عبد الجبار العتابي من بغداد: يسعى المثقفون العراقيون الى تأسيس (مجلس اعلى للثقافة والفنون)، من اجل تنظيم حياتهم اللثقافية والابداعية بشكل افضل يتناسب مع الحرية الممنوحة لديهم والطاقات الابداعية التي في البلد، ولكن هذا السعي يصطدم بعقبات عديدة من اهمها ان احدا من القائمين على الدولة لم يسمعهم ولم يلتفت الى هذا المطلب الذي يرى المثقفون انه مهم جدا لادارة الحياة الثقافية في العراق وتنظيمها بالشكل الذي يجعل من بغداد مركزا ثقافيا مهما، فضلا عن اهتمامه ورعايته للادباء والمثقفين الذين يعانون من العوز والمرض كما يستذكر الراحلين منهم، خاصة ان العديد من الادباء في الوقت الحالي غير قادرين على على توفير مبالغ علاج لانفسهم في المستشفيات والكثيرون منهم رحلوا لعدم وجود رعاية لهم، ويرى هؤلاء المثقفون ان تأسيس هذا المجلس لا يتقاطع ابدا مع وزارة الثقافة، فهو سيكون مثل اللجنة الاولمبية ازاء وزارة الشباب والرياضة، ومثل مجلس القضاء الاعلى ازاء وزارة العدل، فيما يرى اخرون ان المجلس قد يخضع لمنطق (المحاصصة السياسية او الطائفية) وبالتالي سوف لن يؤدي دوره المطلوب منه، مشيرين الى ان من الضروري قبل تأسيس المجلس هذا الى اصلاح المؤسسات الثقافية العراقية والا فأن المجلس سيكون حاله مثل حالها.

والمجلس الاعبى للثقافة والفنون في فكرته الاساسية انه يهتم بجميع الشؤون الخاصة بالثقافة في العراق، وتكون من ابرز أنشطته تنظيم عدة مؤتمرات وندوات محلية وإقليمية ودولية، لمناقشة قضايا الفكر والثقافة والفن والأدب، وكذلك التواصل الفكرى بين المبدعين والمفكرين العراقيين والعرب والأجانب، كما يحتفي المجلس أيضا في احتفاليات كبيرة برموز الأدب والابداع والفكر الذين رحلوا او الذين ما زالوا على قيد الحياة، كما تقع على عاتقه تقديم جوائز مالية سنوية للمبدعين عبر مسابقات مثل جوائز الدولة الابداعية وغيرها، كما ينظم عدة دورات تدريبية في مجالات الفن والفلسفة والأدب.

ويؤكد المثقفون العراقيون ان العراق الان احوج ما يكون الى هذا المجلس لان الملف الثقافي العراقي الان في أيدي مسؤولين اداريين رسميين لا علاقة لهم بالهم والامل والواقع الثقافي العراقي، مشيرين الى ان التعثر الذي يحدث في تنظيم العديد من المهرجانات والمؤتمرات سببه هذا، وفي محاولة منا لايصال صوت المثقف العراقي الى من يهمهم الامر والتعريف بضرورة تأسيس هذا المجلس استطلعنا آراء عدد من المثقفين.

يقول الشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين: حاجة ماسة وطالبنا بمثل هذا المجلس منذ سنين وذهبت مطالباتنا ادراج الرياح، وكأننا نصيح في واد مهجور لانه لو كان هذا المجلس قد قام وتولى مهام الثقافة العراقية لما حدثت اشياء كثيرة هي من مسببات الاشكالات والخلافات والاخفاقات ليس آخرها الغاء مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية وما نقبل عليه الا من تعثر مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية في حين لو ان هذا المجلس قائم وبالفكرة التي نريد وبالطريقة التي نطمح اليها لاستدرك اشياء من هذا القبيل وغير هذا، ولا ادري ما السبب وراءه، تلكؤ الحكومة او الجهات الرسمية في اقرار المشروع واقامة المجلس، حقيقة لا اعلم على الرغم من ان المطالبات مستمرة في كل مناسبة من هذا القبيل وحتى المناسبات الكبيرة، نرجو ان يكون المانع خيرا.

واضاف: هذا المجلس اذا تم تأتسيسه من النخبة الواعية القادرة على الاتصال بالاخرين، وحيث لا علاقة له بالمحاصصة ولا بالاحزاب والمناطق، انما المهم ان تخدم الثقافة العراقية التي كانت هي رائدة الثقافات العربية منذ اقدم العصور الى الان، والتي اخذت بالتراجع بسبب هذا التلكؤ الرسمي في دعم الثقافة والمثقفين في العراق، فهذا المجلس ربما يحفظ التوازن ويعيد للثقافة وجهها المشرق بالانفتاح على العرب والاتصال بالجهات العالمية الثقافية باقامة ما يجب ان نقيمه من المهرجانات والمؤتمرات التي تلتقي فيها العقول والاقلام العربية ونحرك الساكن الذي ران عليه الخمول منذ عشر سنوات.

