في العام 2007. ويعزو البعض ذلك إلى كثرة الحديث حول الإسلام في وسائل الإعلام الأمر الذي يدفع المواطنين إلى دراسة وتعلم المزيد عن الإسلام.

وقد برزت المخاوف من انتشار التطرف في أوساط المسلمين في ألمانيا خاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وبعد تعرض مدريد ولندن لضربات تنظيم quot;القاعدةquot;، خاصةً بعد الأخذ بعين الاعتبار أن منفذي أحداث سبتمبر قد جاؤوا من ألمانيا فيما يعرف بخلية هامبورغ.

وهناك نمو ديمغرافي كبير في عدد المسلمين في المانيا نتيجة التوالد الطبيعي ونسبة الولادات العالية لدى ابناء الجاليات المسلمية مقارنة بالمواطنين الألمان. كما ان عملية الهجرة من البلدان الإسلامية الى الماينا مازالت قائمة، وكل عام يتوافد عشرات الآلاف من المسلمين كمهاجرين وطالبي لجوء الى أراضي جمهورية المانيا الإتحادية( دراسة ضخمة وصادّمة مولتها وزارة الداخلية الألمانية حول إندماج المسلمين في المجتمع الألماني. وقد أثارت هذه الدراسة التي نشرت عام 2007 ردود فعل كثيرة في ألمانيا، حيث ركزّت على بطئ إندماج ومشاركة الجاليات المسلمة في الحياة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية الألمانية، اضافة الي رصد ميل واضح لدى المسلمين نحو التطرف الديني والغلو). كما وقد تناقلت الدوائر الاعلامية الغربية بقلق كبير نصائح المفكر والمستشرق اليهودي البريطاني برنارد لويس المتبحر في شؤون الاسلام من ان quot; اوروبا ستتحول الى اغلبية مسلمة في نهاية هذا القرن، وستغدو اسلامية الهوية quot; وذلك لان quot; المسلمين يتزوجون وينجبون الاطفال اضعاف الاوروبيين : الباكستانيين في بريطانيا والاتراك في المانيا والعرب في فرنسا quot; ( أنظر: لقاء موسع مع برنارد لويس، صحيفة دي فلت الالمانية 29/7/2004.).

إن وجود هذه النسبة الكبيرة من المسلمين في المانيا، وحصول قسم كبير منهم على الجنسية الألمانية، بحيث اتاح لهم ذلك المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية في البلاد، اثارّ عدة اشكاليات واضحة، تتعلق اغلبها بالإنتماء وكيفية ادماج هذه الشريحة في الحياة الألمانية. وقد برزت مشاكل كبيرة جداً في عملية ادماج هؤلاء في الحياة الألمانية، حيث ظهرت منظمات سياسية إسلامية تدعّي تمثيلها لهؤلاء المسلمين وتعمل على تحويل وجهة قضية الإندماج الى مكان آخر. وجاءت بذرة التنظيمات الإسلامية السياسة ـ كما سنعرف لاحقاً ـ من الشرق الأوسط مع تشكيل تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا.

ومن خلال إطلاعنا على قضية ودور تنظيمات الإسلام السياسي في المانيا، ومتابعتنا لكم من الكتب والدراسات والمقالات التي نشرها كتاب ومؤلفون وحتى مراكز دراسات المانية حول القضية، تعرفنّا على جزء من القضية، وكيف أن هناك هوة واسعة بين كل من تنظيمات العمل السياسي الإسلامي، والتي تعمل على ربط الجاليات المسلمة بالسياسة من منظور التنظيمات الإسلامية السياسية( وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين الإصولية) وتحاول تجييّر وجود هذه الجاليات في الغرب لمصلحة quot;الكفاح السياسيquot; لهذه التنظيمات في البلدان العربية والإسلامية، اي تعمل هذه التنظيمات وكأنها quot;جناح خارجيquot; لحركات الإسلام السياسي الساعية وراء السلطة في الشرق الإسلامي، وما قضية عملها في الغرب عموماً وألمانيا بشكل خاص الا جزء من الصراع على السلطة في بلاد المسلمين. وكذلك ندرس ردة الفعل الألمانية الرسمية على عمل هذه التنظيمات وتغلغلها بين اوساط المسلمين في البلاد، والشباب منهم بشكل خاص، وكيف انها تعيق الإندماج من وجهة النظر الرسمية، وتسعى الى خلق نوع من النكوص والتكوّر على الذات، اضافة الى تلقين المسلمين الأفكار المتشددة والمتطرفة، مستغلة بذلك وسائل التقنية الحديثة والنشر الإلكتروني والإنترنت. وقد توطدت هذه الفكرة( أو لنقل الإتهامات) عند الجهات الرسمية الألمانية و( دائرة حماية الدستور: أي المخابرات في النسخة العربية!) بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية والتي تم التخطيط لها في مدينة هامبورغ من قبل ثلة من الشباب المسلم الذي كان يدرس في الجامعة هناك. هذا ناهيك عن ضلوع عدد كبير من الشباب المسلم في التخطيط لهجمات داخل ألماينا، ومشاركة العديد منهم في الحرب في افغانستان والعراق.

