صالح كاظم من برلين: بعد أن أثار عرض أوبرا موزارت quot;إيدومينوquot; ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية الألمانية بسبب محاولات منعه من قبل دائرة الداخلية في برلين بحجة كونه quot;يخدش مشاعر المسلمينquot;، وجدت إدارة الأوبرا الألمانية في برلين نفسها مضطرة للخضوع للرأي العام في ما يتعلق بـ quot;حرية الرأيquot; وعدم شرعية المساس بهذه الحرية مهما كانت خلفياتها، فعرضت الأوبرا دون أي تغييرات تذكر عليها أو على رؤيا المخرج هانس نوينفلس الذي أراد للعرض أن يكون مدخلا للنقاش حول دور الدين في المجتمع وآثاره على سلوك الأفراد. ورغم الضجة الإعلامية التي أحاطت العرض اتخذت أغلب الهيئات الإسلامية في ألمانيا موقفا عقلانيا تجاه هذا العرض ولم تلجأ الى استعمال أساليب شبيهة لما حصل في الدنمارك بصدد quot;الرسوم الكاريكاتوريةquot;، بل فضلت التعامل بهدوء مع العمل وعدم الدخول في صراعات غير مثمرة تؤدي في النتيجة الى عكس المطلوب. وبالفعل فقد مرّ هذا العرض بهدوء، وجرى تقديمه بضع مرات ليرفع أخيرا من البرنامج لعدم توفر الإقبال المطلوب عليه.
والشيء نفسه ينطبق على ما جرى مع مسرحية quot;الآيات الشيطانيةquot; المأخوذة عن رواية الكاتب البريطاني سلمان رشدي، حيث سبقت عرضها على خشبة مسرح هانس أوتو في بوتسدام ضجة إعلامية كبيرة، أثارها مخرج ومعد العمل أوفه ايريك لاوفنبرغ، ربما على أمل أن يجابه بردود فعل شبيهة بتلك التي واجهت عرض quot;إيدومينوquot;، غير أن العرض الأول للعمل جاء مخيبا للآمال، ليس فقط من الناحية الفنية، بل كذلك من ناحية الجمهور، حيث لم يحضر هذا العرض سوى حشد هائل من الإعلاميين من مختلف بلدان أوروبا في الوقت الذي بدت فيه القاعة من جمهور المسرح الإعتيادي، ما دفع أحد الصحافيين لأن يعلق على ذلك كما يلي: quot;حيثما أدرت رأسك تجد زميلا أو زميلة تبحث عما يثير الإنتباه، أما حضور البوليس فقد كان بارزا سواء داخل بناية المسرح أو خارجها.quot; وبالفعل فقد حشد بوليس المدينة عددا كبيرا من بوليس الحماية ورجال الأمن تحسبا لما يمكن أن يحصل في حالة قيام المتطرفين الإسلاميين بأعمال إستفزازية لعرقلة العرض، الذي أستمر لمدة أربع ساعات، ولم يخرج عن الخطوط العامة لرواية سلمان رشدي إلا في نهايته، حيث وقفت إحدى الممثلات شبه عارية أمام الجمهور وهي ترتدي الحزام الناسف مهددة بالقيام بعمل إنتحاري، في محاولة لإيهام الجمهور بأنه أمام عملية إنتحارية حقيقية، غير أن هذه الحيلة لم تنطل على الإعلاميين، بل دفعت العديد منهم إلى الضحك والسخرية لبؤس المشهد. ورغم الأداء الجيد لأغلبية الممثلين ورغم استخدام أحدث التقنيات المسرحية الحديثة لم يتمكن العمل من أن يشد الجمهور، حيث طغى عليه الأسلوب السردي المتعب، ولم يأت بجديد، ما عدا جانبه المسيس في مواجهة التطرف الديني الإسلامي.
وبعد مغادرة القاعة وجد الجمهور نفسه من جديد بمواجهة سيارات الشرطة المدرعة ورجال البوليس الذين يرتدون الأقنعة الحامية، في الوقت الذي لم يكن هناك أي حضور للإسلاميين ولا لأدعياء quot;الدفاع عن الإسلامquot;. وبعد مجموعة من العروض المخفقة للعمل الذي لم يحظ بإهتمام الجمهور قررت إدارة المسرح قبل فترة قصيرة رفعه من البرنامج، مع الإبقاء على العرض الآخر الذي كان ضمن برنامج quot;الحوار بين الأديانquot; لمسرحية غوته quot;فاوستquot;.