عبد الجبار العتابي من بغداد: على خارطة الثقافة العراقية بدأت تتضح ملامح ظاهرة طالما غابت عن الساحة الادبية لسنوات طويلة، وتتمثل في بروز عدد من الشعراء والادباء بشكل عام بتشكيل مجموعات ترتبط بعلاقات الصداقة تقوم بالترويج لبعضها البعض في كل مناسبة وفي كل نشاطات المؤسسات الثقافية والمهرجانات بغض النظر عن المستوى الفني للنتاجات التي يقدمها هؤلاء، فلا تشاهدهم الا فوق المنصات دائما، وتسمع اصداء التصفيق.
حين كانت القاعة التي تحمل اسم (الجواهري) في اتحاد الادباء العراقيين شبة ممتلئة بالحضور، صعد أحدهم الى المنصة مقدما للاصبوحة التي هي من نشاطات الاتحاد، ثم استدعى شاعرا ليقرأ، واخر.. واخر..، لكن تسرب الحضور كان واضحا مع صعود الشعراء الى المنصة، وراحت العديد من مقاعد القاعة تخلو، وبالتأكيد.. انا اعرف السبب كوني زائرا دائما لاصبوحات الاتحاد، ذلك ان الوجوه التي قرأت الشعر ومقدم الاصبوحة ومن قرأوا شهادات نقدية هم انفسهم يحضرون كل يوم سبت واربعاء من كل اسبوع، (وفي هذين اليومين تقام نشاطات الاتحاد حصرا)، وكان لا بد لهذه الوجوه اللافتة للنظر ان تدعو الى الاستفهام عن سبب تواجدها الدائم مع غياب للوجوه الجديدة، او الوجوه المشهود لها بالابداع، حتى اصبح الملل يدب مع ظهور الوجوه المتكررة، واصبح اللغط يزداد لاسيما ان اغلب هذه الوجوه غير مبدعة وتبحث عن الشهرة فقط، وهو ما صار يعرفه الجميع ويعلنون استياءهم منه بشكل مباشر وواضح، وهم يؤكدون ان هذه المجاملات والاخوانيات لا تنفع الادب ولا ترفع من قيمته بقدر ما تسيء اليه، ولا اكتم ان العديد من الادباء الذين لا يحضرون نشاطات الاتحاد حينما نسألهم عن اسباب الغياب يقولون (انها نفس الوجوه نراها كل اسبوع، فعلام المجيء الى مكان تتكرر فيه الوجوه نفسها والاحاديث ذاتها)!!.
ومن اجل الوقوف على ظاهرة الاخوانيات التي اخذت تستفحل بشكل افرغ الاتحاد من ادبائه الحقيقيين ومنح التسيد لاخرين، حاولنا قراءة افكار عدد من الذين لهم مساس بالظاهرة وفي الاخير حملنا تساؤلاتنا ليجيب عنها رئيس الاتحاد.
يقول الشاعر مروان عادل: لا يحدث هذا في هذه الجلسات البسيطة فقط، بل حتى في المهرجانات الكبيرة في العراق، عندما يدعون.. يدعون الذي يمر في بالهم، ليس هناك تكليف للنفس بأن اجهد نفسي فأبحث عن اسماء اخرى، مع العلم ان لدي عناوينها وارقام هواتفها وايميلاتها واستطيع ان ادعو انسانا في اخر الدنيا، لكن ما يحدث ان يأتي شخص في مكان ما او مؤسسة ما وتريد ان تقيم جلسة شعرية وتستقطب الفضائيات، تريد بأبسط شيء، بدون تعب او الاتصال بأحد ولا يدعو ولا ينشر خبر في جريدة ولا في التلفزيون ويرد ان ينجز جلسة في مقر اتحاد الادباء، مقر الجواهري، فيأتي بالموجود وكأننا نجلس في بيت عائلة فقيرة كبيرة ونأكل هالموجود !!!.
واضاف: انا حقيقة اسجل تحفظي على كل ما يحدث في كل منبر في بلدنا العزيز المليء بالشعر والشعراء، هناك اسماء لا تحضر مهرجانات ابدا، لان لا احد يدعوها ابدا، وهناك اسماء لا تمثل شيئا وهي تدعى دائما، وانا اعتبر هذا قصورا في الاداء وليس تقصيرا متعمدا.