وكانت تفجيرات القطارات في مدريد 11 آذار 2004 وتفجيرات الحافلات في لندن في تموز 2005 والتي تبنى تنظيم quot;القاعدةquot; الإرهابي المسؤولية عنها الإنذار الكبير للسطات الألمانية بتشديد الإجراءات ضد الإرهاب الذي quot;بات يتقرب ببطئquot; بحسب عدد صحيفة( بيلد) والذي صدر في اليوم التالي من تفجيرات لندن. وكانت الطامة والخوف الأكبر، هو ان من نفذ تلك الهجمات كانوا شباباً مسلمين تلقوا التعليم الراقي في الجامعات والمعاهد وكانوا قد quot;اندمجواquot; بشكل جيد في المجتمع البريطاني. لكن كيف وصل تنظيم quot;القاعدةquot; إليهم؟. وكيف تمكن في غضون مدة قصيرة من تلقينهم الأفكار المتطرفة والإرهابية ودفعهم إلى قتل أناس أبرياء من مواطنيهم؟. وكيف حصل ذلك كله دون أن يلاحظ أحد، او تلاحظ أجهزة الإستخبارات والشرطة ذلك؟.

وهنا لايجب علينا أن ننسى حادثة مقتل الصحفي دانيال بيرل مراسل صحيفة وول ستريت جورنال في باكستان في يناير 2002 بعد ان تم اختطافه قبل ذلك. وكان من ساهم في عملية الإختطاف هو الشاب البريطاني المسلم من أصل باكستاني عمر شيخ، خريج كلية الإقتصاد في لندن!. كما أثرت حادثة قتل شاب مسلم مغربي للمخرج تيو فان كوخ في فبراير 2004 على الجو العام في المانيا، حيث ازدادت المخاوف من حقيقة التطرف الإسلامي ومدى خطورته.

لقد دقت تفجيرات لندن ومدريد ناقوس الخطر لدى الحكومة والأجهزة الألمانية المسؤولة، بحيث ايقن الجميع بان هناك حاجة ماسة لمراجعة الأفكار القديمة وايلاء ملف quot;المهاجرين المسلمينquot; وquot;تنظيمات الإسلام السياسيquot; العاملة بين هؤلاء المهاجرين، والمرخصة من الحكومة وquot;المشمولة بعطفها وبدعمها الماليquot; رغم انها غير منتخبة من الجاليات المسلمة، واستنباط سياسة جديدة للتعامل مع كل هذا الملف الشائك.

وكرد فعل على تفجيرات لندن ناقشت السلطات الأمنية الألمانية اقتراحات تركيب كاميرات مراقبة تليفزيونية في محطات المترو وعربات الباصات. كذلك تسعى السلطات إلى تكوين بنك معلومات مركزي يحتوي بيانات الأفراد والجماعات المتطرفة التي تنشط في ألمانيا، وذلك لتحسين التنسيق بين أجهزة الشرطة والمخابرات. أما خبير الإرهاب {رولف توبهوفين} من معهد دراسات الإرهاب فقال حول الموضوع: إن احتمال تعرض ألمانيا لخطر الإرهاب الإسلامي لا يمكن استبعاده، فأرقام السلطات الأمنية تتحدث عن وجود 3000 quot;متشددquot; إسلامي على الأراضي الألمانية، منهم قرابة 300 يشكلون نواة العمل المتطرف، ويستطيعون في أي وقت تنفيذ عملية إرهابية. ويوضح الخبير أن المنشأت الأمريكية والبريطانية والممتلكات اليهودية هي أهم الأهداف التي يسعى الإرهابيون لضربها في ألمانيا، إضافة إلى الأماكن الحساسة مثل المطارات والبنايات المرتفعة، ومصانع الكيمياويات الضخمة. كما يحذر الخبير من احتمال توجيه المنظمات الإرهابية الإسلامية ضربات غير تقليدية مستخدمة أسلحة بيولوجية أو نووية، فعلى الرغم من صعوبة الحصول على مثل هذه المواد فإن الموارد المالية اللازمة لا تنقصهم. أما الباحث {اندرياس فريدريش} فيعارض الرأي القائل بأن عدم مشاركة ألمانيا في الحرب على العراق يحميها من التعرض لخطر الإرهاب، خاصة وأن ألمانيا لم ترد في لائحة الدول المستهدفة التي نشرتها quot;القاعدةquot; قبل عام. ويقول إن quot;القاعدةquot; أعلنت الحرب على الغرب بشكل عام، ويُذكر الباحث أن بريطانيا وأسبانيا كانتا على الصعيد الشعبي من أكثر الدول معارضة للحرب على العراق، فقبل عامين سار في لندن مليوني شخص في أكبر التظاهرات المعارضة للحرب في أوروبا. ويوضح الباحث أن فكر تنظيم quot;القاعدةquot; يقوم على المساواة بين الأنظمة وبين المواطنين، وتقسيم العالم إلى فريقين متناحرين هما المؤمنين من ناحية وquot;الكفارquot; من ناحية أخرى. وبالتالي يصعب استبعاد خطر تعرض ألمانيا لخطر الإرهاب، فما يهم القاعدة هو لفت الإعلام العالمي وبث الرعب والذعر في نفوس الأبرياء( أنظر: انعكاسات تفجيرات لندن الإرهابية على الوضع الأمني في ألمانيا. تقرير نشره الموقع العربي لإذاعة quot; دويتش فيلهquot; الألمانية.

