العسكرُ المغوليّ، اللجب، كان قد أضحى قدّام أسوار الحاضرة. quot; كتبغا quot;، قائدهم المرعب الحضور، تأثلَ بعضاً من رقة أخته؛ زوجته الجميلة، التي سبق أن تنصّرت على يد كاهن نسطوريّ. ولكنّ هذه الرقة، الموصوفة، لم يحظ بها الآخرون، على كلّ حال، ممن أمعنوا في مداهمة برّ الشام. وكالعادة، تمّ قتل الرجال وسبي النسوة، فيما سيق الأطفال من ثمّ في طريق الإياب، المُفضي لبوادي آسية، القصية. وكان quot; كتبغا quot; قد أمّن العائلة الحاكمة، الأيوبية، مشترطاً قبل كلّ شي تسلّم مفاتيح المدينة. في سبيله، طائعاً، إلى خيمة المغوليّ الفاتح، تجاهلَ الملكُ الناصر عويلَ نسائه، المدمّر، المتصاعد من فوق الأسوار والمُخترق الآفاق، وإستصراخاتهنّ ألا يستسلم للكفرَة. إصطحبَ معه أفخر الجواهر والملبوس والجياد، هديّة ً للفاتح وحاشيته؛ هوَ العارف بطبيعة الحال، أنها أشياءٌ من متاع الدنيا، الفانية، ما عادت لتنفعه بشيء.
بإحتفاءٍ، مُعتبَر، إستقبل الملكُ الأيوبيّ، الفتيّ نوعاً، من لدن المحاربين، الذين أبدوا دهشة كبيرة أمامَ صورته البديعة، النبيلة. سألَ quot; كتبغا quot; عنه من كاتبه quot;كويوكquot;، فأجاب هذا وبسمة غلّ، سامّة، تقطر من شدقه: quot;كيف! إننا في حضرة سليل صلاح الدين، قاهر الملوك الفرنجةquot;. الملكُ الأسير، أمضى أياماً ستة حسب في تلك الخيمة الفارهة، المنصوبة في قلب المعسكر الغريم، المُرابط في quot; مقام إبراهيم quot;، على بعد فراسخ قليلة من أسوار المدينة. ومع عزلة مقامه، فإنّ الملك الناصر، حزيناً مقهوراً، كان يُدرك جيّداً ما يجري من أهوال في شامه الحبيبة، المنتهكة. هي ذي صبيحة اليوم التالي، السابع، الشاهدة على إفاقة ملولة، متعبة، للقائد المغوليّ، بعدما قضى ليلة اخرى، ماجنة، صحبة أجسادٍ لم يُبصَر مثيلاً لفتنتها تحت بريّة الله.
مُتطيّراً، بعث quot; كتبغا quot; إلى كاتبه، لكي يوافيه في الحال. كلمه بإقتضاب عن حلم مزعج، كان قد خرج من براثنه للتوّ: quot;شارفتُ نهرquot;بردىquot;، وأنا أكاد أموت عطشاً، ولكن راعني أنه يستحيل عليّ من موقفي ذاك، العالي، إدراكَ مياهه، المشهورة بعذوبتهاquot;. قرر quot;كويوكquot; ـ الذي كان معروفاً في البلاط بمراسلته البابا باللغة الآرامية ـ أن يؤوّل على هواه حلمَ سيّد البرَيْن والبحرين. ساعة اخرى، ثمّ أحضر على الأثر آخر ملوك بني quot;أيوبquot;، الشوام، فلم يلبث سوى دقيقة واحدة، ليهوي جسداً بلا رأس. في عصر ذلك اليوم، كان القائد المغوليّ يتسكع سعيداُ في دروب المدينة، الهادئة. حالما أشرفَ على النهر، المُقدّس، راح يتأمل أمواهه المذهّبة، والتي يزعمُ أنّ منبعها مركون فوق، في الجنة السماوية. أعطيت الإشارة الآمرة، المطلوبة، فما عتمَ بعضهم أن تعاونوا على رمي الجسد الملكيّ، الشهيد، في لجة النهر، مما أحدث جلبة حين إرتطامه بالمياه. تقلبت الجثة مرات، فيما التيار يسحبها ببطء متثاقل، حزين. الثواني والدقائق، مرّت دونما حدث ما، جلل، مما أفقدَ quot;كتبغاquot; رباطة جأشه: quot;يا أحمق! أيّ جثة لقادرة، وحدها، على خلق طوفان؟quot;، قال لكاتبه مغضباً. هكذا، تلقف النهرُ بقية الجثث، الأكثر طزاجة، لقتلى ذلك النهار، والتي كانت مكوّمة تحت برج القلعة، الرئيس، على شكل أهرام سامق. طافَ quot;بردىquot;، وإرتوى القائد الدمويّ من السلسبيل، النمير، المكسور إيسافاً بالسائل الخمريّ، الأشهى.