جيروم روثنبرغ: quot;تمهيدات لشِعريةٍ ماquot;
إلى مايكل ماكلور
. . . . . . .
إنسانٌ شاعرٌ يتنزّه بين أحلام
إنّه حيٌّ، يتنفّسُ ملْءَ الحريّة
خلال انبوبٍ رقيقٍ أشبه بنارجيلةٍ.
الرّماد يتساقط حولَه حين يتنزّه
مغنّياً فوق الرّماد.
كم خضراء هي الشمسُ
حيث تَسِمُ الأوقيانوس.
ريشٌ يتراكم فوق الجبال
التي لا يني الإنسانُ الشاعرُ
يسير عند منحدرها، يسير
في مقدِّمة ما يَخشاهُ،
ما يَهواه.
. . . . . . .
لماذا خَذلَنا الشاعرُ؟
لماذا انتظرنا من أجل أن تجيءَ الكلمةُ ثانيةً؟
لماذا تَذكّرنا ما يعنيه الاسمُ
ونحن قد نسيناه؟
لو أنّ اسمَ الشاعر الهٌ، إذاً لكم هو داجٍ النهارُ
لكم هو ثقيلٌ العبءُ الذي يحمله معه.
قالت تزايتيفا، كلُّ الشعراء يهود.
ربُّ اليهودِ يهوديٌّ، قال يهوديٌّ.
كان حَوْلَهُ ابيضاضٌ، وكان له صوتٌ
عالٍ عميقٌ
كصوت الشاعر في الشتاء
قديم العهد وعالٍ،
يطقطق،
يتذكّر في مناخٍ صيفي محيطات متجمدةً،
كم أَحسَّ أنه معاكسٌ
كم شديداً كان الألم فيه،
أهملَ الأمور تجري على عواهنها،
الشاعر يحلم شاعراً
ويصرخ.
ما يلبث أن ينسى من هو.
. . . . . . .
خاطِب أُمَّ الشاعر،
وهي ميتة الآن.
منذ سنوات تَركتْ صُقْعَ أبيها.
و أبيه أيضاً.
حكايةُ التيه، لم تُروَ بعد،
غير صحيحة. حكايةُ من أنت،
حكاية أين يمكن للقصيدة أن تأخذنا،
أين تتوقفُ
وأين يتوقف الصوتُ.
القصيدةُ محاجَجَةٌ مع الموت.
القصيدة لا تُثمَّن.
هؤلاء الذين دخلوا القصيدة لا يستطيعون هجرانها أبداً.
مرتدياً سترة فضية يسير الشاعرُ في قصيدة للوركا
عَبرَ البهو ليحيّي عروسَ الشاعرِ.
يَرى نهديها يتألقان في المرآة.
التفاحُ في بياض النهود.
يقول لوركا.
لقد أُرضِعَ حليبَ الفردوس،
حُلُمَ كلّ إنسانٍ شاعرٍ
كلّ عروسٍ شاعرة.
الجَوقة تعزف
النهار ينزع سِدادَةً ويخرج مسرعاً
ليرحّب بليلةٍ أُخرى.
. . . . . . .
الشاعرُ الأسودُ
أهو أسودُ؟
وما تخلقه يداه وحَلْقُه
أهو خَلْقٌ اسودُ؟
نعم، يقول الإنسان الشاعر،
الذي يَرتدي ثلاثةَ خواتمَ،
الإنسان الشاعرُ الذي يبحثُ عن النور النفيس،
يقضّي النهارَ بجانب بابٍ مكسورٍ
لا أحدَ يستطيع الدخول. اِبْقِ عليه مسدوداً
يصرخ الإلهُ، واليهودي يتقلّبُ
في نومته اللانهائية.
تَمْرقُ الآلهةُ بمحاذاته كالعجلات الصغيرة
نازلةً الطريق الجبلي حيث تعيش القططُ
في مقبرةٍ تحرسها نجمةُ أبيه.
شاعر وعروس مشتبكان في العشب،
يداه سوداوان
عيناه شديدتا البياض
يحفّهما القرمز.
اسمع دقّة الطبل،
أيّها القلبُ.
لقد نزل السودُ إلى الساحِل الغربي
ماضي الشِعرِ المفقودُ طويلاً يفيق.
. . . . . . .
تخذلنا أصابعنا.
اقطعها إذن، الشاعر يصرخ
ليست للمرة الأولى.
غالباً ما شوهِد الموتى يملأون شوارعَنا،
مَن لم يَرهم؟
الأعضاء السفلية تجتازها رعشةٌ،
الصورةُ دوماً صورةُ رأسِ حصانٍ
وذبابٍ لسّاعٍ.
ثديُ امرأة وعسلٌ.
هي التي دَحَس القتلةُ الحصباءَ في فمها
فلن تتكلم بعد الآن.
الشّاعرُ إنّه الشاهدُ الوحيدُ على ذاك الموت،
يكتبُ كلَّ بيتٍ
وكأنْ لا شاهدَ سواه.


