غمز الرجل المرأة التي في الصورة بالأبيض والأسود. غمز الصورة التي تنتصب كبيرة في المدار الكبير. غمزها بحنان وبعشق كما لو كان ممثلا يؤدي دورا على خشبة مسرح، فقد مد يديه عاليا فوق رأسه، وأخذ اللازم من الوقت، وفعل.
طبعا الرجل لم يكن مُصابا بمس ما، ولا به نزع عُصابي ما، ولم يكن أحمق، أي من هؤلاء المجانين الذين يكثرون في المدارات العامرة بالسير البشري. كان إنسانا لا عيب ظاهري قد يعضد ما فعل، ويفسره لأول وهلة.
وطبعا المرأة ليست بها حياة، بل مجرد رسم في ورق صقيل غليظ بمقاييس عشرة في خمس عشرة متر، صورة جامدة لا غير. هي صورة كبيرة في لوحة كبيرة لامرأة جميلة وشابة قبلت أن تعير وجهها لملصق إعلاني، وهي من تلك اللائي يخطرن بقامات نحلية، وسيقان لا تنتهي، وصدور منتفخة، ووجوه صبوحة تنعكس في الأضواء، الطبيعية والمصنعة. لكن الصورة ليست حية كما تعرفون وكما ذكرت. وطبعا تسألون، لابد، وبكل تأكيد: لماذا غمز الرجل السوي ذو الحجى والعقل المرأة التي في الصورة؟..
وإذن وفقط لسبب بسيط، سبب قد لا تكونوا خمنتموه، وقد لا تدركونه أبدا. كما يمكن أن البعض منكم قد شك فيه ولم يجرؤ على قوله. والبعض الآخر قد يلاحظ ويتعجب لبرهة وجيزة جدا قبل أن يجد الجواب المقبول السهل، والذي يقول بأن الزمن هذا زمن المخبولين الذين جرتهم الشهوات المشرعة والفتن المتربصة في كل ركن و في كل ناحية نحو هاوية الفعل المشين.
إلا أن السبب، وإذن، هو بالتحديد لكي تتساءلون ويبدو عليكم الشده السقراطي. أي أن تقفوا في أماكنكم وأنتم مارين، وبالتالي يثير فضولكم، فتتساءلون عن مبرر ما فعل، وتشكوا في عقله، ولا تفهمون كيف يقوم رجل في كامل شياكته الفائقة العناية، وأناقته الكاملة من قمة الرأس حيث القبعة الاسكتلندية بالمربعات الحمراء إلى أخمص القدمين، أعني الحذاءين، وكامل قدراته، بغمز امرأة في صورة، حتى ولو كانت كلوديا شيفر أو سيندي كراوفورد ذات الخال الشهير على الخد؟ أي من اللائي قد يفتن من لا يفتن أصلا وهن مجرد صور مكبرة مستبدة، وبالأحرى إن كن من لحم ودم وعرق!
فتتساءلون إذن، وحينها يبدأ هو بالابتسام كمن رضي عن نفسه وفعله، ويشرع في الضحك عاليا كمن استبدت به لحظة انشراح فريدة. بمعنى أنه يكون قصد الضحك في الأصل لما يرى أنه أصاب الهدف وبدوتم له مشدوهين وحائرين، فيقهقه حتى تبين أضراسه. نعم يضحك ملء فيه فقط. وطبعا يشمت فيكم طويلا. فلقد أدرك أنه وضعكم في المقلب وشد انتباهكم البليد والغبي.
ولكن، وهذا هدف ثان يخفي الهدف الأول الذي هو الضحك والشماتة، وهو في الحقيقة أقل منه قوة لكن لا يتجاوزه من حيث القيمة، وإذن وحتى إن لم تفعلوا، أي لم تنتبهوا، وهو أمر لا يحدث أبدا عندنا هنا في أحوازنا حيث لا أحد يهتم بشغله، إن لم تفعلوا يحس هو بنشوة أفلاطونية للغمز للمرأة الجميلة وحده. لنقل أنه يكون مرتاح البال ومطمئنا على روحه وخصوصا على عقله، فيستوي في وقفته ويرفع رأسه بتؤدة ويتأمل بهدوء ودعة كمن يقف أمام لوحات في معرض تشكيلي باذخ مثل متحف الفن المعاصر بنيويورك مثلا. الحق أنه قد يتخيل الأمر كذلك، فهو يعشق الصور وإلا فماذا يعني وقوفه هنا بالضبط؟ لكنه، هو المسكين القاطن في مدائن لا فن فيها ولا جميل، لا يستطيع إلا أن يكون في الشارع الكبير ومحاطا بالصور الكبيرة للنساء الجميلات اللائي يبدين متعاليات ومخترقات للفضاء. فالصورة تختال، تلبس quot;أشيكquot; الثياب، تتدلل، وتتعطر حتى، فما بين العين والأنف ليست هناك سوى مسافة إحساس يجب أن يتم تجاوزها. وذاك ما حصل للرجل دون أن تعرفوا (أو إن عرفتم، لا يهم). المرأة الجميلة تصير الصورة، وتنفخ فيها حركة إثارة وفتنة وجذب. فتتحرك، والرجل ليس عديم الإحساس، فينجذب ويفتتن، ويعلن قدرة الإنجذاب وقوة الفتنة.

وهكذا فهو يقضي وقتا طيبا ينظر ويتأمل ويغمز بطبيعة الحال، ويتملى وينشرح.
أي يحقق رغبة غير مألوفة.
أي هو الرابح في الحالتين.
أو هكذا ظنه وما همه ما قد يقال.


bull;دبج الكاتب هذه القصة بالفرنسية في الأصل، ونُشرت بمجلة Virages الكندية المتخصصة في القصة القصيرة، عدد 48 سنة 2009.