مع بداية هذه السنة التاريخية في تاريخ الشعوب العربية، تواردت الاخبار لتسجل صحوة الشعوب العربية ضد المستبدين ودكتاتوريات عربية تالفت وتخاصمت فيما بينها، لمصالح ثانوية لعقود طويلة ولكنها كانت متفقة باجمعها على بقائها، ودعم بعضها البعض ايضا للبقاء متسلطة على شعوبها، سواء تحت ظل الجامعة العربية او خارجها حتى انها ضربت الارقام القياسية عالميا في البقاء على سدة الحكم، متخذة من ثروات البلاد وسيلة للعب حتى على التناقضات في سياسات الدول الكبرى التي دعمتها بالسلاح، وطواقم كبيرة من رجال مخابرات ومرتزقة ودعم لوجستي لمخابراتها في القضاء على اي تحرك شعبي يعبر عن القرف من التدني المرعب في مستواها المعيشي والصحي والثقافي والاجتماعي عموما.
ولم تكتف هذه الدكتاتوريات التي تتعكز على الدين تارة اوالقومية او البدوية الاصيلة! والقبائلية والطائفية بتبذير ثروات بلدانها quot;الاغنى عالمياquot; تبذيرها على شراء السلاح ومصالحها الخاصة بترليونات الدولارات وانما استخدمت شعوبها كوقود لحروبها المجنونة، والتي ذهب ضحيتها الملايين من الشباب من اجل تركيز حكمها وتصدير ازماتها الداخلية مستغلة ابواقها الاعلامية ومأجوريها من المثقفين بحجة الكرامة العربية والكبرياء الاسلامي والدفاع عن حياض الوطن حتى اصبحت جيوشها من اكبر اجهزتها القمعية ضد تلك الشعوب.
هذه الدكتاتوريات المتخلفة ايضا اغرقت هذه الشعوب بوحول اسنة من الظلم والفقر والحروب والقتل والقمع اليومي للحريات ودوس الكرامة وبث الرعب بين الناس، حتى وصل الامر ان يخاف المواطن من ظله واولاده عبر انتشار مخبريها في كل شارع وزنقة، كما هو الامر في المؤسسات الامنية المتعددة وجيوش القذافي ومبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح وبشار الاسد وابيه حافظ الاسد وعبد العزيز بوتفليقة وحتى المغرب والسعودية والسودان والعراق وكل الدول العربية الاخرى بدون استثناء.
مع بداية هذه السنة وهي سنة الشعوب العربية المقهورة، اشعل البوعزيزي النار في جسده ليصفع قادة الدول العربية ، ويحرمها الامان من سرمدية البقاء في السلطة وتوريثها، بسبب انتشار هذه الثورات العربية المتواصلة بسرعة البرق وبحدتها التي تواصل الليل بالنهار في ساحات تحرير، تستحق اسمها الان فقط، بنشاط شباب لايثنيهم الخوف بعد ان خسروا كل شيء ومن استلبت حتى كرامته وانسانيته فلا يخاف الموت من اجل صرخة لا والف لا للعبودية.

ماتسطره هذه الشعوب الثائرة من اجل الحرية والكرامة اذهلت العالم وسياسيه وحتى المناضلين والمناضلات في تلك البلدان وبالذات العربية منها لروافدها التي لاتتوقف عن اجتياح الشوارع والازقة والساحات بالملايين يوميا وابتداع اساليب ثورية من اعتصامات ونصب خيام وتشكيل لجان و التظاهر ليلا او نهارا واستخدام الفيسبوك وباقي الوسائل التقنية والشعارات التي يرددونها مموسقة مع عبارات تصر على استمرارية النضال لتحقيق المطاليب بسلمية تامة يقابلها العنف الوحشي للسلطات باستثناء الثوار الليبيين الذين اضطرهم جنون القذافي وزبانيته للاخذ بهذا الطريق.