وتابع: نعم.. لدينا وزارة ثقافة ولكن اي فعلها على الارض؟ ألم تكن وزارة الثقافة هي المسؤولة عن النجف عاصمة الثقافة الاسلامية، والان هي المسؤولة عن بغداد عاصمة الثقافة العربية، اين هي هذه العواصم ؟انا ارى ان مجلس الثقافة اكبر بكثير من وزارة الثقافة، فهو المجلس الاعلى للثقافة والفنون والابداع اكبر من وزارة الثقافة واكثر حرية في التحرك لانه غير مشمول بالمعنى الرسمي الحكومي، ويجب ان تقبل الحكومة والاحزاب والكتل به لاننا في عراق جديد وزالت تلك الهيمنة الاحادية على الفكر والثقافة واصبحنا الان قادرين على ان نتصل وان نباشر وان نسافر وان نقول وان نبحث وان نختلف بمحبة، فهذا المجلس هو الخيمة هو الراعي ونحن بانتظاره على اشد من جمر الغضا.

اما الشاعر ابراهيم الخياط، الناطق الاعلامي بأسم اتحاد الادباء، فقال: نحن في العراق احوج من البلدان التي فيها مجلس اعلى للثقافة كمصر وقطر والكويت، واقول اننا بمسيس الحاجة لان لدينا تاريخ حضاري وثقافي ولدينا امتداد لهاذا التاريخ والان لدينا الكثير من الابداع البارز والفوز الكثيف للادباء العراقيين والمثقفين والفنانين في المسابقات العربية، وهذا يزيد من الحاجة الى المجلي الاعلى للثقافة، وهذا المجلس لا يتناقض مع عمل وزارة الثقافة، كما لدينا الان مجلس القضاء الاعلى ولدينا وزارة العدل، ولدينا اللجنة الاولمبية ولدينا وزارة الشباب والرياضة، اللجنة الاولمبية هي من مجموع الرياضيين، المسابقات الدولية والداخلية والدوري ولكن الدعم اللوجستي والمادي والمعنوي يأتي من وزارة الرياضة، الحال يمكن ان يقارن بهذه الوزارة.

واضاف: نحن بحاجة الى مجلس اعلى للثقافة اولا لان الملف الثقافي العراقي الان في أيدي مسؤولين اداريين رسميين لا علاقة لهم بالهم والامل والواقع الثقافي العراقي، وثانيا: كي ينتقل الملف الثقافي الى ايدي المثقفين نحن نحتاج الى المجلس، كما اننا نحتاج المجلس لان لدينا التاريخ الثقافي العريق والتواصل الثقافي المبدع والمشرق، وثالثا: لدينا الفوز.. الذي يجب ان تكون له لجان لتشكيل جوائز تقديرية وتشجيعية، وهذا ما لا تستطيع وزارة الثقافة ولا الحكومة ولا اية جهة، الا المجلس الاعلى ان يقوم بهذا الامر، لان هذا الجانب حساس جدا ولا يمكن تقديره الا من المثقفين ومن مثقفين مرموقين وهؤلاء لايمكن ان يضمهم سوى المجلس الاعلى للثقافة الذي نحتاج اليه لان هناك هجمة من قبل، لا استطيع ان اسميهم السياسيين، لانهم تجار السياسة، فحين يقول احد اعيان احدى القوائم (لو لم تكن وزارة الثقافة تافهة لما منحت الينا)، وهذا يستدعي ان نؤسس مجلس اعلى للثقافة عابرا للقوميات وللطوائف والقبليات كي يكون الانحياز للثقافة وللهم الثقافي، ثم نحن في العراق لدينا اهمال حكومي شديد، لا نستطيع ضمن المؤسسة الحكومية ان نرعى الحالات المرضية للمبدعين لاسيما ونحن لدينا كم كبير، وهذا الكم هو نوع في الوقت نفسه، فالاسماء البارزة هي ليست بارزة ضمن الثقافة المحلية فقط وانما لها مديات عربية بامتياز، يعانون من حالات تقف امامها المعرقلات الكثيرة، لذلك كي نبتعد عن المنة والتوسلات ومن الطلب من الحكومة لمعاينة هذا الاديب او ذاك المثقف او هذا الفنان، فيكون المجلس الاعلى للثقافة هو مكان رعاية المثقفين ايضا.

فيما قال القاص حنون مجيد: حتما.. نحن بحاجة الى مجلس اعلى للثقافة لان المجلس ينظم العلاقة بين المثقف والمثقف الاخر، بين المثقف والمؤسسات السياسية، على الرغم من اننا نتمنى ان يكون مستقلا تماما عن اي قرار سياسي ولكن هذا لا يمنع الاستشارة والتعاون مع القرار السياسي ومع السياسي المنفتح على الثقافة العراقية، فالثقافة العراقية بحاجة الى مثل هذه المؤسسات لانها ثقافة واعدة وهي ثقافة ذات خلفية كبيرة وعظيمة وواسعة، وأعتقد ان تأسيس مثل هذه المؤسسات الثقافية يطلق الثقافة العراقية من اسارها الذي يقيدها الان ويمنعها من ان تتحول الى ثقافة جماهيرية، مخلصة، تتبنى الواقع الثقافي العراقي وتدافع عنه وتكافح من اجله، لاسيما اذا علمنا ان المفهوم هو ان الثقافة العراقية ذات جذر ثقافي كبير يمدها بكثير من المسوغات التي تحييها والتي تنميها والتي تجعل منها ثقافة مميزة ازاء الثقافات الاخرى لاسيما الثقافات العربية المجاورة، انا اتمنى ان يصار الى مثل هذا المشروع وان يتحقق وان تنتخب له انتخابا موضوعيا العناصر الكفوءة بإمعان وتمحيص ودراسة لكي يصبح مشروعا قويما وأمينا على الثقافة العراقية بدون اي تحيزات او اية محاصصات او خلفيات عشائرية طائفية عرقية على الاطلاق، انما الثقافة والمثقف هو الفيصل في هذا المجال.