وكانت الطامة الكبرى اعتقال السلطات الألمانية لشاب مسلم من لبنان( يوسف الحاج ديب) حاول تفجير قطارين في 31 تموز 2006، بينما تمكن رفيقه الآخر( جهاد حمّاد) من الهرب والسفر إلى لبنان. وقد هزّت الحادثة المجتمع الألماني، سيما وان الصاعق في القنبلة لم ينفجر، مما انقذ حياة 75 شخصاً على الأقل، قالت الجهات الألمانية المختصة بانهم كانوا سيلقون حتفهم في حال إنفجار صاعق القنبلين. وقد ثبّت كل من ديب وحمّاد القنبلتين في قطار متوجه من مدينة كولونيا إلى مدينة كوبلنتز، وأخر متوجه من مدينة كولونيا إلى مدينة دورتموند( وكان كاتب هذه السطور وقتها قد اعتاد على السفر بذلك القطار كل إسبوع ذهاباً واياباً، خلال فترة عمله في الفضائية الكردية(Roj tv ) والتي مقرها في العاصمة البلجيكية بروكسل.)

هذا وقد قضت محكمة في ألمانيا بالسجن مدى الحياة على اللبناني يوسف الحاج ديب بتهمة محاولة تفجير قنابل في قطارات ألمانية قبل عامين، مؤكدة ان ألمانيا كانت أقرب ما تكون لهجوم متشددين إسلاميين في تلك الواقعة. وأدانت المحكمة في مدينة دوسلدورف، غرب البلاد، يوسف الحاج ديب بالشروع في قتل عدد غير محدد من الأشخاص. وقال ممثلو الادعاء إنه كان يعتزم تنفيذ هجمات في غرب ألمانيا كان يمكن أن يسقط فيها ما يصل إلى 75 ضحية. وقال القاضي أوتمار بريدلينج quot;لم تكن ألمانيا قط أقرب لهجوم إسلامي من هذه الحالةquot;، مضيفا أن العبوات الناسفة لم تنفجر لخطأ في صنعها. وسببت المؤامرة صدمة في ألمانيا التي لم تشهد أراضيها هجوما لمتشددين في السنوات الأخيرة خلافاً لدول أوروبية أخرى مثل بريطانيا واسبانيا. وذكر ممثلو الادعاء أن الحاج ديب وشريكا له يدعى جهاد حمّاد استقلا قطارين في كولونيا العام 2006 أحدهما كان متجها إلى كوبلنز والآخر إلى دورتموند مع حقيبتي سفر ضمتا حاويات لغاز البروبان ومفجرات بدائية. وصوّرت كاميرات المراقبة التلفزيونية الرجلين في محطة القطارات. ولم تنفجر القنبلتان لعيب فني. وذكر الحاج ديب للمحكمة أنه لم يكن يعتزم قتل أحد بالعبوات الناسفة وأنه ركبّها في الأصل بحيث لا تنفجر. كما أعرب عن أسفه للمحكمة الأسبوع المنصرم. وقال إن ما أقدم عليه كان الهدف منه التحذير في أعقاب نشر رسوم تصور النبي محمد في صحيفة دنماركية العام 2005 وإعادة نشرها في مطبوعات أوروبية أخرى(...). ووجه الحاج ديب إشارة بذيئة إلى الصحافيين أثناء دخوله قاعة المحكمة لكن لم يبد عليه أي رد فعل عندما تُلي الحكم. وقال مدعوّن إن الحاج ديب كان القوة المحركة للهجمات التي خطط لها وكانت لديه quot;دوافع إرهابيةquot;. واكد المحامون الموكلون بالدفاع عن الحاج ديب الذين كانوا طالبوا بتبرئة موكلهم إنهم سيستأنفون الحكم. وكانت محكمة في بيروت قضت بالسجن مدى الحياة على الحاج ديب في كانون الأول (ديسمبر) الفائت بالرغم من احتجازه في ألمانيا في ذلك الوقت. وقضت محكمة بيروت على جهاد حمّاد، والذي كان قد فرّ من المانيا عقب إكتشاف أمر المحاولة، بالسجن 12 عاما لدوره في المؤامرة( أنظر: صحيفة quot;المستقبلquot; اللبنانية العدد 1499. 10 كانون الأول 2008.).


