كأساً ثانيةً وأكاشفُ كلَّ صفاتِكَ
... رابعةً أتلمّسُ نورَك
كأسًا أخرى ...
يتجلّى وجهُكَ في الساقي
***

يا هذا الساقي
الحانةُ زاويتي
معتكَفي في الحَيرةِ
معراجُ تباريحي
مملكتي في الأرضِ
فلا تتذمّرْ يا هذا الساقي
وتَضُنَّ ببعض الخمرِ
إنْ أنا جاوزتُ اليومَ حدودَ السُّكْرِ
***

يا هذا الساقي
تقتلُني العزلةُ إذْ تمتلئُ الحانةُ
أشعرُ ، حين أكونُ وحيدًا ،
بجلالِ الضوضاءْ
***

يا هذا الساقي
ضيّقةٌ أمكنةُ الحانْ
حَطِّمْ خابيةً واسكبُها
فوق الجدرانْ
***

يا هذا الساقي
كلَّ مساءٍ
أرمي جسدي المُتعَبَ
في هذا المقعدِ
كلَّ مساءْ
تَسقيني خمرَكَ
كي أسكرَ
لكنّي حين أرى وجهَكَ
أَسكَرُ بالماءْ

***
الحانةُ وَسْنى
لا أسمعُ إلاّ هَسْهَسَةَ الكأسْ
يا هذا الساقي ما أعذَبَ أنْ
نَفقَهَ أسرارَ الكأسْ
***
في الحانةِ مَرضى وسُكارى
ووجوهٌ بيضاءُ وسوداءْ

أَخرِجْ من قُدْسِ تَكيَّـتِنا
مَن لا يَسكَرُ إلا بإنـاءْ
***

يا هذا الساقي لي جسدٌ
قد شَفَّ كبِلَّورِ الأقداحْ

وغدًا سأجيءُ بلا جسدٍ
فالحانةُ زاويةُ الأرواحْ
***

يا هذا الساقي أَخبِرْني
هل أرقصُ أمْ
أبقى متّشِحًا بالأحوالْ
***

يا هذا الساقي
كم أنتَ سخِيٌّ
وسخيٌّ دَفقُ حنيني في الأضلاعْ
وسخيٌّ مَن
يُسرِجُ هذي الحانةَ في الليل
بألفِ شعاعْ
***
يا هذا الساقي تكفي
خمسةُ أقداحٍ لِلّيلةِ
ثّمةَ ليلٌ آخرُ يَضربُ في
أضلاعي ميعادًا آخرَ للنشوة
***

يا هذا الساقي
لا تَسأَمْ في حضرةِ نشوتِنا
هُيّامٌ نحن
بأرواحٍ هَيمى
أنُظُرْ كيف يشعُّ اللؤلؤ في
خشبِ الحانهْ
واشهدْ ميلادَ الجنّةِ في
هذي الكأسِ المرجانَهْ

***

يا هذا الساقي تسألُني
عن جدوى العشق؟
لكي تلتمسَ المعنى الأسمى للنشوةِ يَلزَمُ أنْ
تعشقَ مَن
ليس يُيَـتّمُ في
منتصف الحُبِّ
وأن تعشق مَن
يُسلسُ للوجد مشيئتَهُ
أن تعشقَ مَن
يلِدُ النورَ ويَقذفُه في
قلبِكَ

أن تعشقَ مَن
لا تُدرِكُه إلا
بخواتيمِ النشوةِ
أن تعشقَ مَن
لا يُضمرُ إلا...
الإفصاحَ عن الحُـبّ
وأن تعشقَ مَن
يتعوّذُ بالحبّ مِنَ الوقت
وأن تعشقَ مَن
يتسلّلُ كالضوء إلى عينيك ...

فيا هذا الساقي
إنْ غامرتَ بهذا العشقِ
يُضيءُ الكشفُ حواسَكَ
يَغشاكَ تَجلِّي الحَضْرةِ في أَوْجِ غيابِكَ
تَشهَدُ بالأنوارِ الكونَ ومُمكِنَهُ
تَصِلُ المحبوبَ كأنكَ تَسكُنُهُ
تُسْلِسُ للمِشهدِ عينيكَ
وتَدخلُ في الحالْ
***