وعدا بعض الاصوات المتناثرة من المحيط الى الخليج يقف ثوار هذه البلدان لوحدهم امام مصيرهم بوجه قوة السلطة العاتية، كما كان حال العراقيين طو ال خمسة وثلاثين عاما ابان حكم الطاغية صدام حسين، في تلك السنوات التي كانت المعارضة لعراقية تعاني من تضييق الخناق عليها وعدم قبولها في البلدان العربية بسبب وقوف تلك الانظمة واحزابها التقليدية الى جانب صدام كقائد للامة العربية المجيدة، كان عراقيو المعارضة يعون ان الشعوب العربية مضطهدة ومغلوبة على امرها كما اثبتت الثورات الشعبية الحالية.
ولكن العجيب في الامر ان احزاب المعارضة العراقية سابقا تدير ظهرها الان لهؤلاء الثوار، بعد ان استلموا السلطات كلها في العراق وبنوا النظام الديمقراطي على مقاساتهم الحزبية الضيقة والمحاصصة وعلاقات النظام الاستثنائية مع ايران الداعمة للنظام الدكتاتوري في سوريا حتى انهم ذهبوا ابعد من ذلك في عقد اتفاقيات تصدير الغاز الايراني الى سواحل البحر الابيض المتوسط عبر العراق وسوريا ومنها الى اوروبا فيما سمي بمشروع quot;انبوب الغاز الإسلاميquot; بكلفة عشرة مليار دولار والذي سيفتتح حسب التقديرات الايرانية خلال ثلاث الى خمس سنوات. ومن المقرر ان تشكل لجنة مشتركة بين الدول الثلاث للتشاور حول تنفيذ الاتفاقية التي وقعها وزراء نفط الدول الثلاث .
وحسبما صرح به جواد أوجي رئيس شركة الغاز الوطنية الايرانية، فان هذه الاتفاقية والتي وقعت في السابع والعشرين من تموزالماضي في مدينة quot;عسلويةquot; بايران تعتبر أكبر اتفاقية لنقل الغاز الطبيعي الايراني الى اوروبا، ومن المتوقع ان يتم تشكيل ثلاث فرق عمل تخصصية مشتركة بين البلدان الثلاثة، تعمل للتوصل في غضون شهر الى اتفاق نهائي لتصدير الغاز والتوقيع عليه من قبل البلدان الثلاثة.
وهنا تؤكد الحكومة العراقية بجميع تشكيلتها المحاصصية، ربط مصيرالعراق اقتصاديا بعد ان ربطته سياسيا وثقافيا وعلى المدى البعيد بايران وملتفين او الاصح ضاربين بعرض الحائط قرارات الامم المتحدة بخصوص العقوبات الاقتصادية على ايران، وحتى دورها التخريبي في العراق والمنطقة.