ظهور فكرة الإسلام السياسي المعاصر.
يطلق مفهوم الإسلام السياسي على الجماعات الإسلامية التي ترى أنه لا فصل بين الدين والسياسة، على أساس أن الإسلام عقيدة شاملة تنظم كل أمور الحياة سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية. ولعل هذه الرؤية هي التي كانت وراء شعار quot;الإسلام هو الحلquot; الذي ترفعه جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; في مصر، وتعتقد أنها بذلك أغلقت باب الاجتهاد السياسي -إن صح التعبير- أمام باقي الأحزاب السياسية، لأن لديها الحلول لكل المشكلات، فيما تطلق عليه بغموض شديد quot;الإسلامquot; هكذا بدون تحديد واضح، ولا بيان مفصَّل( السيّد ياسين. الإسلام السياسي والمرجعية الدستورية. صحيفة quot;الإتحادquot; الإماراتية 18 أكتوبر 2007).

وقد ظهرت أصوات quot;اسلاميةquot; عديدة كرد فعل على انهيار الإمبراطورية العثمانية، حيث طالبت هذه الأصوات باعادة بناء الخلافة الإسلامية والتصدي للغرب، الذي قالت انه تآمر عليها وساهم في إنهيارها وقسمّ أرضها. ومن هذه الأصوات أبو الأعلى المودودي الهندي ـ الباكستاني، والذي نشر عدة كتب ساهمت في انبلاج العديد من حركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي. كما أدت أفكار سيد قطب وحسن البنا في ظهور جماعة (الإخوان المسلمين) الناشرة لفكرةquot; الإسلام دين ودولةquot;، والتي أنسلت منها اغلب الحركات والجماعات العنفية التي تطالب بالحاكمية وحكم الشريعة الإسلامية. وقد تعدى شرور هذه الجماعات العالم العربي والإسلامي، حيث تغلغلت ضمن الجاليات المسلمة في الغرب لتحاول تسويق خطابها الإصولي ذلك. ومن ثم جاء الإسلام الشيعي في ثورة الخميني وquot; الجمهورية الإسلامية في إيرانquot;، حيث عملت الثورة الجديدة على تصدير الإسلام الشيعي، فشاهدنا ولادة حركات مثل quot; أملquot; وquot; حزب اللهquot; في لبنان، وquot; المجلس الأعلى للثورة الإسلاميةquot; في العراق. وقد دخلت هذه الحركات، السنيّة منها والشيعية، في حروب مفتوحة مع الأنظمة في الشرق الإسلامي، اسفرت عن مقتل مئات الآلاف من المواطنين( الجزائر، وسورياً: مثالاً هنا). كما قامت بانقلابات عديدة بغية استلام الحكم وقتلت الرؤساء( انور السادات، الرئيس المصري السابق)، واخيراً دخلت في مواجهة مع الغرب في أفغانستان والعراق والصومال والمغرب وحتى في نيويورك ولندن ومدريد...

ورغم ان العديد من تنظيمات الإسلام السياسي تنادي بالديمقراطية وتعلن قبولها للقانون الوضعي، وتشارك في الإنتخابات، ألا ان هناك تخوفاً كبيراً من اجندة هذه الحركات وأهدافها. فالهدف في النهاية هو السلطة وتطبيق البرامج حول ( الخلافة الإسلامية)، كما جاهدت حركة quot;طالبانquot; الأفغانية، وquot;حزب الأمةquot; في السودان، وحركة quot;حماسquot; الفلسطينية.