غاري سنايدر: ما يجب أنْ تعرفه حتّى تكون شاعراً

كلُّ ما تستطيعه عن الحيوانات بصفتهم أشخاصاً
أسماءُ الأشجار، والأزهار وسقَطِ الأعشاب.
أسماءُ النجوم، وسَيْرُ الكواكب
والقمر.
حواسُّكَ أنت السّت، بذهن يقظٍ وحذق.
على الأقل نوعٌ واحدٌ من السّحر المأثور:
الكِهانة، التنجيم، quot;كتاب التحوّلاتquot;، التّارو؛
الأحلام.
الأرواح المغرِّرة والآلهة المغرِّرة المُشعّة؛
قَبّلْ دِبْرَ الشيطان وكُلْ غائطاً؛
نِكْ ذَيْلَهُ الصّنّاريّ الهائج
نِكْ السّاحرة
وكلّ ملائكة السّماء
وعذارى عطرات وزاهيات not;
ثُمّ أن تحبَّ ما هو من طبيعة البشر:
زوجات أزواج وأصدقاء.
لعبُ الأطفال، كتبُ الفكاهة المصوّرة، عِلْكٌ فُقّاعيٌّ
غرائبيّات التلفزيون والإعلانات.
اشتغلْ، فساعات طويلة جافة من العمل البليد بُلِعَتْ وقُبِلَتْ
وعيشَتْ ثم أُحِبَّتْ. استنزافٌ
جوعٌ، راحةٌ.
حريّة الرقص البرّيّة، الانتشاء
إشراقةٌ صامتة وحيدة، الإنْجِواء
خطر حقيقيٌّ. مقامرات. وحافةُ الموت.


اوكتافيو باث: الأول من كانون الثاني

كأبواب اللغة،
تنفتح أبوابُ السّنة
نحو المجهول.
ليلة أمس، قلتِ لي:
يتوجب
عليناً غداً خطّ علامات
رسم منظرٍ، نسج لُحمة
على الصفحة المزدوجة
للورقة والنهار.
يتوجب علينا غداً ابتكار
واقع هذا العالم،
من جديد.
كان الوقت متأخراً عندما فتحت عينيَّ.
خلال ثانيةِ ثانيةٍ
شعرت بما شعر به الأزتيك،
مترصداً
من قمة جرفٍ ناتئ،
عن طريق تشققات الأفق
عودةَ الزمن غيرَ المؤكدة.
لكن السّنة عادت
فملأت الغرفة كلها
وكادت نظراتي تمسّها.
لقد وضَعَ الزمن، من دون معونتنا،
وبنفس النسق المطابق لطراز الأمس،
بيوتاً في شارع خال
ثلجاً فوق البيت
صمتاً فوق الثلج.
كنتِ بجانبي
لا تزالين نائمةً.
لقد ابتكركِ النهارُ
لكنك لم تقبلي بعد
بأنكِ من ابتكارِ هذا النهار
وربما أنا أيضاً.
كنتِ في نهارٍ آخرَ.
كنتِ بجانبي
ورأيتكِ، كالثلج،
نائمةً بين المظاهر.
فالزمن يبتكرُ،
من دون معونة منّا،
بيوتاً، شوارعَ، أشجاراً
ونساءً نائمات.
وحينما تفتحين عينيكِ
سنمشي، من جديد،
بين الساعات ومبتكراتهن.
سنمشي بين المظاهر.
سنُثْبتُ للزمن وتصريفاتِه.
وربّما سنفتح أبوابَ النهار.
فنَدخُل المجهول.

