عبد الجبار العتابي من بغداد: أكدت الفنانة العراقية آمال ياسين ان لا سينما حقيقية في العراق مشيرة الى انه من المعيب ان نتحدث عن السينما العراقية، ولا يمكن ان نقول شيئا عن تاريخ هذه السينما التي هي مجرد افلام انتجت لاسباب مختلفة، وقالت امال في حوار صريح مع (ايلاف): لايمكن ان تكون لدينا سينما،لانها ستحتاج الى نساء جميلات وشبه عاريات وخليعات حتى يكون هناك شباك تذاكر جيد، اما السينما الملتزمة فلا تنجح نهائيا ولن تأتي بجمهور ولا ايراد.

والفنانة امال ياسين واحدة من ابرز نجمات الثمانينيات ونالت شهرة واسعة من خلال المسلسلات التلفزيونية العراقية او العربية المشتركة، وكان لها حضور مميز على الساحة الفنية، ولكن حلمها الذي ما زال يراودها هو السينما التي تؤكد انها دخلت الفن الا من اجلها، موضحة انها لم تعمل في السينما لاسباب نسائية تتعلق بالفنانات اللواتي كن في ذلك الوقت، ونقلت امال لنا بعضا من اقوال عدد من الفنانين العراقيين والعرب بحقها.

* سمعت عن فيلم سينمائي ستشاركين فيه، هل ثمة صحة لهذا الخبر؟
- انه مشروع فيلم عنوانه (في اقاصي الجنوب) كتب السيناريو والاخراج هادي ماهود، وفيه ثلاث شخصيات: انا وكاظم النصار المخرج المسرحي وفلاح ابراهيم، بالاضافة الى شخصية شاب من مدينة السماوة سيختاره المخرج، موضوعته عن فترة العراقية الايرانية التي كان فيها الجنود يذهبون الى جبهات القتال وهذه المرأة العراقية التي تودع زوجها في محطة القطار وتظل تنتظره من اول ايام زواجها ويحدث لديها حمل وهو غائب في الجبهات، ومن ثم تنجب طفلا ومن ثم تعرف ان زوجها (مفقود) فتظل تنتظره لسنوات وابنها يكبر، وتظل تذهب الى محطة القطار تنتظر عسى ان يرجع زوجها، فتواجه معاناة كبيرة وتواجه اطماع رجال، وهي هنا رمز لبلد.

* هل ما زالت السينما تسحرك فعلا ام خبا سحرها لديك؟
- انا دخلت الفن من اجل السينما،السينما تسحرني، لا.. ليس تسحرني فقط بل انها خلود للفنان، نحن نشاهد افلاما عمرها سبعين او ثمانين سنة، لفنانين لم نسمع بهم، وما زلنا نشاهدهم سواء في الافلام العربية او الاجنبية، فالسينما خلود وبقاء وديمومة للفنان بالاضافة الى كونها ارشيف لبلد، ولكن للاسف لم يكن لي نصيب في السينما، وأقول لك بكل صراحة كان هنالك ناس يبعدونني عن السينما.

* كنت نجمة ولك حضورك ولكنك السينما لم تفتح ابوابها لك؟
- انا كنت مبعدة عن السينما لاسباب نسائية، اي ان نساء ابعدني عنها، وانا اعرفهن جيدا، وهن لهن تأثيرهن، والى الان انا مازلت مبعدة عن الكثير من الاعمال والجوائز الى هذه اللحظة، وتصور ان في احتفالية عيد المرأة لهذا العام ما كنت من ضمن المكرمات، وما اعتقد ان او قصاصة ورق مكتوب عليها تكرم الفنانة فلانة تكلف الدائرة شيئا.

* ما السر وراء هذا؟
- اكيد هنالك سر (تضحك)، وأكيد انا اعرفه، ولكن لا احب ان اصرح به، لانني لا احب ان يفسر تفسيرا اخر، ولكن المهم هناك سر وانا اعرفه، انا لا اريد ان احكي على المؤسسة بشكل مباشر فهي مؤسستي ودائرتي، ولكن هناك تأثيرات وعلاقات والكثير من الاشياء، وهناك حتى انتماء، سابقا كانت هنالك انتماءات، كان في السابق هناك انتماء واحد معروف، ولم اكن منتمية، فكان هنالك مبرر لدى الاخرين، ولكن الان ما المبرر؟.