وطوق النجاة الاخر الذي رمته الحكومة العراقية الى حكومة بشار الاسد وبالضد من الشعب السوري هو توقيعثلاث اتفاقيات في مجالات الصحة والتجارة والاستثمار في ختام اجتماعات الدورة الثامنة للجنة العراقية ـ السورية المشتركة التي انهت اعمالها في بغداد الاسبوع الماضي، بحضور وزيري التجارة في البلدين حيث اكد فيها وزير التجارة العراقي حرص بلاده *!!*على تعميق العلاقات التجارية مع سوريا. وأوضح نظيره السوري محمد نضال الشعار أن تسهيلات سيتم تقديمها من قبل البلدين على البضائع المستوردة، مشيرا الى ان الوضع السياسي الراهن في بلاده لن يؤثر على علاقات سوريا بدول الجوار!!!!. ووفق مصادر رسمية يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من أربعة مليارات ونصف المليار دولارسنويا،.
اما رئيس الهيئة الوطنية للأستثمار سامي الاعرجي فقال بملء فمه: quot;ان الاتفاقية تروج للأستثمار والدخول في مشاريع تنموية مهمة في قطاعات اقتصادية عراقيةquot;. وأضاف: quot;ان العراق اتاح فرصة لرجال الاعمال السوريين بالقدوم الى العراق بعد شهر رمضان المبارك لطرح الخطة الاستثماريةquot;. ولايخفى على القارئ ان رجال الاعمال السوريين هم احد اعمدة الاسد لبقائه في السلطة واستثمارهم في العراق يعني جلب ايد عاملة سورية رخيصة لتخفف من نسبة العطالة السورية التي كانت احد اسباب ثورة الشباب السوري، وهي نفس الطريقة التي اعتمدها صدام في جلب مليون شخص من العمالة المصرية في الثمانينات للتخفيف من ازمات النظام المصري انذاك
وللتاكيد ان كل الاحزاب العراقية مشتركة بموقفها الى جانب الدكتاتور الاسد، بحث الدكتور رافع العيساوي مع نظيره السوري التعاون الثنائي كإعادة العمل بمعبر القائم - البوكمال وإنشاء مناطق حرة مشتركة على الحدود السورية العراقية في كل من البوكمال والقائم واليعربية ورفيعة وسبل تخفيض الرسوم المفروضة على البضائع والأشخاص. اما وزير النقل العراقي هادي العامري فقد بحث مع الشعارمواضيع النقل البري والجوي والبحري والقناة الجافة.
وتضم الاتفاقية ايضا التعاون في مجالات تسهيل مرور البضائع ومعاملة البضائع ذات المصدر السوري كالعراقية!! وتقديم تسهيلات لدخولها إلى السوق العراقية إضافة إلى تسهيل مرور الأشخاص وتخفيف أعباء تأشيرات الدخول quot;الفيزاquot; والسماح بدخول الشاحنات وسائقيها دون رسوم!!!!.
وفي تفاصيل هذه الاتفاقية يكمن الشيطان الذي كان السبب في اكثر ماتعرض له الشعب العراقي منذ سنة الفين وثلاثة من تفجيرات وقتل ودمار بتسهيل متعمد من السلطة السورية، حيث كانت الحدود السورية هي المعبر الاسهل لانتحاري ومقاتلي القاعدة وشراذم بقايا البعث وغيرهم لتدمير اسس كل تحول ديمقراطي في العراق، وهي نفس الحدود التي سهلت مرور مرتزقة نظام البعث الى سوريا بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين، وهي نفس الاسباب التي وترت العلاقات العراقية السورية لعدة اعوام، لعب فيها نظام الاسد على حبال سيركه الذي يتقنه جيدا في ابتزاز العراق، سواء ايام المقبور صدام او بعده ، وتطويعه لعقد حلف ثلاثي مع ايران لحماية حدوده الشرقية من اي تواجد امريكي وعدم زعزعة كرسية الذي تمتد قوائمة الى لبنان.

ان عقد الاتفاقيات هذه وفي هذا الوقت بالذات هو دعم صارخ للنظام الدكتاتوري في سوريا وضربة موجعة للشعب السوري وحتى للشعب الايراني الذي قمعت سلطة نجاد وخامنئي فورتها قبل اشهر مع التاكيد انه لاتوجد هكذا اتفاقيات مع البلدان العربية وغيرها المحاذية حدودها للعراق. جلال طالباني يؤكد ان العراق يدعم امن واستقرار سوريا ومسيرة الإصلاحات السياسية فيها. وبنود تلك الاتفاقيات لايتناقض مع ماصرح عادل عبد المهدي به والذي زار دمشق مؤخرا على اهمية حل المشاكل مع سوريا عن طريق الحوار والدبلوماسية، مشدداً على ان اي تصعيد مع سوريا لن يفيد البلدين ولا دول المنطقة!! مشيرا الى quot;وجوب التعامل مع هذا الملف بمسؤولية كاملة لكي نرى ما هي مسؤولية الاخرينفي ضبط الحدود وفي ضبط وجود عناصر معاديةquot;.
علما ان اكثر ماشدد عبد المهدي عليه هو أنّه ناقش القضايا الأمنيّة مع الرئيس الأسد ، وأن بلاده لن تكون قاعدة لشنّ ضربات عسكرية ضدّ إيران أو سوريا. ومن ناحية اخرى اكد ان سوريا بأمكانها لعب دور مهم في العملية الساسية في العراق بسبب وزنها في العالم العربي !!!!.
جاءت هذه التصريحات لنائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي بعد زيارة دامت ثلاثة ايام لسوريا الاسد في الاسبوع الماضي حاملا رسالة من رئيس الجمهورية جلال الطالباني وذكرت وكالة الأنباء السورية بالنص quot;الرئيس العراقي جلال الطالباني اكد في رسالة وجهها الى نظيره السوري بشار الأسد دعم العراق لأمن واستقرار سوريا ومسيرة الاصلاحات فيهاquot;، ولم يكذب احد من الرئاسة العراقية هذه الصياغة المهينة للخبر.