ايديث سودغران: عذراء عَصريّة

أنا لستُ امرأةً. أنا محايدةٌ لا ذكر ولا أنثى.
أنا طفلٌ وَصِيفٌ، قرارٌ جريءٌ،
أنا شعاعُ شمسٍ ساطعةٍ يضحكُ...
أنا شبكةٌ لكل سمكة شرهة،
أنا شَرِبُ النَّخبِ تكريماً لكلّ النساء،
أنا خطوةٌ باتجاه الصدفة والدمار،
أنا قفزةٌ في الحرية والذات...
أنا الدم الذي يوشوش في أذن الرجل،
أنا حمّى الروح، شهوةُ اللحم وممانعتُه،
أنا الإشارة المعلّقة على بابِ فراديسٍ جديدة.
أنا شعلةٌ مُستكشِفةٌ، جسورة،
أنا ماءٌ عميقٌ لكنْ مخاطرتُه لا تتجاوز الركبة،
أنا نارٌ وماءٌ توحّدا بحرية وإخلاص...

بريمو ليفي: غبار

كم من غبار يحط
على نسيج الحياة العصبي
غبار لا ثقل له ولا صوت
بلا لون ويلا هدف؛ يحجب يمحي
يحذف، يخفي، يشل.
إنه لا يقتل وإنما يطفئ
ليس ميتا انه نائم فحسب
انه يغذي الجراثيم الدقيقة الألفية
المؤذية مستقبلا
ديدان دقيقة في انتظار
التشقق، التحلل والانفصال
فخ خالص مبهم
وعلى استعداد لأي هجوم مقبل.
عقم سيتحول إلى طاقة
تلبيةً لإشارة صامتة
لكنه يغذي أيضا بذورا مختلفة
بعضها شبه نائم سينمو أفكارا
كل بذرة حبلى بكون جديد
لا يرى جميل وغريب.
لذا يتوجب الاحترام والخشية من
هذا الرداء الرمادي المنعدم الشكل
فانه يحتوي على الخير والشر
الخطر وعلى عدة أشياء مكتوبة

ريموند كينو: من أجل فن شعري

خُذْ كلمةً خذ كلمتين
اِقلِهما كبيضة
خُذْ كسرةَ معنى صغيرة
ثم قطعة كبيرة من البراءة
سخّن كلّ هذا على نار خفيفة
على نار التكنيك الخفيفة
صبّ مَرَقَ الغموض
ذرّ بعض النجوم
فَلْفِل ثمّ شدّ الرحالَ.
إلى مَ ترمي من ذاك؟
أن تكتبَ
أن تكتب حقاً؟

جويس منصور: وحش جميل

المرض ذو الشوارب العائمة
يترصّدني
كلّما تتلاقى عيناي أسفل المائدة
يده الموسيقيّة الطويلة
تختبئ بين نهدي
وتخنق الدُمّلة
في البيضة
انفي يسيل وكأنه مجرى
شعري يتساقط حزناً
ونـَتانة الإذلال الطوعي
تعذّبني
أفخاذي تطير عالياً
محارٌ مفتوح، فراء أملس
داعياً الثغورَ الطرية
المقصّاتَ وأحصنةَ البحر ذات المخالب النهمة
ليتقاسموا ملذّاتَهم
ابتساماتَهم، اقفاءَ اكمامِهم
وأزرارَ شبابِهم
المُتقيّحة!
إنّها تـَثْلج يا قناعاً جميلاً
والسجّاد الذي لا يُسْبَر، صمتُه الساخر
يغلق عـينيكَ الحجريتين
ذا أنا أبكي لكن ما الفائدة
امرأة شائخة في الثلاثين
دوامة النعاس تثبّت شعري على عنقي
الثلج يتساقط مريضاً والعطش يسـيّر
أصابعَهُ الطويلة المزيّنة بالريـش
فوق جسدي
أصرّ أسناناً هـائجةً مِن أن يُعرَفَ أمري
لم يبق سوى جدار بيني والداء
سوى حجر مغطى بأخر الأوراق!