والحقيقة فإن حركات الإسلام السياسي التواقة للجلوس على كرسي الحكم، وصاحبة شعار quot;الإسلام هو الحلquot; ذاك، تتشابه كلها في شكل سعيها للوصول للحكم. وهي في ذلك تتخطى السلطة الشرعية المركزية وتحاول، ترغيباً أو ترهيباً، إزاحتها عن الكرسي لتستبدل نفسها بها، وتبدأ في تطبيق أفكار قادتها ومنظريها من الفقهاء ومجتهدي الإسلام السياسي الذين نهلوا بدورهم من أفكار الكتب الصفراء وتعاليم شيوخ التكفير الأوائل: أمثال إبن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وغيرهم. فهاهو عباسي مدني أحد قائد quot;الجبهة الإسلامية للأنقاذquot; الجزائرية والمنتشي لتوه بانتصار حزبه الساحق في الانتخابات يقول في تجمع له بمدينة قسنطينة في نوفمبر 1990: quot; بالحوار سنغير النظام، وإذا تراجع الحوار فسيكون الجهادquot;!.وفي 2 أبريل 1991 حرّك مدني إضرابا عاما مفتوحا، وهو في حقيقتهquot; حملة تمرد مدنيquot; الهدف منه: إزاحة رئيس الجمهورية وحكومته واستبدال النصوص الدستورية بالشريعة وإقامة جمهورية إسلاميةquot;. و قد رفع المتظاهرون، شعارات: quot; دولة إسلاميةquot; لا ميثاق لا دستور، quot;قال الله، قال الرسولquot;، quot;لتسقط الديمقراطيةquot;( أنظر: د.حنيفي هلالي: الحركة الإسلامية في الجزائر، فصلية عالم الغد، فيينا/النمسا).

ولم تكتف حركات الإسلام السياسي في تصعيد حركة quot;الإنتحار الذاتيquot; في صراعها مع quot;الأنظمة الوطنيةquot;، بل تعدت ذلك في تصدير خطابها الكارثي للغرب، بعد quot;إرتقاءquot; هذا الخطاب وظهور نظريات مدمرة تقول: quot;بمسؤولية الغرب عن الفساد والظلم في بلاد المسلمين ودعمه للأنظمة الطاغوتية، لذلك وجب نقل المعركة لأرضه ومقارعته في دارهquot;. وهذا هو الحادث الآن، وكان آخر الصور الطازجة من التطبيقات الكارثية لهذه الأفكار/الفتاوى ماحدث في تفجيرات لندن من دمار وسفك دماء المدنيين العزل( أنظر: طارق حمو. دولة فلسطين الطالبانية. صحيفة السياسة الكويتية. 27 أغسطس 2005).

أما على مستوى الخطاب الثقافي للحركات الإسلامية، فهذا الخطاب يضمر نزوعاً قوياً للسيطرة على الآخر والهيمنة عليه وإقصائه، وإزاحته تاريخياً وثقافياً، يولّده الشكّ وانعدام الثقة بالآخر والتعصّب للذات، يبرّر ويفسح المجال أمام الممارسات العنيفة وأنماط السلوك المؤذي الموجّهة ضدّ الآخر المختلف. وفي هذا السياق فإنّ تلك العودة إلى الدين واستلهام النموذج الماضوي من جانب المتطرّفين يعدّ تعبيراً عن الطموح إلى إعادة الهيمنة على العالم والتحكم بمصائره، ورغبة في تخطي الشعور بالفشل والعجز لديهم. فالنكوص- الذي يسميه أريك فروم بالعصاب الجماعي لطفولة التاريخ البشري- إلى الأشكال الأولية، والممارسات الباكرة للإسلام يلبّي الحاجة لدى المتطرفين الجهاديين إلى عقيدة للتوجيه السياسي والعبادة معاً، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الأعراض والمظاهر العصابية المصاحبة لسلوك الجماعات الإسلامية، ففي مثل هذه الحالة فإنّ الجهادي ما لم يدرك العالم والواقع ويفهمهما فهماً عقلانياً قريباً من الحقيقة، فإنّه يستلهم صورة وهمية يختلقها أو يبدعها عن الماضي ويتشبّث بها. وتلكم هي القراءة الجهادية المتطرّفة للدين، التي تمنح إطاراً للتوجيه السياسي والعقائدي وموضوعاً للعبادة في آن، ويحقق انسجاماً بين السلوك لديه وبين وجوده ومغزاه، ويعدّ هذا الدمج بين الجانبين( الدنيوي والمقدس) أمراً مقدساً لديه، وتعبيراً عن الطمأنينة الدينية والسلام الداخلي. وهذا هو التفسير الجزئي المحتمل لسؤال، كيف استطاعت الهيئات والمنظمات الجهادية أن تستحوذ على إرادة عشرات من الأفراد على استعداد للتضحية بأرواحهم وعقولهم في سبيل المبدأ القائل( الإسلام هو الحل)؟ وكيف اشترك هذا العدد من البشر في تلك التوجهات البعيدة عن العقلانية، والممارسات البعيدة عن الإنسانية، التي تتحدى روح المثل الأعلى الإنساني وتتناقض مع القاع الإنساني العميق للدين( أنظر: د.سربست نبي. الإسلام المعتدل: السياسة وحرب الأفكار. بحث منشور في موقع الأوان العلماني.