وأوضح مروان: هذا موجود حتى في التصريح، ان فلان يقول لفلانا نني يأجعل منك مثل فلان، اللهم اني صائم، لا اريد ان ادخل في التفاصيل، ولكنني احيله الى القصور وليس الى التقصير، فهو عندما يريد سبعة شعراء لجلسة ما فهو يأتي ويدور على الجالسين ويسألهم (هل تريد ان تقرأ شعر.. هل تريد ان تقرأ شعرا!!)، لماذا تفعل هذا الان وكأنه مفاجأة لك، وليس ان اسبوعا كان لديه او عشرة ايام ولديه جدول، وهو بأمكانه ان يدعو اي شاعر في العراق ووسائل الاتصال عديدة ومتيسرة، ادعوه بحفاوة وتكريم وادعو له جمهوره وادعو له الناس المهتمين به، واعطي للجلسة حيوية تؤدي الى حراك ثقافي، اما ان اسقط فرض الجلسة، فهذه قد انتهت، في عام 2007 كانت هنا تحدث جلسات اسقاط فرض بسبب ظروف البلد، الان انتهى هذا الامر، لا يجب ان يسمح في هذا المكان، وان اردنا ان نعطي للمواهب الجديدة او ضعاف الموهبة، وانا آسف لهذا القول، لا بد ان ننوه عنها او نعلن عنها على انها كذلك، كنا نسمي تلك الجلسات (قريبا من الضوء) نحاول ان نقول فيها: ان هذه اسماء جديدة سنطرحها هنا فيأتي الاعلامي والمستمع وهو متوقع ان هناك شعراء جددا قد لا يكونوا بالمستوى، ولكن ان اعلن ان هذا الشاعر الكبير والشاعر العظيم والشاعر المبدع، ثم يظهر لي واحد يسيء الى اللغة والذائقة والقصيدة، هذا يجب ان لا يحدث، هذا يجب ان ينتهي، كما تنتهي الدكتاتوريات والتخلف، صدقني لا يصنع التقاليد الجيدة غير المثقفين، وأن نحن المثقفون آمنا واستسلمنا لسيئاتنا اولا ولسيئات المجتمع، لن يؤسس للثقافة اخرون.
اما الشاعر محمود النمر، فكان ساخطا قبل ان نسأله رأيه، وقد خرج من القاعة غاضبا، وهو ما جعلنا نستوقفه، فقال: اخوانيات.. اخوانيات ومجاملات على حساب الادب والثقافة، وصار الحال خرابا، هذه الاخوانيات الموجودة، هي لفلان وفلان وفلان، هل هذه هي الثقافة؟، هل هؤلاء الذين انتخبناهممن اجل ان يؤسس فلان عصابات في اتحاد الادباء، لكي يهمش الاخرين من شعراء بغداد والمحافظات، انه يجمع من يراه قريبا عليه او صديقا له.
واضاف: تصور يوميا نرى فلان الشاعر يقدم الاصبوحة، ثم فلان وفلان، وأحدهم يحتفي بالاخر، وكأنما الدنيا انتهت والثقافة لم يعد فيها سوى هؤلاء، اما رئاسة الاتحاد فدورها غائب على الرغم من حضور رئيس الاتحاد في القاعة، الذي يصفق بيديه لهم، وهذا هو الغلط الاكبر والكفر الاكبر بالشعر والادب.
اما القاص والكاتب عبد الكريم مراد فقال: انا اتعجب من حالة الاخوانيات التي اصبحت تسيطر على نشاطات الاتحاد الادبية، ولا اعرف ما اللذة منها في الحياة الثقافية، لدينا العديد من الشعراء الجيدين في الاتحاد المهمشين، لا اعرف لماذا هذه المجموعة، لا ضير ان تقدم صوتا لك علاقة به ولكن ليكن صوتا بمستوى المسؤولية، لديه قيمة شعرية، ثلاثة ارباع الشعراء الذين يتسيدون منصة الاتحاد لا اعتقد انهم يمتلكون القيمة الشعرية، والحالة مجرد اخوانيات، وهناك من ينفخ نفسه على (خالي بلاش)، وانا سبق ان حذرت رئيس نادي شعر وطلبت منه ان يبتعد عن الاخوانيات، ولكن يبدو انه بدأ بالتمادي، والتمادي ليس جميلا.
وأضاف: انا اعتقد ان الخلل في رئاسة الاتحاد، قارن بين الان وبين سنوات ماضية قديمة، اعتقد ان في الثمانيات كان هناك شعراء جيدون وهم الظاهرون والمعروفون، الان يوجد شعراء جيدون ولكن التهميش يغطيهم، وبصراحة يتحمل الاعلام جزء كبيرا من هذا لانه بصراحة اعلام مجامل، يقوم بتصعيد هذا وربما يصطدم به عندما يقدم نتاجا هزيلا، ولكنه لا يأبه لانه زميله او صديقه، ونحن نتحدث عن هذه السلوكيات الخاطئة.. ولكن لا احد يسمع، واحيانا هذه المجموعة تريد من يتملق لها وهناك شعراء لا يمكنهم التملق فيبقون خارج قوس.