تؤكد هذه الوقائع اصطفاف القائمين على حكم العراق، الى جانب الدكتاتور ضد الشعوب وهو مايتناقض كليا مع مايدعونه في الحرص على تدعيم اسس الديمقراطية في العراق الجديد والتي طالما نظروا وقاتلوا من اجلها لاكثر من اربعين سنة مضت في المنافي والجبال والسجون، وفقدان مئات الالاف من المناضلين العراقيين، فلم نسمع كلمة واحدة منهم تؤكد وقوفهم الى جانب الشعوب المضطهدة وثورات شعوبها في البلدان العربية عدا نعيق بعض الفضائيات العراقية والايرانية الهوى ازاء انتفاضة الشعب البحريني وحتى هذه الانتفاضة تم تشويه اهدافها بالصاقها من قبلهم بالطائفية التي يمارسونها في العراق انصياعا لايران، وسكوتهم جميعا على شرذمة وتفتيت وتسفيه مظاهرات الشباب العراقي في ساحات التحرير في بغداد والسليمانية وبعض المحافظات الاخرى.

تشهد سوريا منذ أكثر من اربعة اشهر، موجة احتجاجات عارمة للمطالبة بإسقاط النظام، وبـالحرية والديمقراطية، واجهها نظام الأسد بإطلاق القوات الأمنية والجيش النار على المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط أكثر من 1500 قتيل واعتقال اكثر من عشرة الاف حتى الآن، فضلاً عن نزوح آلاف العوائل إلى تركيا ولبنان، مما أثار حركة احتجاج دولية واسعة، لاسيما من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية حتى وصل الامر بخطورته الى انعقاد مجلس الامن لمناقشة انتهاكات بعث الاسد وقواه القمعية ، في وقت تتهم السلطات السورية المعارضين بالتورط مع ما وصفتها بجماعات إرهابية في الخارج.وترتفع يوميا اعداد الجنود المنشقين عن الجيش السوري، وتتعرض كل المدن والريف السوري والمشافي والجوامع ومناراتها للقصف المدفعي لايقاف التكبير وتجمع المتظاهرين بدون رحمة ولا وازع اخلاقي.
كل هذه الجرائم وديمقراطيو العراق ومناضلو الامس يغلقون الحدود بوجه الاف العوائل والشباب الذين يريدون النفاذ بجلودهم واطفالهم من القتل اليومي، ويبخلون بكلمة مواسات للضحايا او نصح اصدقاء الامس بالكف عن القمع لانهم ذاقوا مرارته؛ بل العكس هو مايفعلونه مد خطوط المساعدة للدكتاتوريين وتمضي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان العراقي والسلطة القضائية والسلطة الرابعة الموقرة والكتاب والفنانيين وغيرهم في حياتهم اليومية وكأن ما يجري في سوريا وليبيا ومصر واليمن وتونس يجري في مجرة اخرى من كوكبنا وكأن معاناة هؤلاء الثوار ليست كمعاناة ثوار انتفاضة شعبان او والسجون والقتل هو يختلف كما ونوعا عن سجون بعث صدام او ان مسيرة الاف من النازحيين الى تركيا هربا من القتل والذبح ليست كمسيرة اكراد العراق الى جبال تركيا.

لقد ادميتم قلبي قيحا وصمتكم يقتلني كما يقتل الشعوب الثائرة وشعب سوريا الذي احتضنكم يوما.
صمتكم قتلهم ويقتلنا.