عبدالله السمطي من الرياض: لا توجد جهة إشرافية رسمية أو غير رسمية تتبنى أو تشرف على الملتقى الثاني لقصيدة النثر المزمع عقده في القاهرة في شهر مارس 2010، فمنظمو الملتقى لا يمتلكون مقرا ثقافيا ما للإشراف على الملتقى وتنظيمه، ولا يمتلكون رصيدا ماديا للإنفاق على الملتقى، وضيوفه، وإقاماتهم بالفنادق، وطبع الأوراق والبحوث، ولا يمتلكون دعما فنيا ولوجوستيا من مؤسسة ثقافية أو غير ثقافية بحيث يتسنى لهم من خلالها عقد الملتقى ليخرج بصورة ثقافية مشرفة، ما يمتلكونه هو مجرد مثاليات، وأماني وأحلام. فالأصدقاء منظمو هذا الملتقى الأدبي: أعضاء اللجنة التحضيرية مجموعة من الشعراء الذين ينتسبون إلى جيل الثمانينيات الشعري في مصر، مثل: ابراهيم داود، حسن خضر، شريف رزق، فارس خضر، فتحي عبدالله، عاطف عبد العزيز، علي منصور، غادة نبيل، محمد هاشم، محمود قرني، لينا الطيبي، نجاة علي، هشام قشطة. مطعمين ببعض شعراء التسعينيات، مثل: نجاة علي، فارس خضر، بالإضافة إلى الشاعرة السورية المقيمة بالقاهرة لينا الطيبي، والناشر محمد هاشم. وهؤلاء جميعا ربما ينتسب بعضهم إلى اتحاد الكتاب في مصر، وربما ينتسب بعضهم إلى جمعية:quot; أتيليه القاهرةquot; وهي جمعية أدبية وفنية مستقلة صغيرة لا تسطتيع ndash; من وجهة مادية ndash; تنظيم ملتقى كبير مثل هذا الملتقى الذي دعي إليه ما يقرب من 100 شاعر وناقد، فكيف يتسنى للجنة المشرفة على هذا الملتقى تنظيم ملتقى عن قصيدة النثر، إلا إذا كان الملتقى سيتم على نفقة الحضور والمدعوين من مصر والأقطار العربية.

التعددية الثقافية:
حدد الملتقى عنوانا عريضا له تحت مسمى:quot; قصيدة النثر والتعددية الثقافيةquot; وربط قصيدة النثر بالتعددية الثقافية يفتح المجال واسعا لكتابة quot; أي شيءquot; عن قصيدة النثر، كما يفتح المجال لأن تندرج كافة عناصر الثقافة من أدب وفن وفولكلور وعادات وتقاليد وقيم وأخلاق وفلسفات في مواجهة قصيدة النثر، وهذا ليس من شأن النظرة المعرفية أو الإبداعية لقصيدة مثل قصيدة النثر، تحتاج كثيرا إلى من يؤصل لها فنيا وجماليا ولغويا، عطفا على المنجز الإبداعي المديد لها طوال النصف قرن الماضي على الأقل. فهناك إشكاليات كبيرة تتعلق بهوية المصطلح، بركام النشر من الدواوين التي لم تجد من يتابع مكنوناتها وجماليات نصوصها، بالبلاغة الجديدة التي تطرحها بشكل مائز يفارق البلاغة المعهودة، بعلاقتها بالأشكال الشعرية والأجناس الأدبية الأخرى. فمهوم التعددية الثقافية ينطبق على أية ظاهرة أخرى، بحيث يمكن القول مثلا: القصيدة العمودية والتعددية الثقافية، او قصيدة التفعيلة والتعددية الثقافية أو المرأة أو الشباب أو الأدب المرئي... إلخ هذه الظواهر، ولو كان القائمون على الملتقى حددوا التسمية بquot; التعددية الجمالية أو التعبيرية quot; لكان أقرب لقصيدة النثر.

وقد حدد منظمو الملتقى محاور متعددة في البيان الذي وصلتني نسخة منه، تتمثل في التالي: quot; مفهوم الهوية بين الذات الجماعية والذات الفردية ويشتمل هذا المحور علي عدد من الموضوعات الفرعية مثل :
قصيدة النثر وعلاقتها بالتغيرات الاجتماعية والتاريخية التي طرأت على مفهوم المعرفة، الأيديولوجيا في منظور الوعي المثالي لقصيدة النثر.. ومضمون السؤالين الجمالي والسياسي في إطار رفض القصيدة لمبادئ التنميط التي تقوم عليها الأنواع الأخري، و صراع الأشكال الشعرية كجزء من الصراع الاجتماعي ودور الفنون عامة والشعر بشكل خاص في رأب فجوة التخلف.