* في وقت نجوميتك التلفزيونية، الم تعرض عليك المشاركة في اي فيلم؟
- ابدا.. ابدا!!، وحتى التلفزيون كانت هناك العديد من الاعمال يبعدونها عني.

* ما الذي يميزك عن الاخريات لكي تكون هذه الغيرة ان صح التعبير؟
- لا يجوز ان اتحدث انا عن ميزاتي وعن نفسي، ولكن من الممكن لك ان تحلل ان هناك غيرة من البعض.

* هذه المميزات التي لا تريدين التحدث عنها هل امتدحها اخرون؟
- كلمات كثيرة جدا من بدايتي الى هذه اللحظة، شهادات من اساتذة كبار في مجال الفن سواء كانوا عربا او عراقيين، مثلا اول مخرج عربي اشتغلت معه الاردني موفق الصلاح الذي اخرج مسلسل (النعمان الاخير) عام 1981، قال: سيكون لآمال شأن كبير وسوف تكون ممثلة متميزة،اما الفنان الدكتور فاضل خليل في تصريح له على فضائية (السلام) قبل تصوير مسلسل (بيت الطين) مؤخرا قال: انا سألتقي لاول مرة بفنانة اعتبرها خطيرة واللمثل الذي يقف امامها لابد ان يكون حذرا، اما الاستاذ خليل شوقي الذي ما زال حيا يرزق فقال عني في الثمانينيات شهادة جميلة حين قال لي: انت ممثلة لك مستقبل ولكن ان لم تحبي شيئا لا تعملي لانه سيظهر عليك، وانك تمتلكين وجها فيه تعبيران، وتستطيعين تجسيد كل الشر الموجود وتجسدين كل الطيبة والبراءة بهذا الوجه،الاستاذ الفنان المصري رشوان توفيق التقيت معه في الثمانينيات في عمل وقال لي (امال..شكلك جميل جدا فلا تفكري ان تظهري جميلة لانك حلوة رباني، واذا اردتي التركيز فقط طوري بأدائك)، وقالت الفنانة امينة رزق ونحن جالستان في استراحة بعد تصوير في مسلسل (الكبرياء يليق بالفرسان) في مدينة كربلاء في الثمانينيات ايضا وكنت ما زلت في بداية طريقي الفني وقالت لي (سيكون لك مستقبل، قلت لها: كيف، قالت: وجهك معبر جدا بحيث تتحدثين معي ومع كل جملة يتغير وجهك)، اما الفنان عبد الرحمن ابو زهرة الذي صورنا معا مشهدا وكنا نشاهده في (المونيتر) قال للمخرج (نحن ضعنا) فسألته لماذا استاذ فقال: انظري وجهك، انا اقول الحوار ولكن الجمهور ينظر الى وجهك) ثم قال باللهجة المصرية (وشك يضيع بلد)، وكذلك الفنان عبدالله غيث الذي قال حين كنت استعد لتصوير مشهد انه سيأتي لمشاهدتي وحين سألته لماذا؟ قال: (اريد ان اشاهدك كي استمتع بهذه الموهبة) وطلب مني فيما بعد ان اذهب الى مصر،الفنان الكبير بدري حسون فريد قال كلمة لايمكن ان انساها، قال: انا كتبت مسلسلا الوحيدة التي اعطت الشخصية حقها هي امال، كان العمل عنوانه (بضاعة تحت الطلب) وهو اول بطولة مطلقة لي.

* الى اي مدى تحسين نفسك مغبونة فعلا؟
- لا اريد ان اتحدث عن الغبن لان لا يهمني، انا اثبتت وجودي في هذا المجال وحصيلتي جمهور واسع، انا مغبونة داخل الوسط الفني فقط والمؤسسة الفنية، لا اعرف اذا ما كان المخرجون او الجهات المنتجة او بعض النساء اللواتي يغارن او بعض الرجال الذين لا اجاملهم، لا اريد ان اتحدث عن الموضوع.