روبرتو خواروث: قصيدة شاقولية

استيقظت باكراً جداً
وبدأت أفكّر بالأبدية
لا بالأبدية الكبرى للصلوات
بل الأبديات الصغيرة المنسية.
الجزء الذي لا يجري من النهر،
هذا الذي يصمت في المدينة على الدوام،
الموضع الذي لا ينام في جسدك النائم،
هذا الذي لا يستيقظ في جسدي المستيقظ.
هكذا أدركت أن الأبديات الصغيرة
أفضل من الأبدية الكبرى.
فلم أقدر على النوم.

باي تاو: فنُّ الشِعر

في البيت المهول الذي أسكن
لم يبق هناك سوى طاولةٍ، مدارُها
أراضٍ سَبْخة لا تُحدّ
يضيئني القمر من عدّة زوايا
هيكلُ الحلمِ الهشُّ لا يزال
منتصباً في البعيد وكأنّه سقّالة
لم نكن قد فككناها بعد
هناك بصماتُ أقدامٍ طينيّةٍ على الورقة البيضاء
الثعلبُ الذي غُذّي طيلة سنوات
بضربة خفيفة من ذيله الجَمْريّ
يبجّلني، يجرحني

وهناك، بالطبع، أنت جالسة أمامي
يُشعشِعُ في راحتك البرقُ الَّلازَوَرْدِيُّ
يتحوّل إلى حطبٍ يابسٍ، يَستحيلُ رماداً


باول تسيلان: تودنوبيرغ

أرنيكا، بلسم العين، الشربة
من البئر التي
يعلوها نرد نجمي.

في
الكوخ.

السطر الذي في الكتاب
- أسماء من قد سُجِـّـلـَت
قبل أسمي؟ -
الذي في هذا الكتاب
دون عن
أمل اليوم،
من مفكر
كلمةٌ
آتية
إلى القلب.

دبـَل الغاب، غير سوي
سَـحـْـلـَب فسحلب، فـَرادى
فظاظةٌ، فيما بعد، خلال التنقل
بيـّنـة،
الذي يسوقنا، الرجل
المتـنصت.

ممراتٌ من عصي
نصف مسلوكة

رطوبة،
جمّة.

إضاءة حول قصيدة باول تسيلان:
تودنوبيرك (الغابة السوداء) مقام مارتن هايدغر الذي زاره باول تسيلان (1967)، فكانت هذه القصيدة تعبيراً عن انطباعاته وخيبة أمله في هذا الفيلسوف الذي لم ينطق الكلمة التي تعطيه حق الكلام عن الشعر فتغفر له فعله انهماكه في الحكم النازي ( 1933 - 1934). والجدير بالذكر أن تسيلان قد رفض أن يصور مع هيدغر خلال هذا اللقاء الوحيد. ويقال أن هيدغر دهش من معرفة باول تسيلان الخارقة لأسماء الحيوانات والنباتات والأزهار، أكثر منه بكثير.
أرنيكا (زهرة عطاس) نبات عشبي معمر من فصيلة المركبات الشعاعية. يقال أنه من النباتات الطبية العديدة المنافع للأمراض المبهمة. أما بلسم العين فهو نبات عشبي بري حولي شبه طفيلي لأنه يركب بجذوره جذور النباتات الأخرى. وأوراقه وأزهاره تنفع الرمد وجميع التهابات العين.
سحلب كلمة مولدة، ويعتقد المعجمي دوزي بأنها تصحيف لما كان يسمى في العربية خصي الثعلب. جنس أعشاب معمرة، بعض أنواعه الشاي الذي نشربه، فيه برية وأخرى تزرع للتزين سموها اليوم الأركيد.