أما المحور الثاني المتفرع من المحور الرئيسي فينطوي علي عدد من الموضوعات حول الترجمة وقصيدة النثر هي: جذور التأثير التخييلي والمعرفي في النص المترجم على قصيدة النثر، حدود الوعي الأخلاقي في الغرض الشعري في القصيدة العربية وتأثيره في تلقي النص المترجم، تطور الأداء اللغوي في قصيدة النثر ومدى ارتباطه بالنص المترجم، و قصيدة النثر المصرية منذ الأربعينيات بين دعوة التغريب والتعريب، النص المترجم والنقد الثقافي وهل يمكن تصوره خارج سطوة المركزية الأوروبية وتجلياتها الاستعمارية.
أما المحور التطبيقي والأخير فقد تضمن عددامن الموضوعات الفرعية بينها : ديوان laquo;سأم باريسraquo; وتمثيلات الشعرية العربية الجديدة وحدود التأثير والتأثر، محمد صالح شاعر الاختصارات الممكنة..تاريخ من الشعر وإمعان في الرحيل، التجربة الشعرية السبعينية.. سؤال مفتوح على المستقبل.. أم تراكم تأويلي في فراغ الصورة؟، شعراء laquo;البيتraquo; نافذة على الشعرية الاعترافية وسلطة جديدة للغنائية، قصيدة النثر المصرية..... سرعة الوقوع في النمط.. وآفاق الاستمرار، وأخيرا المجلات الثقافية المصرية ودورها في دعم الشعرية الجديدة: الكتابة السوداء، إضاءة،الكتابة الأخرى، الجراد، شعر، الرافعي، مصرية quot;.
بالنسبة للمحورين الثاني والثالث يقتربان من أفق قصيدة النثر، أما المحور الأول فهو محور عام يتحدث عن الهوية والأيديولوجيا والتأثير والتأثر وآفاق الاستمرار وهي قضايا خارج الشكل الجمالي والتعبيري لقصيدة ما زالت تعاني من نخبويتها، وعدم وصولها للجمهور العام الذي لا تهتم به أو تهتم بالتواصل معه، إذا يكتفي الشعراء هنا بالتواصل مع بعضهم البعض في حلقة تعبيرية مغلقة.
وإذا كان المحور الثالث يشير إلى تجربة المجلات الثقافية الخاصة، فهي تجربة سبق أن كتب عنها في أكثر من موضع، وهي مجلات تطبع ما بين (500) نسخة إلى (1000) نسخة، وليس لها من كبير تأثير باستثناء مجلة الكتابة الأخرى، كما أنها لم تصدر سوى عدد أو عددين صغيرين، فكيف يكون لها هذا التأثير الذي يستدعي حضورها ومناقشتها في ملتقى عن قصيدة النثر.
وحضور التجربة السبعينية في الملتقى سيكون حضورا لاضطهاد هذه التجربة، خاصة وأن شعراء الثمانينيات والتسعينيات يقفون موقفا سلبيا مسبقا من هذه التجربة، ولا يرون لديها أي إسهام كبير في كتابة قصيدة النثر أو التأسيس لها جماليا ودلاليا، من هنا فإن هذا الحضور سيكون حضورا شكليا أشبه بنعي هذه التجربة، ونعي ما قدمه شعراؤها في مجال قصيدة النثر على الرغم مما قدموه من قصائد أو دواوين في ظل هذه القصيدة.

من يقاطع من؟
يدعو البيان إلى مقاطعة اتحاد كتاب مصر، ووزارة الثقافة، وهي دعوة تحفزنا للتساؤل، فأغلب شعراء الملتقى من المصريين ينشرون قصائدهم في مجلات وزارة الثقافة منذ ثمانينات القرن العشرين وإلى اليوم، وأغلبهم أعضاء في اتحاد الكتاب، وبعضهم فاز بجوائز الدولة التشجيعية مثل الشاعر عماد غزالي، وأغلب أعضاء اللجنة التحضيرية طبعوا أعمالهم ودواوينهم في مؤسسات وزارة الثقافة، في هيئة الكتاب المصرية، وفي الهيئة العامة لقصور الثقافة، بل إن بعضهم يعمل في هذه المؤسسات مثل: فتحي عبدالله، وحسن خضر.
فإذا كانت هذه الدعوة حقيقية لا تمثيلية أو مسرحية، فلينسحبوا من اتحاد الكتاب، أو يستقيلوا من وزارة الثقافة، أو يتنازلوا عن الجوائز التي حصلوا عليها من وزارة الثقافة ومن المجلس الأعلى للثقافة. هذه المقاطعة ستكون مقاطعة صورية ومسرحية، وسوف يقوم الجميع بإسدال الستار عليها بعد أن ينتهي الملتقى.