بداية تشكيل منظمات الإسلام السياسي في ألمانيا:
في عام ١٩٢٢كانت نشأة أول التنظيمات الإسلامية، واعتمد على مسجد فونسدورف في برلين، كما برز تنظيم القاضيانيين في العام نفسه باسم quot;رابطة المسلمين الألمانيةquot; وأسّسها quot;الإمام صدر الدينquot; من لاهورمن شبه الجزيرة الهندية، وفي عام ١٩٣٠ فتحت هذه المنظمة أبوابها لعضوية غير المسلمين فيها وبدّلت اسمها إلى quot;الجمعية الألمانية-الإسلاميةquot; على غرار جمعيات الصداقة المعروفة على المستوى الوطني والقومي. وفي عام ١٩٢٧ تمّ تأسيس ما سمي quot;المجلس المركزي لقلم المحفوظات الإسلامي في ألمانياquot; ولا يزال قائما إلى اليوم، ويحظى باهتمام خاص من جانب الكنيسة والجهات الرسمية، وتلاه تأسيس quot;الفرع الألماني لمؤتمر العالم الإسلاميquot; عام ١٩٣٢ عام ١٩٣٣ والذي توحّد مع quot;المجلس المركزي لقلم المحفوظاتquot;، وباتت منشورات المؤسسة المشتركة باسم quot;قلم محفوظات الإسلامquot; معتمَدة إلى حد كبير لدى الجهات الرسمية الألمانية والكنائس بألمانيا، ويبدو أنّ معظم التسميات المذكورة يلتقي على الأرضية القاضيانية المشتركة.

ويمكن اعتبار أواسط الستينيات الميلادية هي البداية لقيام عمل إسلامي منظم، استند إليه تطوّر الوجود الإسلامي في ألمانيا خلال العقود التالية من القرن الميلادي العشرين، واعتمد ذلك على عناصر رئيسية ndash;منها جديدة نسبيا- أهمها:

١- الأفواج الأولى من الطلبة المسلمين لا سيّما من البلدان العربية وإيران.

٢- إقامة المساجد الأولى في نطاق quot;مراكزquot; استهدفت ممارسة الدعوة الإسلامية.

٣- الارتفاع التدريجي لنسبة أصحاب القدرات المالية من المسلمين، كأصحاب الاختصاصات الجامعية والمهنية المهاجرين إلى ألمانيا لأسباب سياسية أو اقتصادية، أو الخريجين من الطلبة الوافدين سابقا والذين امتنعوا عن العودة إلى مواطنهم الأصلية لأسباب مماثلة.

٤- شمول الصحوة الإسلامية للمسلمين في الغرب، لا سيّما بعد حرب ١٩٦٧ م وتراجع التيار العلماني والقومي على مستوى البلدان الإسلامية عموما.

5ـ نشأة الجيل الثاني للمسلمين ـ كما يوصف عموما ـ والمقصود مواليد الوافدين من العمال والطلبة، وازدياد شعور المسلمين بضرورة إقامة منشآت تراعي اختلاف احتياجاتهم عن احتياجات سواهم في المجتمع الألماني ( أنظر: نبيل شبيب. الوجود الإسلامي في ألمانيا في القرن العشرين. دراسة موسعّة. يمكن الإطلاع عليها على موقع quot; مداد القلمquot; الإلكتروني).

ويعتبر سعيد رمضان أحد الرواد الأوائل للإخوان المسلمين في ألمانيا، وكان سكرتيراً شخصياً لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. رمضان، المصري الذي قاد متطوعي الأخوان المسلمين في فلسطين 1948، رحل إلى جنيف في عام 1958 ودرس الحقوق فيها. وأسس في ألمانيا ما أصبحت واحدة من المنظمات الإسلامية الثلاث هناك، الجمعية الإسلامية في ألمانيا، التي ترأسها من 1958 إلى 1968. كما ساهم رمضان في تأسيس رابطة مسلمي العالم (...). ومن ثم رجع سعيد رمضان إلى سويسرا وأنشأ المركز الإسلامي الذي افتتحه الملك خالد، وكان يصرف عليه ستة ملايين دولار سنوياً. هذا المركز أصبح كذلك من أهم الأماكن التي تجند المحاربين وترسلهم إلى أفغانستان. واستمر سعيد رمضان في الحصول على البترودولارات لتمويل نشاطات الإخوان المسلمين في أوربا. وعندما توفي سعيد رمضان عيّن الإخوان المسلمون أحد الأعضاء البارزين في مصر لملاحقة البنوك السويسرية لاسترداد الأموال الطائلة التي كانت تحت تصرف سعيد رمضان ولكنهم فشلوا في استردادها. وكان هناك عضوان من الإخوان المسلمين في سويسرا، مصطفي ندى وأحمد هوبر (نازي سويسري أسلم وانضم إلى الإخوان) الذين تمكنا من إنشاء بنك التقوى في جزيرة البهاما عام 1988 برأس مال يقدر بمائتي وستة وثمانين مليون دولار، قدمتها لهم quot;رابطة العالم الإسلامي Muslim World League. ولهذا البنك فروع في الجزائر وليجنستاين وإيطاليا ومالطة وبناما وسويسرا. وقد اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية بنك التقوي بغسيل الأموال من أجل المنظمات الإرهابية مثل quot;القاعدةquot; وquot;حماسquot; وجماعة quot;حزب النهضةquot; التونسية وquot;جبهة الإنقاذ الجزائريةquot;، وقدرت أن البنك حول ما لا يقل عن ستين مليون دولار لهذه المنظمات( أنظر: الدكتور كامل النجار. دراسة بعنوان quot;لندنستان والإخوانquot;. موقع الحوار المتمدن. العدد 2635 بتاريخ 03/05/2009).

