محسن الذهبي من لندن: إن أهم ما يميز تجربة الفنان العراقي(لهيب كامل) هو ذلك التنوع التقني وا لأسلوبي فبعد ان اغترف من اسس المدرسة الواقعية في التشكيل الفهم الواعي لعملية الخلق الجمالي حاول ان يتجاوزها الى عوالم الحداثة والتجريب التجريدي لكنه بقى وفيا لانحيازه لقضية الانسان في واقعيتة وتجريده،اذ جسد في لوحاته حالات إنسانية لا تفارق حس البيئة المحلية بل تقصد فعلا ان يبرز تلك الاجواء الطبيعة المحيطة بالانسان في فيضيها اللوني وكأنه يحاول ان يستوعب ثنائية الوجود بين الانسان والطبيعة كاشارات ورموز تزخر بزخم انفعالات لونية مجسدا لرؤية مغايرة تستند الى عوالم الواقعية حتى في تجريديته التي انحاز إليه في تجاربه الأخيرة بل بقي وفيا للتشخيص في طرح الثيم الانسانية.
لقد استوعب الفنان بمعرفه علمية وجهد واضح الأساليب الفنية الحديثة وتقنيات التلوين المتنوعة عبر التجربة والاطلاع والممارسة. فمذ تخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد متأثرا بالارث التشكيلي العراقي واعمال الرواد، نراه لم يتوقف في اي من مراحل تطورة الاسلوبي عند حدود الصياغة التسجيلية السهلة، بل حاول جاهدا تجاوز الواقع نحو تلك الدلالات انسانية مستفيد من تطورات حركة الحداثة في التشكيل العالمي، عبر خلق تيار لوني يغري عين المشاهد عبر المساحات و الضربات اللونية الايقاعية، التي تمتاز بالحدة والشفافية والكثافة. فاللون حاضر بقوة في اعمال الفنان مثلما اشتغل على موضوع الايقاع الداخلي ومحاولة الانزياح عن الاصل دون ان يضيع ملامح الشخصيات او هوية المشهد المصور بل ركز بشكل لافت على قوة السطوع اللوني لابراز التاثير المشهدي.
ان المتتبع لأعمال الفنان يجد نوعا من اجواء السكينة والهدوء تتمازج مع امتداد اللون.rlm; هكذا يتدرج في صياغاته الفنية من التجسيد التصويري في خلق المشهد بواقعية التي تحافظ على روح الإشارات والأشكال وحركاتها الدالة التي يقترب فيها من صياغة الخيالي الرمزي.rlm;
أن تجربة الفنان التشكيلي (لهيب كامل ) تدخل ضمن تجارب التجريب و البحث عن مغزى جديد يحاول من خلاله أن يلائم بين المرئي الخارجي و المتخيل، حيث إنه يعبر جوهريا بهذه المقاربة عن رحلة ذهنية قد تقودنا إلى عتبة الكشف عن الكمون الجمالي للصورة، ان اشتغالاته تحاول مسايرة الفعل التشكيل كي يكتمل بذاته، ليشكل الحضور الجمالي لغة تعبيرية تنفتح على المنجز التشكيلي المحمل بالدلالات الموحية.
إن رصد العمق الجمالي في أعمال الفنان يتوقف على تفكيك تلك الاشتغالات للكشف عن العناصر الخفية في عمق اللوحة بكل تجلياتها المعبره. فاعماله تكشف عن محاوله مقصودة بالعودة الدائمة إلى الواقع، فمن رسوم اجواء القرية والريف و طبيعة اهوار الجنوب العراقي الى رسم الوجوه الانسانية التي تتميز بتعبيرات موحية تعكس دواخل تلك النفوس البشرية وهمومها، فالوجه وملامحه هو مرآة الانسان وكاشف عن كل انفعالاته. ولان الفنان هو ابن الواقع والبيئة المحلية نراه يجسد المشهد ويغور في كشف اسراره عبر مشاهد يلتقطها من مخزونه الفني تعكس معاناة الانسان و تناقضات الحياة مع أسئلة الوعي ليجسدها باللون و الشكل و يعيد خلقها فيمنحنا شعورا بصوفية المشهد الروحي الذي يسيطر على أرجاء المكان ببصماته اللونية وبتراثه البصري.
لقد عالج الفنان موضوع الانسان والمكان بواقعية تصويرية وبحس تعبيري مؤثر. لا يبتعد عن الموروث كعنصر أساسي وهام في اغناء فكرة العمل.
فاللوحة لديه من حيث التعبير الفني تعتبر تخيلا يفوق الخيال الواقعي، فلا هي بالخيال المطلق كما انها ليست بالحقيقة الفوتوغرافية، بل هي تعبير ذاتي يصب فيها كل أحا سيسه الجمالية و العاطفية مرة واحدة. و نستطيع ان ندرك بوضوح التعبير الحسي كإحساس مجازي يثري دواخل الإنسان ويبحث في استلابه.
ان الفنان( لهيب كامل ) في كل اعماله لا يقف موقف المحايد من قضية الانسان والتعبيرعن همومه وتطلعاته واحلامه. بل هو يحاول ان يعبر عن الحس الجمعي وان صور الفرد المجرد في اغلب اعماله، فهو بأسلوبيته الإبداعية يحاول صياغة لغة نقدية للواقع مما يتيح للمتلقي قراءة النص التشكيلي كنص جمالي متفاعل إذ تنطوي تجربته على جهد في واضح.
ناقد تشكيلي عراقي مقيم في بريطانيا
[email protected]
التعليقات