الأصوات البريطانية المتعالية في وجه رئيس حكومة الائتلاف المخافظ ديفيد كاميرون في شأن تسليح المعارضة السورية تشبه إلى حد بعيد الأصوات التي وقفت في وجه سلفه العمالي طوني بلير في تحشيده للحرب ضد الرئيس العراقي صدام حسين مع فارق التوقيت الزمني رغم تقارب المنطقة الجغرافية والظروف.
وما ذهبت إليه صحيفة (ديلي تلغراف) للقول ان ديفيد كاميرون مخطئ في تصوره للوضع في سوريا عندما يفترض، مثلما افترض سلفه، توني بلير بشأن العراق، أن النزاع هناك بين الخير والشر، وأنه إلى جانب الشر، فالمعارضة السورية ليست كلها خيرا ونظام بشار الأسد ليس كله شرًا، يبدو صحيحاً.
لقد دأب كاميرون ووزير خارجيته وليم هيغ على التلويح بتسليح المعارضة السورية بل تجاوزا ذلك لحشد الاتحاد الأوروبي الذي انقسم حول هذه المسالة، والسؤال هو: هل يدرك كاميرون وهيغ حقيقة أن أي تسليح للمعارضة السورية التي كانت في بداياتها سلمية ولعلها ظلت كذلك ان مثل هذه الأسلحة ستصل في شكل أو آخر إلى أيدي المتشددين الإسلاميين وعلى رأسهم جبهة النصرة التي بايعت أيمن الظواهري زعيم القاعدة ، كما أن هذه الجبهة وضها مجلس الأمن على قائمة الإرهاب.
وصول هذه الأسلحة إلى أيدي هؤلاء لا يطيل أمد الصراع الدموي في سوريا وحسب، ولا يقوّي الجماعات المتشددة التي تشكل عائقاً من الآن أمام أية جهود لبحث مستقبل سوريا ما بعد بشّار الأسد، فالتجربتين الأفغانية والعراقية لا زالتا ماثلتين للعيان وكذا الحال نتائجهما في تصعيد العمليات الإرهابية ليس في البلدين اللذين ابتليا بحربين غير محسوبتا النتائج، بل بتصعيد الصراع الطائفي أكثر في الإقليم إذا ما عرفنا أن إيران هي الأخرى تدعم ما أمكنها حليفيها نظام بشّار وحزب لله بالسلاح والمال والرجال والتموضع الاستراتيجي وليس بإمكانها القبول بأي خسارة على الأرض مهما كانت الخسائر المالية والبشرية.
ومن هنا، فإن ما ذهبت إليه صحيفة (فايننشال تايمز) كان غير بعيد مما ذهبت إليه، وسواء بسواء ما يدور في أذهان مناهضي تسليح المعارضة السورية، فهي قالت في تحليل لها إن quot;انتصار قوات النظام السوري في معركة القصير وسيطرتها على المدينة جاءت بفضل مشاركة حاسمة لعناصر حزب الله اللبناني الشيعي، وهو ما يدفع بالنزاع إلى التدويل والطائفية أكثرquot; .. !
ثم أنه يتعين أن لا ننسى احتمال أن يسعى نظام بشار مدفوعا بانتصاره في القصير إلى الزحف نحو حلب ومدن أخرى، وهذا يفتح المجال لدخول مقاتلين شيعة من العراق، الأمر الذي سيؤجج الطائفية في مواجهة مفتوحة مع المعارضة، هذا مع وجود مقاتلين سلفاً من القاعدة على الأرض السورية وخاصة المواجهة للأنبار التي هي معقل دولة العراق الإسلامية.
وإلى ذلك، فإنه مع الانقسام الدولي حول quot;رؤيةquot; الحسم السياسي في سوريا، فإنه يتعين على كاميرون ووزير خارجيته ن يستمعا إلى صوت العقل في بلدهما حول قرار التسليح سواء نجح مؤتمر (جنيف 2) أو لم ينجح، فبريطانيا التي تعاني سلفاً من متشددين على أرضيها مع ضغوطات نتزامنة من متطرفيها من جماعات اليمين ليست في موقع يمكنها من المغامرة غير المحسوبة النتائج في الحال السوري مادام الصراع مشتعلاً .
ولذلك فإن على كاميرون أن يقرأ الدرس الأميركي في أفغانستان والعراق جيداً، هذا فضلاً عن قراءة مستقبله السياسي الذي بات في الميزان حيث الانتخابات البرلمانية على الأبواب وهناك من يعدُّ مدافعه لخوضها ضده ابتداء من زعامة حزب المحافظيم
نفسه، فعليه أن لا يخسر الزعامة والرئاسة وبريطانيا معاً، ثم فإن أية مغامرة غير محسوبة ستكون ضده شخصياً، ضد مصالح بريطانيا في الإقليم على المدى الطويل.