* كيف تجدين عالم السينما؟
- احس السينما افقا واسعا، احس ان الشخص فيها ينطلق مثل الحصان البري، السينما بأيجاز سحر لا تستطيع ان تفسره، هناك الكثير من المعاني للاشياء ولكنك توجزها بكلمة سحر.

* ما اختلافها عن التلفزيون وانت تعملين فيه؟
- كشغل واحد لانها كاميرا، السينمائية او التلفزيونية على حد سواء، وانا مع الكاميرا انطلق، يصير امامي افق واسع بالاحساس، احس انني لوحدي وابدي كل ما لدي من مشاعر، طبعا في حدود الشخصية، اطلقها امام الكاميرا.

* هل حاولت ازاء الغبن هذه ومواصفاتك المميزة ان تجدي لك موطيء قدم في خارج العراق؟
- حين بدأت مع التمثيل كنت في السابعة عشرة من العمر، وفي العشرين كنت نجمة، وكان تفكريري يختلف عن الان،ثم ان خارج البلد بالنسبة لي كان عالما مجهولا يخوفني، وانا بطبيعتي حذرة جدا، فلم استطع المجازفة، ومن المحتمل ان اقدم تنازلات او ادفع ثمنا غاليا من اجل نجومية كان من المفروض ان ابقى نجمة في بلدي ولدينا كثيرات اشتهرن عربيا، ربما ليس عندي روح المغامرة ثم ان العرب لديهم نجماته، مصر متعصبة لنجماتها في وقتها.

* كيف تنظرين الى تاريخ السينما العراقية وافلامها؟
- (تضحك) ليست لدينا سينما، لو تابعنا افلامها لوجدنا ما يأتي، افلام الثمانينيات كلها قالت الحرب العراقية الايرانية وتكلمت الحرب، وهذه الان ليس لها وجود ولايمكن لاحد ان يشاهدها، لا انت تستطيع ان تعرضها لاسباب سياسية ولا الناس يحبون ان يشاهدونها، في السبعينيات كانت مسيسة وكم فيلم لدينا؟ اما في الستينيات فالافلام التي شاهدتها كانت تقليد لسينما عربية مبتدئة، بحث انا حينما اشاهد فيلم عراقي منتج في الستينيات اضحك، صح هو بداية لكنه مضحك، يعني مثلا: أحد نجومنا الذي هو سامي قفطان يتحدث مع اثنين وحين يغادرهما يقول كلمة (سعيدة)!!، لم يقل (مع السلامة) هل نستخدم في العراق كلمة (سعيدة)؟، مثلا في احد الافلام هناك مشهد في محطة القطار، يمشي فيها اثنان من المجرمين، وهذا يرتديان القبعة الاميركية ونظارات سوداء ويحملون حقيبة ويمشون بين الناس وهما مختلفان عن الناس، يعني ما معناه ان هذين الشخصين (عصابة)، فكانت سينما غير مقنعة، في التسعينيات لا توجد سينما، ام الان فهناك اشخاص كل واحد منهم انتج فيلما على حسابه الخاص، من المعيب ان نتحدث عن السينما العراقية، نحن ليس لدينا سينما.

* كيف يمكن ان تكون لدينا سينما اذن؟
- تحتاج الدولة تهتم بها وتدعمها وكذلك تحتاج الى رؤوس اموال كبيرة من القطاع المختلط،حتى يكون هناك انتاج افلام وليس فيلما واحدا، ولابد ان يحسبوا حسابها للتسويق، كما لابد من وجود صالات عرض لكي يشاهد الناس هذه الافلام، وتأتي بأيرادات وارباح، وهذه الارباح لا تأتي بأي فيلم، هل تعرض لهم عن واقعنا وحرب وقتل في الشارع، لابد من افلام فيها لمسة تجارية، وهذه لا اعتقد تنجح لدينا لانها تحتاج الى نساء جميلات وشبه عاريات وخليعات حتى يكون هناك شباك تذاكر جيد، اما السينما الملتزمة فصدقني لا تنجح نهائيا ولن تأتي بجمهور ولا ايراد، واذا ما اردت الاشتراك به في مهرجانات فلا بد تكون مواصفاته خاصة، بصريح العبارة انا لا اعتقد ان تكون لدينا سينما في العراق.