يقول البيان في تبريره للمقاطعة: quot; اللجنة التحضيرية للملتقي الثاني لقصيدة النثر تدعو المثقفين المصريين والعرب الي مقاطعة مؤتمر اتحاد الكتاب وتقول:
-الاتحاد سلطة محافظة تاريخيا، ووزارة الثقافة تسعي لتدمير الملتقي المستقل
- الحفاظ علي امتيازات المثقف السلطوي وراء محاولات احتواء الملتقي
- محور نقدي طموح ودعوة لشعراء يمثلون المشهد الفاعل في كل البقاع quot;
وهذا كلام كبير قوي ndash; كما نقول في مصر، فإذا كان اتحاد الكتاب ndash; وأنا لا أدافع ولا أهاجم لأنني لست عضوا في أية جهة أو مؤسسة ثقافية ndash; quot; سلطة محافظة تاريخياquot; لماذا يتكالب المنظمون والمدعوون على المشاركة في أمسياته الشعرية؟ وإذا كانت ووزارة الثقافة تسعي لتدمير الملتقي المستقل، لماذا تخطبون ودها، وتطبعون أعمالكم الشعرية بمؤسساتها؟ ثم من هو المثقف السلطوي والمثقف المستقل؟ إذا كانت هرولة المثقفين على الأغلب تتم في أروقة مؤسسات وزارة الثقافة؟ وفي ردهات مبانيها التابعة لها، ومطبوعاتها الممهورة بختم quot; الكاتب الجالس القرفصاءquot;؟!!
أما الكلام عن ال quot; محور نقدي طموح ودعوة لشعراء يمثلون المشهد الفاعل في كل البقاع quot; فهذا أشبه بالحلم، لأن هناك نقادا وشعراء آخرين قد ينطبق عليهم هذا الوصف.
أما عن النقاد المشاركين، فإن معظمهم لم يتعامل مع قصيدة النثر بوصفها ظاهرة جمالية مفارقة، وما كتبوه عنها لم يتجاوز تحديد المفهوم والمصطلح، باستثناء بعض المقالات والدراسات الصغيرة، بل إن بعضهم لم يقترب من أجواء قصيدة النثر أو يرفضها جملة وتفصيلا مثل النقاد المعروفين: عبدالله الغذامي وسعيد السريحي، وجابر عصفور وفريال غزول، حسين حمودة، حسن البنا عز الدين، سناء أنس الوجود، أمينة رشيد، جمال التلاوي على سبيل التمثيل. فكيف يمكن أن يسهم ناقد لا يعرف شيئا عن تيارات وتوجهات قصيدة النثر الفنية والتعبيرية، ولا يعرف تقاسيمها الجيلية والكتابية، ولا يدرك توجهاتها ومدارسها؟ كيف سيتعرف ناقد لم يقرأ قصيدة النثر على خصوصية تجربة أنسي الحاج مثلا، وارتباطها بالنشيد التوراتي ونشيد الإنشاد، وارتباطها بالمقدس والأسطوري، هل سيقرأ سوريالية عبدالقادر الجنابي، أم بدائية صور الماغوط، أم العالم المديني لدى سركون بولص، أم طبيعة شوقي أبي شقرا، أم ألم وحنين بيضون، أم أسطورية الصحراء عن الرحبي؟
لا أعتقد في اقتراب نقاد لا يتابعون قصيدة النثر أو يعرفون قضاياها من هذا المشهد النثري، إلا إذا نزلت معجزة ما بين ليلة وضحاها في الملتقى.

ملتقى أم سوق شعري؟
هذا العدد الكبير جدا الذي يشارك في هذا الملتقى يشبه السوق الشعرية، هذا السوق الذي تنفر منه قصيدة النثر، فهي دائما ما تنتقد الأسواق الشعرية العكاظية التي تعقد ndash; أو كانت تعقد- في عدد من الدول العربية، وهي تنتقد المهرجانية، وتنتقد المنبر، يقول بول شاؤول مثلا: كل مهرجان شعري هو اعتداء على القصيدة، فكيف يمكن أن تقوم قصيدة النثر بتقرير ما تختلف معه وتنقده؟
فهذا العدد الكبير من المشاركين والمشاركات الذي يبلغ (208) أين سيقيم؟ وما هي الجهة الثقافية التي يمكن أن تغطي نفقات الملتقى، ثم متى وأين وكيف سيتم إلقاء الأشعار في أمسيات شعرية. هذا العدد الكبير لا يحتاج ثلاثة أيام فقط، بل يحتاج عشرة أيام على الأقل؟ فأية مؤسسة أو جهة ثقافية يمكن أن تستوعب هذا الحضور؟ هذه ملاحظات أولية على هذا الملتقى الذي نتمنى أن يخرج بصورة وضيئة، ولكن
في انتظار عقده سوف نجلس جميعا تحت شجرة شطر بيت المتنبي:quot; حسب الأماني أن يكن أمانياquot;.