ليس في الإمكان أبدع مما كان. هكذا يقولون. وهذه هي مشكلة العراق اليوم. وبسبب هذه القاعدة والقواعد الأخرى المرافقة لها والنابتة على ضفافها، بدأنا نعتاد على أوضاعنا السائدة، ونسكت عن سيئاتها التي هطلت، وما زالت تهطل علينا، منذ مجيء حكامنا الجدد ورحيل حكامنا السابقين وحتى الساعة. نعم. صرنا نتعايش مع الوجوه المكفهرة والنفوس المقشعرة والأمور غير المستقرة. بل أصبحنا نتوجس خيفة من رحيلهم. لا لسبب إلا لأننا نخاف من الأسوأ الذي قد يجيء إلينا مع الشطار الجدد الذين يتجمعون هذه الأيام، ويتفاهمون ويتحالفون استعدادا لمجزرة الانتخابات المقبلة. فمن يضمن أننا لن نترحم على وزراء المالكي وسفرائه ومستشاريه ومرافقيه، وعلى مام جلال ونائبيه، وعلى برلمان السامرائي، مثلما ترحمنا على برلمان المشهداني وعلى وزارة الجعفري، ومن قبلها وزارة علاوي، ومن قبلها وزارة بريمر ومجلس حكمه العتيد؟!. خصوصا وأن محترفي الصفقات الانتخابية المخضرمين والعارفين ببواطن الأمور الانتخابية وقوانينها، من حكيمها وجعفريها وعلاويها ومالكيّها ومطلقها وعليانها ودليميّها، ما زالوا مؤمنين بأن الأغلبية الساحقة من الناخبين، ما زالت هي هي، لم تتغير ولم تتبدل، وليس هناك من دليل ولا إشارة إلى أنها قد تتغير في المدى المنظور. فالجماهير العريضة ما تزالت تسوقها فتوى العمامة وخنجر شيخ العشيرة.

وسوف يخيب، كما خاب من قبل، فأل الديمقراطيين والعلمانيين والتكنوقراط المتفائلين والمبشرين بانقلاب الرأي العام العراقي على الائتلافات المغشوشة، برغم تخمة العراقيين من أنباء القتل اليومي، وتردي الخدمات الأساسية، وجفاف الأنهر والسواقي، وعجز ميزانية وزير ماليتنا الهمام باقر صولاغ.

بصراحة إننا نرتجف خوفا حين نرى فرسان التحاصصات الانتخابية يتلاقون ويتبادلون القبلات ويوزعون الحلوى واللافتات، ويـُولـّدون ائتلافات من ائتلافات، ويخلطون أوراقا بأوراق، ويعيدون ترتيب حسابات وتحالفات وقوائم، ويحدون أسنانهم على كراسي الوزارات والمؤسسات والسفارات، وعلى مكرمات أرباب السوابق من رجال مخابرات دول الجوار وغير الجوار.

والذي يخيفنا أكثر أنهم جميعا يصرحون بأن مصالحنا العليا وحياتنا وحياة أجيالنا القادمة هي أولى أولياتهم، وأنهم جميعا أيضا، يعدوننا بالديمقراطية وبالعدالة وباجتثاث الفساد وإعادة إعمار الوطن وتوفير الخدمات الأساسية، برمشة عين، ويصرون على ترديد مقولة أنهم ضد من سبقهم لأنهم كذبوا علينا ولم يفوا بوعودهم التي أغدقوها على الوطن والمواطن في الانتخابات السابقة.

والأغرب من الخيال أن صالح المطلق والعليان يجهزان أتباعهما للتحالف مع دولة القانون وقائدها المالكي، وأياد علاوي يتهيأ للتحالف مع الحكيم والجعفري، بعد أن (تفلشت) قائمته العراقية، وخرج منها مؤسسوها الأوائل.

مناسبة هذا الكلام الذي يغم هو ما بشرنا به الناطق باسم القائمة العراقية جمال البطيخ عن قرب إعلان انضمام قائمة أياد علاوي الى laquo;الائتلاف الوطنيraquo; الجديد، مرجحاً أن يكون ذلك بعد عيد الفطر، وقال: laquo;على رغم أننا لا نزال في طور المحادثات مع الائتلاف الآن لكن هناك تطابقاً تاماً في وجهات النظر يجعلنا نرجح إعلان التحالف رسمياً بعد العيدraquo;.