* الا يحزنك عدم وجود صالات للعرض السينمائي؟
- الصالات تحولت الى مخازن ومحال تجارية، وبصراحة ما عاد يحزنني شي ابدا لا في بغداد ولا في العراق، لانها جزء، لاتنسى هذه ليست البارحة حدثت عندنا،الصالات انتهت، بل من زمان، من بداية الحرب العراقية الايرانية عام 1980،عندما بدأ الشباب يذهبون الى جبهات القتال وبقيت النساء تنتظر، الامهات ينتظرن اولادهن والزوجات ازواجهن، من يذهب بعد للسينما، والجندي عندما يأتي في اجازة لمدة اسبوع من اين له المزاج (الواهس) كي يشاهد فيلما، بل انه يقابل امه او زوجته لانه ربما في الاجازة الثانية لن يعود، لم تبق تلك الاجواء التي يمكن ان يذهب فيها الانسان الى صالة العرض السينمائي.

* الا يمكن اعادة الروح اليها؟
- ارجع الزمن!!، عندما يكون بأمكانك ان تعيد الزمن وتعيد الناس التي تغيرت كثيرا من الممكن ان تعيد الروح لدور السينما، هل ان الشباب التي تراهم في الشارع الان هم انفسهم شباب ايام زمان تلك؟.

* كيف يمكن اعادة الزمن وقد مرت ازمنة ونحن نعرف انها لن تعود؟
- القيادات مهمة جدا، القيادات السياسية وفي الدولة، في تأثيرها على الناس، فالمواطن العادي عندما يرى اللامبالاة عند السياسي وقد باع البلد، فسوف يعمل على بيعه هو الاخر ايضا، سيقول (هل بقيت الحالة علي؟)، وليست هذه جديدة علينا، بل منذ اكثر من 30 سنة، عندما بيع البلد.

* ما السينما العالمية التي تحرصين على متابعتها؟
- اتابع السينما الامريكية فقط لانها هوليوود الا تكفي، فهي السنما العالمية والتقنيات التي فيها، وتبقى للسينما الامريكية ميزة انك تحس ان هنالك مصداقية في كل شي، انا ممثلة ولكن عندما اشاهد فيلم امريكي عن شخص حزين تجدني ابكي معه لانه يقنعني بل انه ينسيني ان هذا فيلم، حتى الحب لديهم ليس كلاما، نحن في مشهد الحب في فيلم عربي دائما الرجل يجلس على طاولة ويقول للمرأة انا احبك، في الافلام الاميركية مجرد ان ينظر اليها، بنظرة تعرف انه كم يحبها، فالتعبير لديهم شغل سينما وليس حوار، نحن السينما العربية لدينا تشبه المسلسل الدرامي مجرد كلام.

* والسينما العربية.. الا تتابعينها؟
لا استطيع الان ان اتابع سينما الشباب، انها تهريج، ثم ان اغلب الافلام تشعرها نسخا اجنبية، فليم اكشن مصري يشبه فيلم اكشن اجنبي، الاستنساخ كثير، قبل ايام شاهدت فيلم (تجي نرقص) لايناس الدغيدي هو نسخة من فيلم لريتشارد غير، وهناك افلام تنتج يسمونها (العشوائيات) يظهرون المجتمع المصري مبتذلا، مجرد اجساد وكل شيء مبالغ فيه حتى الرقص والكوميديا اصبحت تهريجا بينما الافلام القديمة بالاسود والابيض الكوميديا حوار وموقف، وحتى نجومهم الان لايمتلكون مواصفات مثلا محمد هنيدي وهاني رمزي لايمكن ان اقبلهما كشكل على الشاشة.