وهاني رمضان، ابن سعيد رمضان، يدير حالياً المركز الإسلامي. ومن بين أعضاء مجلس إدارته الآخرين ابن سعيد الآخر، طارق رمضان، الذي تصدّر مؤخراً عناوين الصحف في الولايات المتحدة عندما سحبت وزارة الأمن الوطني تأشيرة دخوله إلى البلاد بغية التدريس في جامعة نوتردام. ورمضان هذا يعتبر من المنادين بquot; الإسلام الأوروبيquot; وهو شخصيّة معروفة في الأوساط الأكاديمية الأوروبية، ويشار اليه بالبنان في قضايا المسلمين وأندماجهم في القارة الأوروبية.( للتوسع في موضوع quot; طارق رمضانquot; وخطابه يمكن مراجعة كتاب الدكتور رالف غضبان: طارق رمضان وأسلمة أوروبا).

وخلف رمضان في رئاسة جمعية المسلمين في ألمانيا مواطن باكستاني، فاضل يازداني لفترة قصيرة قبل غالب حمت، وهو سوري يحمل الجنسية الإيطالية. وخلال إدارته الطويلة للجمعية 1973-2002، تنقل حمت بين إيطاليا والنمسا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة. وقد دققت أجهزة الاستخبارات من كل دول العالم طويلاً في صلات حمت الإرهابية. فهو أحد مؤسسي بنك التقوى، وهو تكتل قوي تسميه المخابرات الإيطالية: quot;بنك الإخوان المسلمينquot;، كان قد موّل جماعات إرهابية منذ أواسط التسعينيات إن لم يكن قبل ذلك. وساعد حمت يوسف ندى، أحد العقول المالية المدبرة للإخوان المسلمين، في إدارة بنك quot;التقوىquot; وشبكة من مقرات الشركات في مواقع مثل سويسرا وليشنشتاين والباهاماس، التي تفرض قوانين قليلة على مصادر الأموال ووجهاتها. ويشاع أن كل من حمت وندى قد مررا مبالغ ضخمة إلى جماعات مثل quot;حماسquot; وquot;جبهة الإنقاذ الإسلاميةquot; الجزائرية وفتحا خط ائتمان سري لكبار مساعدي أسامة بن لادن. وتُوحي واقعة أن زعيمي الجمعية الإسلامية في ألمانيا، رمضان وحمت، هما من بين أكثر أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين نفوذاً خلال نصف القرن الأخير بوجود صلات بين الجمعية الإسلامية في ألمانيا والإخوان. والأدهى، أن تقارير صادرة عن وكالات الاستخبارات الداخلية في عدد من المقاطعات الألمانية تُطلق علناً وصف quot;فرع من الإخوان المسلمينquot; على الجمعية الإسلامية في ألمانيا وخصوصاً، تبعاً لأحد التقارير الاستخباراتية، أن الفرع المصري للإخوان المسلمين كان قد هيمن على الجمعية الإسلامية في ألمانيا منذ أيامها الأولى( أنظر: الدكتور كامل النجار، المصدر السابق).

والمركز الإسلامي في ميونخ هو أحد أهم الأعضاء في الجمعية الإسلامية في ألمانيا، التي تمثل الفرع الرئيس للإخوان المصريين في ألمانيا. إلا أن الجمعية هي أيضاً نموذج أساسي للطريقة التي أحرز المسلمون بها قوتهم في أوروبا. الجمعية تنامت بشكل لافت عبر السنين وتتعاون الآن مع عدد كبير من التنظيمات الإسلامية في البلاد. واندرج تحت مظلتها مراكز إسلامية من أكثر من ثلاثين مدينة ألمانية، وتكمن القوة الحقيقية للجمعية اليوم في تنسيقها مع وإشرافها على عدد من المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية في ألمانيا.