ولكن البطيخ تفضل فطمأننا كثيرا وطيب خواطرنا حين نفى بشدة أن يكون انضمام علاوي الى laquo;الائتلافraquo; انحرافاً عن النهج العلماني، وشدد على أن laquo;الائتلاف الوطني سيكون كتلة وطنية متعددة الاتجاهات وبعيداً من الطائفية، وبانضمامنا إليه نساهم في تفتيت الكتل الطائفيةraquo;.

طبعا، وعلى ذمة صحيفة الحياة، فإن هذا الانقلاب الذي قام به علاوي جاء نتيجة زيارة سرية لوفد من القائمة العراقية لطهران.

وذكر مراسل الحياة من بغداد أن علاوي نال ضوءاً أخضر إيرانياً لمنصب رئيس الوزراء المقبل، وأن ذلك كان بمثابة laquo;عقوبةraquo; لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي.

والأعجب والأغرب من كل ما مر هو أن التيار الصدري الذي سفك علاوي دم رجاله في معركة النجف الدامية عام 2004، والذي استخدم الأحذية قبل منتظر الزيدي في استقبال علاوي عند زيارته الانتخابية للنجف، هو الذي قاد الوساطة التي أثمرت عن انضمام علاوي إلى ائتلاف عمار الحكيم.

وكان مدير مكتب العلاقات الخارجية للهيئة السياسية لمكتب التيار الصدري حسن الصدر في لندن أعلن أن التيار نجح في مساعيه في إقناع بعض القوى في الانضمام الى الائتلاف الوطني، خصوصاً الاتفاق مع القائمة العراقية برئاسة علاوي على المشاركة في الائتلاف الوطني.

لكن صحيفة الصباح اللصيقة بدولة الرئيس المالكي بشرتنا في عددها الصادر السبت بأن دولته التقى بالزعيم عمار الحكيم وبحث معه تطورات العملية السياسية في البلاد.

وقال مصدر في المجلس الاعلى في تصريح صحفي: quot;ان الرئيس المالكي والسيد الحكيم شددا على ضرورة التواصل بين القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية من اجل تحقيقِ تعاون مشترك يسهم في دعم العمليِة السياسية وتثبيِت ركائز المشروعِ العراقي الجديد quot;. واشار المصدر الى ان quot;رئيس الوزراء اكد ان المشاورات ما تزال مستمرة بشأن عودة حزب الدعوة الى الائتلاف الوطني العراقيquot;.

وتابع: ان quot;الجانبين ناقشا الحراك السياسي الجاري على الساحة، لاسيما في اطار الائتلاف الوطني العراقي، مؤكدين اهمية انضمام القوى الوطنية لهذا الكيان الوطني لضمان تشكيلة قادرة على النهوض باعباء العملية السياسيةquot;.

هذا يعني أن الائتلاف لوح للمالكي بشبح علاوي فجعله يراجع حساباته فيطوي لافتة دولة القانون ويعود أدراجه إلى مكمنه الآمن المكين، قبل فوات الأوان، وقبل أن تنزل فاس أياد علاوي في الراس.

في الحقيقة، نحن كناخبين لا يحزننا ولا يفرحنا أن نقرأ في الصباح أن دولة القانون ستنضم إلى الائتلاف الوطني. فنحن نعلم علم اليقين بأن النتيجة واحدة، سواء دخل إلى طبخة الحكيم وطهران أياد علاوي أو نوري المالكي. فالطاس سيبقى نفس الطاس، والحمام سيببقى نفس الحمام. والكل يتآمر على الكل، والجميع يتحالف مع الجميع، من أجل أن يظل الحال على حاله، ومن أجل أن تعود حليمة إلى عاداتها القديمة.

والمواطن ساكت وراض بالمقسوم. معه حق. فالواوي الذي تعرفه أفضل من الأسد الذي لا تعرفه. وصدقت أم كلثوم حين قالت إن الدنيا لا تؤخذ إلا غلابا.

إنه سوق هرج الانتخابات، ولامكان فيه إلا لمن يعرف جيدا من أين تؤكل كتف العراق الذبيح