اما الكاتب والروائي حميد الربيعي فقال: نحن في دولة المؤسسات، بمعنى دولة ديمقراطية حديثة في تجربتها، في حاجة فعلا الى ان تميز مؤسساتها، وواحد من المواضيع الرئيسية والاساسية في الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي هو حراك المثقفين والادباء، فعلى هذا الاساس لابد من وجود مجلس اعلى للثقافة ليرعى شؤون الثقافة خاصة ان الثقافة لا نقصد بها الكتاب الابداعي فقط، انما نقصد الثقافة الى حد التعليم الى حد ارخنة الجهاز الاداري، ضمن هذا الاطار لا بد ان يكون هذا المجلس ذا سلطة فعلية وحقيقية كي نستطيع ان نقول ساعتها لدينا جهة للانتخابات وجهة للثقافة واخرى للتشريع وبرلمان ومؤسسات دولة، وضمن هذا الاطار نستطيع ان نحافظ على بناء دولة حديثة، دولة متقدمة بدل ان نظل خاضعين للانقلابات السياسية او العسكرية والنتيجة النهائية اننا من عام 1920 والى حد الان لم نستطع ان نؤسس دولة حقيقية.
واضاف: المطالبة بالمجلس الاعلى للثقافة والفنون ضرورة ملحة لرعاية تطور المجتمع وعاية الاخذ باستراتيجية حقيقية لبناء دولة حديثة.

وقال الشاعر الدكتور حسن عبد راضي: اعتقد.. قد تكون هناك حاجة، وربما حاجة شكلية لمثل هذا المجلس، ولكن في حقيقة الامر نحن نحتاج الى اصلاح مؤسساتنا في الاصل، لدينا وزارة ثقافة موجودة وقائمة وتبذل جهودا على قدر المستطاع، ولكنها الى الان لم تحقق شيئا، لانها ما تزال تتحرك بوصفها دائرة رسمية وليست مؤسسة راعية للثقافة، وكذلك اتحاد الادباء ما زال يعمل قدر مستطاعه ولكنه ما يزال بعيدا عن ان يحقق ما يصبو اليه المثقف العراقي، نحن نحتاج الى اصلاح هذه المؤسسات في البدء لكي ننطلق الى تأسيس، نحن مثل الذي لديه بيوت مهدمة وتحتاج الى اصلاح فيتركها ويذهب لبناء بيت اخر، علينا اولا ان نصلح ما لدينا ونعمره ومن ثم ننطلق منه الى بناء منابر ومؤسسات اخرى لاسيما ان تداخلا قد يحصل، فماذا نريد نحن من مجلس الثقافة ؟ فلنحدد بالضبط ما نريده، هل لانه موجود فقط في مصر والكويت والمغرب، ام ان هناك حاجة فعلية له ؟ اذا كانت هناك حاجة فعلية..فأين ؟ لندرس.. ولماذا لا تلبي هذه الحاجة وزارة الثقافة واتحاد الادباء ونقابة الصحفيين ونقابة الفنانين والاتحادات الموجودة، ان كانت هذه قادرة على تلبية الحاجة فما بنا حاجة الى تأسيس المجلس، وان لم تكن قادرة فيجب ان نعمل على اصلاحها لتكون قادرة على الانتاج، او نقول انها فاشلة ونعلن افلاسها، وهذا مؤسف ولا اتمنى ان يحصل، ثم نؤسس شيئا اخر لعله ينجح.

واضاف: حسن.. قد نؤسس هذا ولكن ما الضمانات لنجاحه اذا كانت المؤسسات التي لدينا لم تشتغل، ومن اشتغلوا عليها ناسنا ومثقفونا، فلماذا لم ينجحوا فيها، وما يدريك ان المجلس الاعلى للثقافة لم يخضع لمنطق المحاصصة ؟، وهذا ايضا امر يجب ان نضعه في حسباننا، قد يخضع هذا المجلس لمنطق المحاصصة وبالتالي نعود الى نفس القصة، نفشل ومن ثم تنفض الدولة يدها، وهي تقول: خلاص.. اردتم مجلسا اعلى، واعطيناكم اياه ولكنكم فشلتم.

وختم حديثه بالقول: نحن المثقفين علينا مسؤولية اكبر ان ننجح بمؤسساتنا ومن ثم نطالب الدولة بمؤسسات اكثر وبدعم اكبر للمؤسسات القائمة.