اما الشاعر الشاب مالك عبدون: المنصة محتكرة من قبل خمسة اشخاص، وصار هناك ملل، نحن لدينا عزة نفس ولا نقول نريد ان نقرأ ولكن يبدو انه منصة الاتحاد اصبحت ملكا لهم، وبصراحة.. صحيح ان الجمهور يقيم، وللكن ماذا نفعل اذا شعر الجمهور باسفافه، انا ارى ان الجمهور لا يقيم دائما، خذ مثلا: الكاتب ستاندال صاحب (الابيض والاسود) حين كتب هذه الرواية قرأها عشرون شخصا، وبعد 80 سنة عرفوا قيمته، او اميلي دنكستون بعد 150 عرفوها بسبب وجود اشخاص مثل هؤلاء، وهذه الحالة لا يتركونها.
واضاف: الاتحاد يعتمد مبدأ (شيلني وأشيلك) هم انفسهم يفعلون ذلك، وحتى في النشر تجد العاملين في هذه الصحيفة ينشرون لزملائهم في تلك الصحيح وبالعكس، نتمى تذهب وندعو لهم بالشفاء منه لان هذا مرض، ولان حب الانا مرض ايضا، والمبدع عليه ان يحب لغيره، وهذه ليست صفات مبدعين.
في الاخير كان لا بد من وقفة عند رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق فاضل ثامر للتعرف على رأيه لا سيما والاتحاد اكثر من يشعد مثل هذه الملامح، فقال: نحن في اتحاد الادباء لدينا اضافة الى الانشطة الثقافية الرسمية مجموعة من المنتديات والروابط الثقافية المختلفة التي تمتلك استقلاليتها الخاصة، ومنها نادي شعر الذي يضطلع بتنظيم الاصبوحة الشعرية التي تقدم عادة صباح كل يوم سبت، نحن لا نتدخل في التفاصيل الدقيقة الخاصة بمفردات كل اصبوحة، اسرة النادي هي التي تستضيف، وبالتأكيد هنالك طيف اكبر من الشعراء العراقيين في المرحلة الراهنة الذين يمثلون هذه المرحلة بكل تنوعاتها وبكل غناها، ولكن في بعض الاحيان العجالة في التحضير تقود الى نوع من التنظيم غير الموفق وذلك من خلال الاتكاء على مجموعة الاسماء القريبة التي تشارك في هذا الشيء، ويبدو لي كان الاعتماد اساسا على تواجد عدد من الزملاء الشعراء في الاتحاد للمشاركة.
واضاف: نحن نمنح المنتديات الحرية الكاملة في التخطيط، لا نتدخل، ربما تأتي الملاحظات لاحقا، ربما نقدم المشورة والنصح لكننا لا نتدخل، نمنح الثقة والصلاحيات الكاملة للتخطيط وهو يدركون ذلك.
وتابع: نحن ضد مبدأ الرقابة الشعرية ومع مبدأ الحرية، ونعتقد ان المتلقي هو العين اليقظة التي تستطيع ان تصوب الكثير من نقاط الضعف والاخطاء او الاعتراضات التي تسجل، لا نخاف على هذه التجربة لكننا نقول من خلال ملاحظات الجميع بأنها يمكن ان تصوب وتعدل لما فيه الافضل.
وعن رأي لنا في ان الاتحاد لا بد ان يكون للنخبة وان يكون المصفى للمواهب المبدعة قال: لا خلاف على ذلك ولكن كما قلت بعض التشكيلات على الرغم من ابداعيتها الكبيرة، يحدث له ذلك، مثلا لنذهب الى بيت الشعر الذي يقوده الاستاذ احمد عبد الحسين ومجموعة من الشعراء المبدعين الكبار، بيت الشعر وقع في نفس المطب، بدأ يقدم القراءات للمجموعة نفسها وكأنما اصبح (غيتو) محسوم بعدد من الشعراء، نحن لا نريد ذلك بصراحة، يعني يجب ان نعترف بهذا التنوع ومن الضروري اشراك الزملاء، وهذه الملاحظة التي تقدمتم بها مهمة لنضمن هذا التنوع في المستقبل.