وقد جاء التركيز على الشباب بعد وصول ابراهيم الزيات إلى رئاسة الجمعية. فقد أدرك أهمية التركيز على الجيل الثاني من المسلمين الألمان وأطلق حملات تجنيد لتنظيم المسلمين الشباب في المنظمات الإسلامية. إلا أن تقريراً لشرطة ميكينهايم عن الزيّات يكشف عن صلات تُنذر بشر. والسلطات الألمانية تقول علناً إنه عضو في تنظيم الإخوان المسلمين. كما تربطه بالمجلس العالمي للشباب المسلم،(....). وللمجلس العالمي للشباب المسلم، الذي يتظلل بغطاء رابطة مسلمي العالم، هدف ثابت في quot;تسليح الشباب المسلم بالثقة الكاملة في تفوق النظام الإسلامي على الأنظمة الأخرىquot;. وهو أكبر منظمة للشباب المسلمين في العالم وله أن يتباهى بموارد لا نظير لها. في العام 1991 أصدر المجلس كتاباً بعنوان: توجيهات إسلامية، جاء فيه quot;لنربِ أطفالنا على حب الانتقام من اليهود والطغاة، ولنعلمهم أن شبابنا سيحررون فلسطين والقدس عندما يعودون إلى الإسلام ويقومون بالجهاد في سبيل اللهquot;. والعاطفة في كتاب quot;توجيهات إسلاميةquot; هي القاعدة وليست الاستثناء. كما تغص منشورات المجلس الكثيرة بخطابات قوية معادية للسامية وللمسيحية( أنظر: تقرير دائرة حماية الدستور الألماني للعام 2004).

وما أثار أعظم شكوك السلطات الألمانية، من بين كل النشاطات المالية للزيات، هو تعاونه مع رسميين في رؤيا الملّة ( Mili Guuml;rouml;s). ورؤيا الملة، التي تضم 30.000 عضو وربما يصل عدد المتعاطفين معها إلى 100.000، تدعي أنها تدافع عن حقوق السكان الأتراك المهاجرين في ألمانيا، بإعطائهم صوتاً في ميدان السياسة الديمقراطية وفي الوقت ذاته quot;تحافظ على هويتهم الإسلاميةquot;. بيد أن لرؤيا الملة أجندة أخرى. ففي وقت تعلن فيه على الملأ اهتمامها بالحوار الديمقراطي ورغبتها في رؤية المهاجرين الأتراك مندمجين في المجتمعات الأوروبية، عبّرَ بعض زعماء رؤيا الملة عن ازدرائهم للديمقراطية والقيم الغربية. فقد نقلت دائرة حماية الدستور الألماني تحذيراً من نشاطات رؤيا الملة، واصفة الجماعة في تقاريرها السنوية بـquot;منظمة من المتطرفين الأجانبquot;. كما أوردت الدائرة في تقريرها أنه quot;رغم ادعاء رؤيا الملة في تصريحاتها العلنية دعمها للمبادئ الأساسية للديمقراطيات الغربية، فإن إلغاء نظام الحكم العلماني في تركيا وإنشاء دولة ونظام حكم إسلاميين، كما كان الحال سابقاً، هو من بين أهدافهاquot;. وتاريخ رؤيا الملة وحده يشير إلى السبب في وجوب اعتباره تنظيماً متطرفاً. فرئيس الوزراء التركي السابق، نجم الدين أربكان، الذي حُظر حزبه، حزب الرفاه، بقرار من المحكمة الدستورية التركية في كانون الثاني 1998 بسبب quot;نشاطات له ضد النظام العلماني في البلادquot; مازال الزعيم الأوحد لتنظيم رؤيا الملة، حتى مع وجود ابن أخيه محمد صبري أربكان في رئاسته.

وكان اجتماع رؤيا الملة الأوروبي في 2002 قد انعقد في مدينة آرنهايم الهولندية، وفيه كان نجم الدين أربكان المتحدث الرئيس، حيث لمّح إلى أيديولوجيا رؤيا الملة. وبعد خطبة عنيفة ضد شرور الاندماج في السياسات الغربية والأمريكية، أعلن أربكان أنه quot;بعد سقوط جدار برلين، وجد الغرب في الإسلام عدواً( أنظر: لورنزو فيدينو. بحث بعنوان: غزو الإخوان المسلمين لأوروبا. والباحث نائب مدير معهد مناهضة الإرهاب. واشنطن).

طارق حمو
[email protected]